هل مازال هناك ثورة سورية ؟!!   – طائر الفينيق

هل مازال هناك ثورة سورية ؟!! – طائر الفينيق

هل مازال هناك ثورة سورية ؟!!
                                        طائر الفينيق

الثورة؛ مفهوم فلسفي، معرفي، متجدد، ومتحوّل في الزمان والمكان. وهذا المفهوم مزروع في بنية الإنسان الفيزيولوجية والنفسية والمعرفية، سواء كان يمتلك الوعي اتجاه هذا المفهوم أم لم يمتلكه. وهو ليس حكراً على المفهوم السياسي، أو العسكري، أو الاجتماعي. فكلمة ، ثارَ يثورُ فهو ثائر، تنطبق على كلّ إنسان يتمرّد على واقع مرير تمرداً سلّمياً أو عنيفاً بقصد تغيير هذا الواقع المرير إلى الأفضل. وصولاً إلى تحقيق شروط حياة اجتماعية، أو اقتصادية، أو سياسية تسمو به إلى الحالة المثلى في الوجود ككل.

لاشك أنَّ المجتمع السوري الذي كان يقبع ( ومازال) تحت نير الاستبداد، وسوء توزيع الثروة والنهب الممنهج، والقمع وكتم الأفواه و نقص الخدمات وانعدام فرص العمل والعيش الكريم والأزمات المتتالية، التي كان يدفع الشعب السوري ثمنها وانعدام العدالة الاجتماعية والفقر المدقع، كل هذه كانت عوامل وشروط مجتمعية كافية لتبلور فكرة التمرّد على هذا الواقع المرّ، والقاسي. والذي تسببَّ فيه نظام سياسي غاشم جاهل لا يدرك معنى التطوّر ولا يتقن قراءة حركة التاريخ ولا يعرف معنى التغيير الذي هو سمة طبيعية من سمات الكون وخصائصه. والذي صمَّ آذانه أمام كل الأصوات الواعية التي بدأت تنبّه إلى خطورة المضيّ بهذا الشكل البائس للأنظمة الذي عفا عنه الزمان. كانت الباكورة الأولى في بيان المثقفين السوريين في العام 2000 والذي سمُيَّ بيان ال 99، وتلاه بعد عام بيان الألف، واللذّان نبهَّا بشكل مباشر وواضح إلى ضرورة التغيير الجذري في نظام الحكم وأساليبه البالية قبل أن يفوت الأوان ويحصل ما لا يُحْمَدُ عقباه. وللأسف لاقت تلك الأصوات المثقفة والسياسية الرد العنيف الذي وصل حد السجن لبعضهم بدلاً من الإصغاء لتلك المطالب التي كانت أنقذت سوريا مما هي فيه الآن . فقط، لو أنهم أحسنوا القراءة وأصغوا لتلك النداءات المطلبية المحقّة لنخبة واسعة من الشعب السوري.

عندما جاء الربيع العربي بحراكه التاريخي الكبير، لم تكن الشعوب العربية، ومنها الشعب السوري، يمتلك الوعي الثقافي والفكري السياسي لمواجهة حراك بهذا الحجم وهذه التحدّيات الكبرى. فالأسئلة كانت كبيرة، ربما بحجم الألم و المعاناة التي استمرت عقوداً في العالم العربي ككل. يعود ذلك إلى ثلاثة أسباب رئيسية:

أولاً- التغييب المعرفي والثقافي الكبيرين اللذان أدخلت الأنظمة العربية مجتمعاتها فيهما، منذ منتصف القرن العشرين وما بعد.

ثانياً- غياب الحياة السياسية المنهجية وتعطيلها وتدمير الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وهي المسئولة عن خلق الوعي وتنميته وتطويره. وصولاً إلى صهر المجتمع في كتلة مجتمعية واحدة ذات طابع وطني منظّم.

ثالثاً-  تشجيع الأنظمة العربية وتقويتها للمشاريع الدينية و الأصولية في مجتمعاتها التي تغيّب الفكر السياسي الحر لجهة تبنيّها للفكر الديني – الغيبي- والذي لا يلتقي بحال من الأحوال مع تطوّرات الحياة المعاصرة وفكرة المجتمع المدني العلماني والذي ينبثق عنه بنية الدولة الديمقراطية التداولية في الحكم والقرار والمشاركة المجتمعية العامة للحكم.

كانت العوامل الثلاث السالفة الذكر، عوامل مشتركة في فلسفة الحكم بين كل الأنظمة العربية التي صارت تأخذ مشروعيتها من مواجهات دامية تحصل بينها وبين التيارات الدينية. وكانت في غالب الأحيان هي، أي الأنظمة السياسية، من يختلق هذه المواجهات. كما حصل في الجزائر في التسعينيات من القرن الماضي وما حصل في سوريا في الثمانينيات وفي مصر وتونس وغيرها من بلدان. حيث وظّفَت هذه الأنظمة حربها المزعومة مع التيارات الدينية كشمّاعة تعلّق عليها فشلها، وتدّعي أن علمانيتها- المزعومة- أيضاً هي مهددة. وكل صوت كان يخالف هذا التوجه كان مصيره السجن، أو الترحيل والنفي ألقسري أو حتى القتل ..!!

مما سلف، يتبين لنا أنه كان من الطبيعي أن تأخذ الأحداث في سوريا منحاً دينياً لدى بعض فئات الحراك الثوري، أو بعض الشرائح التي تنتمي أصلاً إلى بيئات متزمتة دينياً. وساهم النظام في زيادة تزمتّها وتغييبها اجتماعياً وسياسياً. ولكن هل كان كل ما حصل في سوريا يندرج تحت مظلّة التوجه الديني؟ بالتأكيد لا. فقد كان هناك حراكاً مدنياً التفت عليه السلطة السياسية ووسمته بالتزمت والتدّين والأصولية بغية تحويله إلى حراك تاريخي رجعي يخشاه المجتمع السوري الذي عُرٍفَ عنه الانفتاح والتميز والتعايش المدني والسلمي الاجتماعي خصوصاً مع تعدد الانتماءات القومية والدينية والطائفية في سوريا، والتي عاشت لقرون طويلة خلَت في سلام وأمان ضمن هذه التركيبة الفسيفسائية النادرة.

عززَّ النظام في سوريا من قوة وإرهاب الحراك الديني. وساهمت في تقويته وتدعيمه بكوادر أطلقتها من سجونها، ومنظمات أخرى أتت بها من دول الجوار. كداعش وغيرها وركزت حربها على فصائل الجيش الحر والحراك المدني السلمي الذي كان سهلاً الانقضاض عليه بسبب عدم امتلاكه للتنظيم الكافي والقوة البشرية الكبيرة وافتقاده للدعم والقدرة على الحرب والمواجهة مع سلطة عنيفة جداً ولا ترحم . زاد الطين بله التداخل الإقليمي الذي تسببّت به السلطة، في سعي حثيث لنقل الصراع وتحويله من حراك اجتماعي مطلبي محق يأخذ طابع الثورة، إلى صراع محاور إقليمية ومن ثمَّ دولّية، ثمَّ إلى تحويل الحرب برّمتها مع فصائل الثورة إلى حرب ضدَّ الإرهاب. بذريعة أن هذه الفصائل هي ذات مشروع ديني أصولي وهي تستقدم المسلّحين من خارج سوريا لمساندتها وتحقيق مشروعها.

اليوم؛ هل مازال هناك ثورة في سوريا؟. إنه سؤال كبير يستدعي مراجعة كليّة شاملة وكبيرة. ولكن الثورة في سوريا مازالت قائمة. قد تكون خامدة في منطقة، ومشتعلة في أخرى، وفي حالة كمون في مكان ثالث. وفي حالة تحضير في رقعة جغرافية أخرى. لكن الحقيقة التي لا تقبل الشك هو أن الثورة في سوريا مازالت موجودة و قائمة وإن لم يكن بالزخم الذي نتمنّاه، أو بالقوة التي نرجوها ونحلم بها والقادرة على التغيير. ولكنها موجودة في قلب وعقل كل مواطن سوري، إلاّ تلك الزمرة الفاسدة الانتهازية التي أوصلت البلاد والعباد إلى ما نحن فيه الآن. أمّا ما تبقى من شرائح المجتمع السوري وبنيته الاجتماعية العريضة، فإننا على يقين من أن مفهوم الثورة المعرفي والفلسفي وحتى الحركي، متجَّذر في صدور الجميع. لسبب بسيط وهو أن كل الشروط التي تتطلّب قيام الثورة هي قائمة منذ عقودٍ خَلَت، وتستوجب الاستمرار في تغييرها. وصولاً إلى الدولة الديمقراطية ودولة الحق والقانون، والحرّيات، والعدالة الاجتماعية. دولة لجميع السوريين تكون فيها الهُوية الوطنية السورية الواحدة، هي الهُوّية الجامعــــة ..!!

  • Social Links:

Leave a Reply