محددات المبادئ فوق الدستورية

محددات المبادئ فوق الدستورية

د. عبد الله تركماني *

المادة الأولى: يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء.

المادة الثالثة: لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

في العالم العربي عامة، وفي سورية على الخصوص، تشتد الحاجة إلى إجراءات محددة تطمئن الأفراد على حقوقهم، من خلال اقتراح آليات واضحة وصريحة، بعضها قد يأخذ شكل آليات دستورية، وقد يستلزم بعضها آليات فوق دستورية، بمعنى أن تكون مبادئ تأسيسية لا يجوز التراجع عنها لقيامها على قاعدة الحقوق الأساسية التي لا يُسمح لأية سلطة تجريد المواطنين منها.

إذ تنطوي منظومة حقوق الإنسان على مجموعة من الحقوق الطبيعية، التي تشمل عدة فئات من الحقوق: الحقوق السياسية والمدنية، وتتمثل في حقوق الحياة والحرية والكرامة الشخصية، البدنية والمعنوية، وضمان المحاكمة العادلة وحرية العقيدة والتعبير والتنظيم المهني والسياسي. والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مثل حقوق العمل وفقا لأجر عادل، والتعليم، والعلاج، والدخل المناسب.

إنّ الحرية هي أصل جميع الحقوق، وهي قيمة في حد ذاتها تملأ حياة الإنسان وتعطيها معنى. فقد استقر الفكر الإنساني على وجود ترابط عضوي بين التنمية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وكذلك العلاقة المتبادلة التي لا تقبل التجزئة بين مجموعة فئات الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلا أنّ الأساس في هذا الترابط هو قيام الأنظمة الديموقراطية على منظومة ثلاثية لحقوق الإنسان والتعددية السياسية والفكرية والمشاركة السياسية، بحيث تغدو الحقوق مبادئ موجِّهة والتعددية أطراً تنظيمية والمشاركة ممارسة عملية للحقوق والواجبات.

وطالما أنّ الضمانات الدستورية تعاني الضعف، فرغم ما تحفل به الدساتير العربية من مبادئ تكفل الحقوق والحريات وضمانات حقوق الإنسان، إلا أنّ معظمها يضعف هذه الضمانات باستدراكات تخلُّ بها، كما يحيل معظمها تنظيم ممارسة الحقوق المختلفة إلى قوانين، عادة ما تفرغها من كل مضمون، ويضمّن بعضها شروطاً سياسية تطيح بالضمانات القانونية التي سبق أن أقرتها. ومن الإشكاليات التي تستوجب المعالجة الجدية بغية الممارسة الفعلية للحقوق الطبيعية للإنسان يمكن أن نذكر ثلاثاً:

1- ما هي وسائل إدراج الأحكام التي تناولتها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان في النظام القانوني للأقطار العربية ؟

2- ما هي درجة القوة القانونية لنصوص الاتفاقيات الدولية في التسلسل الهرمي القانوني الداخلي للأقطار العربية، وإذا حصل تعارض بين التشريع الوطني النافذ وأحكام الاتفاقيات الدولية فأي نص أَولى بالتطبيق ؟

3- هل تجوز إثارة أحكام الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان أمام القضاء الوطني لدى الدولة العربية المنضمة لهذه الاتفاقيات ؟ وما هي الإشكاليات التطبيقية المتفرعة عنها ؟

إنّ المبادئ فوق الدستورية لها صفة الإطلاق والدوام والسمو، فتكون بذلك محصَّنة ضد الإلغاء أو مخالفتها ولو بنصوص دستورية. ويجب وضعها كوثيقة ومبادئ أساسية ينبغي مراعاتها عند وضع الدستور، ويجب على واضعي الدستور الالتزام بها وعدم المساس بها أو الحياد عنها. حيث لابد من أن يتم تحديد مبادئ دستورية لا يجوز تجاوزها بالنسبة للهيئة التى ستضع الدستور بتفويض من الشعب. وهذه المبادئ الدستورية التى لا يجوز تجاوزها تتصل بالحريات العامة، التى لم يتنازل الشعب عنها حينما قرر إقامة سلطة يخضع لها فى حدود القانون، فهو قد اشترط بالضرورة عدد من الشروط منها خضوع السلطة للقانون، ومن حيث تحديد الحدود التى يتم تنازل الفرد والمجموعات المختلفة عن حريته وحرياتهم، لقاء ما توفره الدولة لهم من أمان، فأي تشريع يتيح للدولة أكثر مما هو مطلوب من الفرد أن يتنازل عنه من حرية يؤدى بالضرورة لطغيان السلطات العامة، ويفقد الشعب حرياته الأساسية.

ما يهمنا هنا الناحية الموضوعية، التى تحتم أن لا يخرج واضعو الدستور عن المبادئ فوق الدستورية، التى تحدد لهم حدود تفويضهم بحيث تلزمهم بأن تتضمن مسودة الدستور مبادئ معينة لا يمكن لأية أغلبية استبعادها من الدستور، ولا يجوز لأية أغلبية إحلال أحكام لا تتفق معها فى ذلك الدستور، ونظرنا فى ذلك لتجربة جنوب أفريقيا، والتى تم تبنّي مبادئ فوق دستورية تم إلزام الجمعية التأسيسية بها، عن طريق إخضاع مسودة الدستور لمراجعة المحكمة الدستورية.

وفي سورية ما بعد التغيير يُفترض في الجمعية التأسيسية، التي ستصوغ دستوراً جديداً، أن تثبِّت المبادئ فوق الدستورية التى لا تستطيع أية أغلبية أن تستبعدها، إضافة إلى خضوع الحكومة للمحاسبة الشعبية، والتبادل السلمى للسلطة واستقلال الاجهزة الدائمة للدولة، عن كل التكوينات الحزبية والسياسية، والفصل بين السلطات فى حدود التوازن، والمراقبة المتبادلة، واستقلال السلطة القضائية حقيقةً وفعلاً عن السلطة التنفيذية، والتكوينات السياسية، وقبول ضرورة أن يتضمن الدستور وثيقة الحقوق على نسق الوثائق الدولية المقبولة .

 

  • باحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة

  • Social Links:

Leave a Reply