متى تضع المأساة السورية حدا لأوزارها ؟ ..

متى تضع المأساة السورية حدا لأوزارها ؟ ..

د.حبيب حداد

القتال والتدمير الوحشي يتواصلان بكل ضراوة في احياء حلب الشرقية مستهدفين البشر والحجر وكل ما يمت الى بنيان الحضارة الإنسانية بصلة. والطرفان المتقاتلان يسابقان الزمن ويستجمعان الآن كل مالديهما من عناصر البطش و القوة ويحشدان كل أشكال العتاد ووسائل الفتك والخراب ، سواء منها المجازة أو المحرمة دوليا. وذلك في تصعيد حدة هذا الصراع بهدف إنجاز بعض المكتسبات على الارض في فترة يبدو ان الوضع الدولي سيظل في حالة غياب وعطالة لبضعة أشهر بانتظار معرفة سياسات الادارة الامريكية الجديدة في هذه المنطقة وبانتظار تسلم الأمين العام الجديد للأمم المتحدة مهامه بصورة رسمية . والغريب في هذا الوضع بل ان ما هو أدهى وأمر في فصول هذه المأساة المستمرة منذ سنوات ان كلا من الطرفين المتقاتلين يعلن أنه بأفعاله وممارساته إنما يدافع عن الشرعية التي يرى ان الأقدار ومصلحة البلاد والعباد قد ألقت على عاتقه مسؤلية الدفاع عنها وحمايتها مما يتهددها من اخطار ومؤامرات . فنظام الفساد والاستبداد الشمولي لا ينفك يعلن في كل وقت انه يدافع عن كل شبر من ارض الوطن باسم مشروعية سيادة الدولة السورية المنتهكة أرضا وجوًا وبحرا من قبل مختلف الأطراف الدولية ،سواء المعادية له أو المتحالفة معه !!! ، والمجموعات الإرهابية المسلحة تبرر لنفسها كل ما ترتكبه من اجرام يستهدف كل اسس الكيان الوطني تاريخا وحاضرا ومستقبلا باسم تمثيلها لثورة السوريين وتحقيق اهدافهم في إقامة دولة الخلافة الاسلامية من جديد !!! لكن وفي كل الأحوال فان نتايج الصراع الأعمى بين هاتين الشرعيتين الوهميتين طوال السنوات الماضية ، واستمرار هذه الحرب العبثية المجنونة ، هو ما تعيشه سورية الْيَوْمَ من كوارث ونكبات طالت كل مقوماتها الوطنية والاقتصادية والعلمية والحضارية ، ولعل اخطرها ما لحق بوحدتها الوطنية من تصدع وتمزق واحتراب سواء على المستوى الوطني أم على مستوى النخب الفكرية والثقافية والسياسية . تلك النخب التي كان ينتظر منها ان تضطلع بمهمة قيادة عملية انقاذ وطنها وتحقيق تطلعات شعبها في بناء دولة الحرية والديمقراطية والمساواة . وقد كان التصدي الواعي والجاد لحمل هذه المسؤولية ولوضع حد لهذه المأساة المتفاقمة يقتضي اول ما يقتضي العمل الجماعي المنظم وعلى كل الأصعدة لوقف هذه الحرب المدمرة الْيَوْمَ قبل الغد ، هذه الحرب التي أصبح كل سوري يعز عليه مصير وطنه يعي جيدا انها تدار وتجهز وتمول من خارج الحدود وأنها في حقيقتها لم تكن الا الحرب في سورية وعليها، وان ضحيتها الاولى كانت ولاتزال الشعب السوري ، الذي اريد له وبايدي ابنائه ان يكون وقود هذه المجزرة الشاملة التي لن تظل في ابعادها ومخاطرها مقتصرة على حاضر ومستقبل الشعب السوري وأزمات المنطقة ، وإنما ستطال انعكاساتها السلم والأمن الدوليين . بل وابعد من ذلك فان الماساة السورية ، وكما يرى العديد من المراقبين السياسيين ، ربما تعطي مؤشرا قاتما لما يمكن ان ينحدر اليه الوضع الدولي ولطبيعة التحديات التي قد تواجهها البشرية في مطلع هذا القرن الجديد الذي كان وما زال يؤمل منه ان يمثل حقبة اكثر تقدما وعدلا وسلاما في المسار الحضاري الإنساني .

ان كل المبادرات التي طرحتها الامم المتحدة او الدولتان اللتان تملكان التأثير الأكبر في إيجاد حل للمسألة السورية اَي روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الامريكية ، كانت قاصرة ولَم يكتب لها النجاح حتى الان لانها من وجهة نظرنا لم تستند بصورة عملية الى جوهر قرارات الشرعية الدولية ذات الصِّلة وبخاصة منها القرار رقم 2254 . فلقد اصبح واضحا للجميع عقم كل مبادرة لاتتضمن كإجراءات أولية ومباشرة وقف الاعمال القتالية فوق جميع الاراضي السورية ورفع الحصار عن المدن والمناطق التي يشملها وتأمين حرية ادخال المساعدات الانسانية والطبية وحرية الحركة والتنقل في جميع هذه المدن والمناطق . ولا بد في الوقت نفسه ان تتوفر آلية فعالة لمراقبة التقيد بوقف كل الاعمال القتالية بواسطة قوات إشراف دولية تابعة للأمم المتحدة . كما ينبغي ان تترافق هذه الإجراءات بالتوقف التام عن تغطية المنظمات الإرهابية وضرورة عزلها والتصدي لها بكل حزم مثل جبهة النصرة-فتح الشام ،او الجبهة الشامية او احرار الشام او جيش الاسلام او الزنكي او … والتي لا علاقة لهل من قريب او بعيد بما يفترض انه الجيش الحر ، فكلها في حقيقتها منظمات ارهابية معادية لقضيتنا الوطنية ولمشروعنا التحرري الديمقراطي الموحد ، بل ولقضايا الانسانية كلها ،كما انها لا تقل في أخطارها عن تلك المجموعات الطائفية الاخرى التي يستقدمها النظام وحلفاؤه من كل حدب وصوب ،

الحرب الأهلية الإقليمية الدوليةالمدمرة العبثية في سورية وعليها متواصلة منتهكة ابسط الاعراف الدولية القانونية والأخلاقية ومرتكبة ابشع الجرايم ضد الانسانية ، والاطراف المحلية والدولية الضالعة فيها تسابق الزمن لتحقيق مكاسب وانتصارات وهمية على حساب الدم السوري قبل اي شيء اخر . الشعب السوري الذي يكابد في أتون هذه المِحنة القاتلة ليس له الا الاعتماد على نفسه وعلي ابنائه الواعين المخلصين وعلي كل قوى الحرية والتقدم في أمته وفي العالم اجمع . وسيتمكن شعبنا في اجل اقرب مما قد يتوقعه الكثيرون ان يفرز من بين صفوفه ممثليه الحقيقيين الذين يرفعون صوته ويعبرون حقا عن ارادته الحرة في صنع مستقبله . هكذا كان قدر شعبنا ان يخوض غمار هذه التراجيديا الانسانية التي لم يخضها شعب آخر على امتداد نصف القرن الماضي والتي لا بد ان تنتهي بانتصار إرادة هذا الشعب العظيم الذي صمد وضحى بالغالي والرخيص والذي صمم على ان يقدم للانسانية من خلال قدرته على وضع حد لمآساته وانسجاما مع رصيده الحضاري المتميز ، مجتمعا جديدا تسوده وتظلله مبادئ وقيم الحرية والعدالة والحداثة وروح العصر .

  • Social Links:

Leave a Reply