الاستراتيجية والتكتيك الروسي الجديد ــ السفير بسام العمادي

الاستراتيجية والتكتيك الروسي الجديد ــ السفير بسام العمادي

 

بعد أن اتفقت مع تركيا حول الشأن السوري لم تغير روسيا استراتيجتها القائمة على تثبيت نظام بشار، به أو بدونه، لكنها غيرت جذريا من تكتيكاتها لبلوغ هدفها النهائي، إذ بعد اعادة احتلال حلب لم يعد لديها الوقت ولا الحاجة للاستمرار بالتكتيك العسكري، وتحولت لتكتيك سياسي مستفيدة من المكاسب العسكرية. فقامت باستدراج الفصائل الثورية إلى الاستانة مرتين بعد توقيعهم على اعلان وقف لاطلاق النار أودعته الأمم المتحدة، يعترف بشرعية النظام وينفي عنهم صفة الثورة، وفي نفس الوقت لايقيد النظام ولا إيران ولاميليشياتهم به لعدم اعتماد آلية مراقبة لتطبيقه ولانظام ردع لمن يخرقه. بل أكثر من ذلك ادعت لهم الحق ب”محاربة الفصائل الإرهابية” المزعومة في وادي بردى وغيرها من المناطق المحررة التي استمر النظام والميليشيات باستهدافها، بل وشاركت في قصفها في العديد من المناطق ومنها درعا ومستشفياتها ومرافقها المدنية، وهدفها النهائي إعادة جميع المناطق إلى سيطرة النظام ومنها الغوطة وكل ماحول دمشق لتقوية موقف النظام.

وبذلك استطاعت روسيا تجميع الفصائل العسكرية وتخصيص مسار خاص يتحكم بهم، وعملت بالتعاون مع ديمستورا بالضغط على مسؤولي الهيئة العليا لتغيير قادة الوفد إلى جينيف من عسكريين إلى مدنيين، وحشر العديد من المتنطعين لل”بروظة” في الوفد باسم سياسيين وخبراء وفنيين، بهدف واحد هو اضعاف قدرة الوفد على قول “لا” لما سيجري فرضه في جينيف، كون هؤلاء لايملكون أية قوة عسكرية على الأرض، ولاخبرة حقيقية باساليب التفاوض ونظم المؤتمرات ودهاليزها، بل حتى استمرار بقائهم في الوفد – وهو أكبر هم أكثرهم – يعتمد على رضاء من عينهم فيه. كذلك ضغط ديمستورا لإدخال “منصات” اقرب للنظام منها للمعارضة بالتهديد بتشكيله بنفسه للوفد القادم، فهرع مسؤولو الهيئة لإدخال أشخاص محسوبين على هذه “المنصات”، ولتكتمل السخرية لم يقبل هؤلاء بما منح لهم بل يريدون أكثر، وسيحصلون عليه. ، وبذلك تعمل روسيا للوصول إلى مفاوضات في جينيف تنتهي حتى بأقل مما جاء في ما سمي “مشروع الخبراء” الذي يقبل بتقاسم السلطة مع النظام والذي وقع عليه اكبر مسؤول في الهيئة العليا.

من جهة أخرى، وإمعانا في دوره المنحاز والعامل لتحقيق الهدف الروسي هدد ديمستورا بأن تغيير الأجندة التي وضعها لجينيف القادم سيعني “الجحيم”، ولاأدري من أين يستمد هذا ال”المبعوث” هذه الوقاحة. وأنصح الوفد بأن يصر على أن تكون أجندة جينيف مطابقة لمرجعية إنشائه وهو القرار 2254 الذي يعتبر بيان جينيف 2012 جزء أساسي منه، والذي يؤسس لمرحلة انتقالية من النظام القائم لنظام حكم آخر، وإجبار ديمستورا على وضع الانتقال السياسي أول بند على تلك الاجندة،ولتحقيق ذلك هناك اسلوب خاص في المؤتمرات يمكن ل”خبرائهم” إرشادهم إليه لتحقيق ذلك، وأن لايكرر الوفد خطأه السابق بالانسحاب من المفاوضات كي لاتصبح الكرة في مرماه، بل لتنتقل إلى مرمى الآخرين. .

المهم أن هذه الاستراتيجية الروسية متوقفة على صمت وقبول الطرف الأمريكي لها، وهذا غير متوقع خاصة بعد أن صدرت تصريحات أوربية بعدم القبول بتغيير مسار المفاوضات عن جينيف أو موازاته بمسار آخر، وبأن واشنطن لن تتعاون مع روسيا مادامت تعتبر المعارضة السورية إرهابية. يبقى علينا الاستفادة من هذا المستجد، والعمل على تعزيز هذا الاتجاه بإجراء مشاورات مع جهات دولية لإفشال التكتيك الروسي الجديد ذي الوعود الخلبية الكاذبة التي يسارع البعض لتصديقها بل لترديدها.

  • Social Links:

Leave a Reply