نهاية الخداع الروسي في سورية ــ حسان حيدر

نهاية الخداع الروسي في سورية ــ حسان حيدر

أعادت الضربة الصاروخية الأمريكية لقاعدة الشعيرات الجوية الأزمة في سورية سنوات إلى الوراء، بعدما تمكَّنت موسكو خلال هذه الفترة من تفتيت الإجماع الغربي والعربي على رحيل بشار الأسد، عبر تقديم نفسها “راعيًا” لتسوية متعددة المراحل لإنهاء الحرب بالتعاون مع المجتمع الدولي، بينما لم يتعدّ ما قامت به عمليًّا تثبيت نظام دمشق ومنحه ركائز للاستمرار، لكن هذا “الحل” الوهمي سقط اليوم وسقطت معه خديعة الحياد الروسي.

نجح بوتين من خلال سلسلة مناورات أعقبت المذبحة الكيماوية في غوطة دمشق في 2013، في إقناع الأمريكيين والغربيين، من دون كبير جهد، بأن التركيز على إزاحة الأسد لا يخدم الوصول إلى تسوية في سورية، مستفيدًا من انفتاح أمريكي موازٍ على إيران، الداعم الرئيس الآخر لنظام دمشق، التي دفعت في اتجاه تحييد موقف واشنطن.

بعد الغوطة ووعيد أوباما، قدمت روسيا بديلًا للأمريكيين تمثَّل في “تفكيك” الترسانة الكيماوية للنظام، وحصلت على تأييد إسرائيل التي ضغطت معها على واشنطن للقبول بهذا الخيار، ومع أنه تبيَّن اليوم بوضوح أن هذا الاتفاق جاء ناقصًا، لأنه جعل خبراء الأمم المتحدة يكتفون بالتعامل مع الجزء المعلن من الترسانة، إلا أنه شكَّل في وقته “خرقًا”، استغلته موسكو إلى أقصى الحدود في تلميع صورة “الحل” الذي تدعي رعايته.

وثبت لاحقًا أن إيجابيتها اللفظية كانت مجرد تمهيد للتدخل العسكري المباشر بعدما شعرت بتلاشي قوة النظام وعجز الميليشيات الإيرانية المتعددة بمفردها عن تأمينه، وسرعان ما تبدَّى أن كل ما وعد الروس بإنجازه لم يتم وفق الصورة التي قدموه بها، فاتفاقات وقف إطلاق النار المتنقلة التي رعوها انهارت في كل مرة شعر النظام أنه يستطيع استغلالها لتحقيق تقدم ما، وباتت سياستهم تقتصر على إيجاد تبريرات لخروقاته، كذلك تبين “فشل” موسكو في منع عمليات التهجير الطائفية التي ساومت عليها إيران، وجرت ولا تزال تجري تحت نظر الروس.

قال الروس إنهم يتدخلون في سورية لتحقيق التسوية، وإن من الضروري أن يرسلوا قواتهم ليمسكوا بزمام الأمور، وسرت تحليلات وتوقعات بتقليص الدور الإيراني، لكن ظهر على الأرض أن موسكو زادت تنسيقها مع طهران في تبادل مرسوم للأدوار، تمثَّل بشكل جليٍّ في حصار حلب، ثم اجتياحها، ثم محاولة “تصفير” المعارضة في جنيف، ونزع الأوراق من يدها.

واستخدم الروس أيضًا شعار “محاربة الإرهاب” لإغراء الغربيين القلقين، وسعوا إلى ضمِّ نظام دمشق إلى التحالف الدولي ضد “داعش”، لكن تبيَّن عمليًّا أنهم لا يقصدون بالإرهاب سوى المعارضة المشروعة للنظام.

أما اليوم، وبعد الاعتداء الكيماوي على خان شيخون، فقد عادت مسألة إطاحة الأسد إلى الأولويات الغربية، وباتت روسيا نفسها متهمة، إما بالتواطؤ وإما بالعجز، وإما بالتحايل على العالم، فيما نظام دمشق مهددٌ في عاصمته، وما تبقَّى من جيشه منهكٌ وغير قادر على خوض أيِّ قتال من دون مساعدة “الحرس الثوري” و”حزب الله” وسائر المجموعات الإيرانية.

وإلى جانب عروض التعاون التي حملها وزير الخارجية الأمريكي إلى موسكو، هناك التلويح بفرض عقوبات جديدة إذا واصلت روسيا حماية الأسد والتمسك بدور له في مستقبل سورية، بعدما استنفد كلَّ شرعيةٍ له منذ سنوات طويلة، أي أن الأمريكيين وحلفاءهم يُخيِّرون الروسَ بين الانضمام إلى حلٍّ يقوم على تغيير النظام، وبين عُزلة لن يقوَوا على تحمُّلها، بعدما تهاوى مع الضربة الأمريكية الغطاءُ العسكري والسياسي للنظام، الذي حاولت روسيا الإيهام بمناعته.

ومع أن موسكو لا تزال تملك أوراقًا للمراوغة والمساومة، فإنها تدرك أن المواجهة مع الأمريكيين وحلفائهم في سورية ستكون مكلفة جدًّا لها، في مقابل الدفاع عن “استثمار” بائس جدًّا، يُدعى نظام الأسد.

  • Social Links:

Leave a Reply