بيروت الغصة ــ صبحي دسوقي

بيروت الغصة ــ صبحي دسوقي

 

عندما وجهت إلي الدعوة لحضور مؤتمر لمدة ستة أيام في بيروت ، امتلأت نفسي بالفرح ، ورحت أترقب يوم وصولي إليها ، بيروت التي أحببتها منذ طفولتي وشبابي ، وزاد هيامي بها حين زرتها أنا وحبيبة عمري ذات زمن.

بيروت الأهل والأصدقاء ومقاهي الأدباء والشعراء والفنانين ، ولهفة أهلها بنا ، المدينة البسيطة والعاشقة للحياة، على أزقتها وشوارعها حفرنا بصمات مرورنا ، وتركنا أثر حبنا لها في كل تفاصيلها .

دخلتها وقلبي يسابقني إليها ، الأصوات اللبنانية الأليفة وصوت فيروز والترحيب المحبب أول من صافح روحي لحظة دخولي إليها ، وأمام بوابة أمن المطار اغتيلت لهفتي لها ، على امتداد ساعة ونصف من الأسئلة والاستفسار والتهديد المبطن بمنعي من دخولها لخمس وعشرين عاماً مقبلة.

على جواز سفري كتبوا خمسة أيام سياحة ، وعليَّ مغادرتها قبل انتهاء المدة والا فالمنع سيثبت على اسمي وجواز سفري.

على البوابة كان زملاء السفر بانتظاري وابلغوني أنهم لم يتركوا أحداً من أمن المطار إلا وسألوه عني وكانت الاجابات متطابقة:

– لقد خرج إلى الفندق.

في سيارة الأجرة انطويت على روحي ، وعلى أصابعي رحت أعد الأيام التي تفصلني عن مغادرتها مرغماً.

وضعت نفسي في الاقامة الجبرية في الفندق ، وحبست رغباتي بالخروج ، رحابة بيروت تضيق ، وإلفتها تتبدد ، وتتغير صورتها المحببة وتتحول رؤيتي لعذوبتها ، إلى تهديد دمغ على جواز سفري كي يذكرني ما بقيت حياً بتبدلها وتغيرها.

في ساعات الصباح الأولى أفقت مذعوراً ، بحثت عن قلبي فلم أجده ، لقد تمكن من الفرار بعيداً عن صدري والغرفة المغلقة ، ارتديت ثيابي على عجل ولحقت به ، كانت الأمطار تهطل بغزارة والشوارع مقفرة ، وراح البرد يتغلغل في عظامي ، باعدت خطواتي حتى اقتربت من الركض ، انتقلت إلى شوارع محببة إلى قلبي ، فوجدته يسير أمامي برفق وحنو وكأنه يروم عدم ملامسة الأرض ويحدق في تفاصيل الأرصفة ، تبعته بحذر اللص كي لا يفاجئه حضوري فيمعن في هربه ولا يتمكن جسدي المتعب من اللحاق به ، حدقت حيث سرنا أنا والحبيبة كانت آثار قدميها مرسومة هناك وكأن نحاتاً ماهراً قد أفلح في نقشها بحيث أضحت مطبوعة وظاهرة للعيان.

  • Social Links:

Leave a Reply