مدنيون يخرجون من الرقة ــ علي العائد

مدنيون يخرجون من الرقة ــ علي العائد

 

عن أهوال “لا معركة” الرقة وقتلاها المدنيين وداعش

أين تبخر 35 ألف داعشي كانوا يحتلون في شهر أغسطس (آب) من 2014 مساحة تقدر بـ 203 آلاف كيلومتر مربع (95 ألف كيلومتر مربع في سوريا و108 كيلومتر مربع في العراق) روت لي صديقة نازحة من الرقة تفاصيل مما شاهدته يوم 25 مارس (آذار) الماضي، عندما سرت في الرقة شائعة أن سد الفرات سينهار لتصل مياهه إلى مدينة الرقة خلال 15 دقيقة. والمهم من تلك التفاصيل أن آخر حواجز داعش شمال غرب الرقة سمح لعشرات آلاف الناس بالمرور إلى “بلاد الكفر” حتى الخامسة من عصر ذلك اليوم. وأكدت الصديقة أن الشائعة التي تداولها الناس في ذلك اليوم أن (أبو بكر البغدادي) هرب من الرقة متخفياً بين النازحين عبر الحاجز المذكور.

قد تكون تلك مجرد شائعة، وغير صحيحة، بالنظر إلى أن عبور البغدادي إلى تلك المنطقة المسيطر عليها من القوات الكردية غير منطقي، والأرجح أنه هرب في اتجاه البادية، هذا إن كان في الرقة أصلاً.

لكن المؤكد أن قادة داعش وأمنييه وشرعييه في الرقة هربوا منذ نهايات آذار الماضي، عندما كانت التوقعات أن معركة الرقة ستبدأ في أول أبريل (نيسان) الماضي، وأن إشاعة انهيار السد فبركها التنظيم لتغطية هروب قادته من الرقة بين جموع الناس. على الرغم من وجود ترجيح آخر يشير إلى أن “قسد” هي من أطلقت الشائعة ليهرب الناس من المدينة كي تقلل من الخسائر بين المدنيين حين يبدأ قصف المدينة تمهيداً للمعركة.

ونقلاً عن مصدر وصفه صديق لا يزال مقيماً في الرقة بالموثوق، فإن حوالي 3400 من الدواعش العرب، وخصوصاً السوريين، فروا من الرقة، خلال الشهور الثلاثة الماضية، حتى بداية الأسبوع الأخير من يونيو (حزيران).

وأضاف الصديق أن من تبقى من داعش في الرقة لا يتجاوز عددهم 700 عنصر، وفقاً للمصدر الموثوق نفسه، وأن أغلب هؤلاء ينتمون إلى كازاخستان، وإندونيسيا، وأفغانستان، وتركيا، ومن بينهم عدد قليل من العرب غير السوريين.

وفي مدينة صغيرة تمتد أفقياً، كالرقة، وتقع كلها على الضفة اليمنى لنهر الفرات، لا يمكن لداعش إنشاء خطوط دفاعية، مثل خنادق، أو أنفاق، فكلما اقتربت من النهر يصبح حفر نفق أمراً مستحيلاً بسبب التربة الكلسية النفوذة للماء، ما يعني أن الماء سيتدفق بعد حفر أمتار قليلة. وأي نفق آمن يتطلب حلولاً هندسية لا يمتلك داعش الوقت لإنشائه، خاصة أن النفق يجب أن يكون مجهول المكان.

أما ما تم الوثوق فيه من أخبار الإجراءات الدفاعية لداعش فيتعلق بفتح البيوت العربية على بعضها، عبر فتحات في الجدران للمرور من بيت إلى بيت، الأمر الذي يعني أن معركة حرب الشوارع منظورة من التنظيم، وهي التي تتوقعها “قوات سوريا الديموقراطية”، وقوات النخبة التابعة لتيار الغد الذي يرأسه أحمد الجربا (الرئيس الأسبق للائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة). هذا إضافة إلى مظلات على طول بعض الشوارع، وسواتر ترابية في طول وعرض بعض الشوارع، خاصة في حي “الرميلة” شمال شرق المدينة.

تقديرات الأصدقاء هناك ترجح أن أمريكا، من وراء “قسد، و”النخبة”، تصر على إطالة زمن المعركة، والمبالغة في القصف والترهيب لتكبير النصر “أمام قط من ورق، وليس نمراً من ورق”، حسب وصف صديق أكد أن ما تبقى من عناصر داعش في الرقة “مجموعات مشتتة، تتقاتل على ربطة الخبز، وعلى معبر على نهر الفرات لتهريب الناس والهروب معهم”.

وينقل الأصدقاء أن داعش مارس في يونيو (حزيران) الماضي عمليات إعدام مفبركة في حق موقوفين في سجونه، بعضهم من عناصر التنظيم، وقام بسحلهم في الشوارع على أنهم أسرى من القوات الكردية، أو العملاء لـ”قسد”.

وعن الملاحظات حول “المعارك” في الرقة، رأى صديق أن أي اشتباك مباشر لم يحصل، ناقلاً انطباعه “تشعر أنه مفبرك”، مثل مشاهد “البروموشون” التي نتابعها على التلفزيون “مقاتل من المهاجمين يطلق في اتجاه الهواء من وراء جدار، وسبطانة سلاحه مائلة نحو الأعلى!”.

وتشير الأرقام أن النسبة بين عدد من تبقى من داعش في الرقة والقوات المهاجمة لا تصل إلى واحد من داعش مقابل عشرة من المهاجمين. وبفرض صحة رقم 700 من داعش، سيكون عدد المهاجمين سبعة آلاف. والمعلوم أن داعش يجيد الهجوم أكثر بكثير من الدفاع، ما يرجح صحة سعي أمريكا وحلفائها إلى “تكبير حجم النصر”.

القصف قبل يوم من عيد الفطر كان “جنونياً”. وحسب شهادة أصدقاء، طالت قذائف المدفعية أحياءهم التي لا توجد فيها مقرات لداعش. وشمل القصف استخدام الفوسفور الأبيض فوق “حي التوسعية” غرب الرقة.

وكل الشواهد، والتحليلات، والأخبار، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، تدل على خوف القوات المهاجمة من التسرع، والوقوع ضحايا لكمائن داعش ومفخخاته، أكثر من حرصهم على سلامة المدنيين. صحيح أن داعش يتمترس في الأحياء، وسط المدنيين، لكن صحة اتهام داعش بأنه يأخذ المدنيين دروعاً بشرية لا تتعدى خمسين في المئة (كنسبة جزافية)، أما النسبة المتممة فهي أن مدفيعة قسد، وطيران التحالف، يستهدفان المدنيين، بالقصف العشوائي الذي لا يخيف انتحاريي داعش، كون القذائف تقع لا على التعيين على رؤوس 100 ألف مدني ينتشر بينهم 700 داعشي، أو 1500، أو 3000، ليس أكثر من ذلك.

والسؤال المطروح اليوم: أين تبخر 35 ألف داعشي كانوا يحتلون في شهر أغسطس (آب) من 2014 مساحة تقدر بـ 203 آلاف كيلومتر مربع (95 ألف كيلومتر مربع في سوريا و108 كيلومتر مربع في العراق)، إذا كان من تبقى منهم في الموصل 200 عنصر، وفي الرقة 700 عنصر.

  • Social Links:

Leave a Reply