نبراس دلول | الحقوق الجديدة في منظومة حقوق الإنسان

نبراس دلول | الحقوق الجديدة في منظومة حقوق الإنسان

 

لاشك أن مفاهيم حقوق الإنسان هي من أكثر المفاهيم تطوراً ماتطور الإنسان ذاته في إحتياجاته وعلاقاته إن مع الإنسان الأخر أو مع المجتمع أو الدولة أو حتى مع المنظومة المسماة: المجتمع الدولي.

و من الملاحظ، ومنذ عقد السبعينيات من القرن الماضي ، أن الحديث عن حقوق الإنسان لم يعد مقصوراً على حقه في الحياة بعيداً عن التهديد بالموت ،ولا عن حقه بعدم وقوع التعذيب والإعتداء الجسدي عليه الخ. بل إن حقوق الإنسان أخذت بالتطور لتشمل مناحي كثيرة غير تلك المرتبطة بالعلاقة القانونية الكلاسيكية بين المواطن والدولة ، أو مايعرف بالحقوق الأساسية المتضمنة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.

ولعل قصور وعينا في دول العالم الثالث بكثير الحقوق التي إستقر عليها المجتمع الدولي يعود بالدرجة الأولى إلى أننا لم ننل الحقوق الأساسية بعد ، أي تلك الحقوق المعبر عنها بشكل أولي وأساسي في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.

على أن ذلك لاينفي حقنا ، كشعوب عالم ثالثية، على الأقل في معرفة تلك الحقوق الجديدة و في النضال من أجلها جنباً إلى جنب مع نضالنا في سبيل تحصيل وإحقاق الحقوق الأساسية ، وهذا على مايبدو مصيرنا في أن لانسير في التطور خطوة خطوة وبشكل طبيعي وتدريجي، وإنما دائماً عبر حرق المراحل  أو دمجها وهذا نتيجة للتخلف التي تجعلنا ننظر إلى الدول المتقدمة لنرى فيها أنفسنا مستقبلاً، ولكأنها المرآة التي تعكس ماسوف نكون إن لحقناها وأدركنا بعضاً من تطورها.

من هنا يمكن أن نبوب ثلاثة عناوين رئيسية ضمن ما اصطلح على تسميته بـ “الحقوق الجديدة” والتي باتت تأخذ حيزاً ليس فقط من الدراسات الأكاديمية والجامعية، بل أيضاً من النشاط الحقوقي المباشر.  هذه العناوين الثلاثة هي: الحق في السلام- الحق في التنمية- الحق في بيئة نظيفة. وسنحاول في هذه العجالة  تسليط بعضاً من ضوء عليها ، كنوع من التعريف والتثقيف بها.

الحق في التنمية:

أي أن يحيا الناس حياة طويلة وخالية من العلل وأن يتعلموا وأن تتاح لهم الموارد اللازمة لأن يعيشوا حياة كريمة. وقد جاء التوسع في هذا الحق، وبإعطائه أولوية كبيرة، نتيجة للمزج السطحي وغير العلمي بين مفهوم النمو الإقتصادي من جهة والرفاه الإنساني من جهة ثانية. فعلى الرغم من أن النمو الإقتصادي هو شرط أساسي من شروط التنمية فإنه ليس الشرط الوحيد أو الكافي. فلقد أثبتت دول عديدة أنها قادرة على تحقيق النمو الإقتصادي دون أن يعني ذلك رفاهية الإنسان في تلك الدول، في الوقت الذي هناك دول تتميز بنمو إقتصادي متوسط على سلم التصنيف العالمي لكنها إستطاعت تحقيق معدلات تنمية ورفاهية إنسانية كبيرين حتى أكثر من الدول المدرجة ضمن العشر الأولى في قائمة الناتج المحلي الإجمالي.

إذاً، كانت ضرورة التفريق بين مفهوم النمو الإقتصادي ومفهوم التنمية البشرية هو الأساس الذي بني عليه التأسيس لحق الإنسان في التنمية وذلك ضمن ثلاثة شروط ، أو مؤشرات رئيسية، وهي متوسط الدخل ومتوسط العمر ومستوى التحصيل العلمي، بحيث هناك إعتبار رئيسي إلى أن هذه المؤشرات الثلاثة مرتبطة ببعضها بشكل جدلي. إذ لايمكن الحديث عن عمر مديد خال من العلل للإنسان دون وجود دخل جيد وتعليم جيد والعكس صحيح. وقد لعبت الأمم المتحدة دوراً مهماً في بلورة هذا المفهوم كحق، خصوصاً بعض الأجهزة التابعة لها كالمجلس الإقتصادي والإجتماعي ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية CNUCEA.

كما لعب الدور المحوري أيضاً برنامج العمل لعام 1974 . و يمكن الإشارة في هذا الصدد إلى أن الأمانة العامة  للأمم المتحدة قد عملت على تكليف فريق حكومي من 15 خبيراً لإعداد إتفاقية دولية حول الحق في التنمية، وقد عمل الفريق مابين عامي 1981-1984 في محاولة للتوفيق بين مواقف الدول النامية والدول الرأسمالية المتقدمة. وفي الدورة 41 جرى تبني الإعلان حول الحق في التنمية بالقر ار 128/41 بأغلبية 146 دولة ومعارضة دولة واحدة هي الولايات المتحدة الأميركية وإمتناع 8 دول عن التصويت.

يتميز هذا الإعلان الصادر في عام 1986  بتكريسه الحق بالتنمية من خلال توزان الحق الفردي بالتنمية ومسؤولية الدولة لإعمال وتفعيل كافة حقوق الإنسان، والبعد الجماعي لهذا الحق وبرفع العراقيل من وجهة التنمية في البلدان الفقيرة. ولعل أكثر مواد هذا الإعلان تعبيراً عن مضمونه وأهدافه هما المادتين 2 و 3 ، وفيهما:

المادة 2

– الإنسان هو الموضوع الرئيسي للتنمية وينبغي أن يكون المشارك النشط في الحق في التنمية والمستفيد منه.

– يتحمل جميع البشر مسؤولية عن التنمية، فرديا وجماعيا، آخذين في الاعتبار ضرورة الإحترام التام لحقوق الإنسان والحريات الأساسية الخاصة بهم، فضلا عن واجباتهم تجاه المجتمع الذي يمكنه وحده أن يكفل تحقيق الإنسان لذاته بحرية وبصورة تامة، ولذلك ينبغي لهم تعزيز وحماية نظام سياسي واجتماعي واقتصادي مناسب للتنمية.

– من حق الدول ومن واجبها وضع سياسات إنمائية وطنية ملائمة تهدف إلى التحسين المستمر لرفاهية جميع السكان وجميع الأفراد على أساس مشاركتهم، النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفى التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها.

المادة 3

– تتحمل الدولة المسؤولية الرئيسية عن تهيئة الأوضاع الوطنية والدولية المواتية لإعمال الحق في التنمية.

– يقتضي إعمال الحق في التنمية الإحترام التام لمبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون فيما بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة.

– من واجب الدول أن تتعاون بعضها مع بعض في تأمين التنمية وإزالة العقبات التي تعترض التنمية. وينبغي للدول أن تستوفى حقوقها وتؤدى واجباتها على نحو يعزز عملية إقامة نظام اقتصادي دولى جديد على أساس المساواة في السيادة والترابط والمنفعة المتبادلة والتعاون فيما بين جميع الدول، ويشجع كذلك مراعاة حقوق الإنسان وإعمالها.

يذكر أن الإجماع الكبير الذي حظي به هذا الإعلان قد لعب دوراً محورياً في إنطلاقة تقارير الأمم المتحدة السنوية الخاصة بالتنمية البشرية وذلك بدءاً من العام 1990، بحيث صار مفهوم التنمية مؤشراً ومقياساً ضرورياً أكثر من مفهوم النمو الإقتصادي المجرد.

الحق في السلام:

إن حديث السلام وضرورته هو حديث قديم قدم المجتمعات والحروب، ولكن إعتباره حقاً ضمن منظومة مفاهيم حقوق الإنسان هو مايعتبر أمراً جديداً بعدما كانت المفاهيم التقليدية عن حقوق الإنسان تنحو المنحى الذي ذكرناه أعلاه. وعلى الرغم من أن مواثيق المنظمات الدولية، بما في ذلك ميثاق منظمة الأمم المتحدة، تدعو جميعاً في متونها إلى أهمية العمل على إقرار السلام، إلا أن أياً من الوثائق والعهود الدولية الأساسية المنبثقة عن الجهود الدولية في الترويج لثقافة حقوق الإنسان لم تذكر عنه شيئاً إلى أن جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 39/11 تاريخ 12 تشرين الثاني عام 1984 وهو المعروف ب ” الإعلان الخاص بحق الشعوب في السلام”.

لقد صدر هذا الإعلان يومها بأغلبية 92 صوتاً مقابل لا شئ مع امتناع 34 عضواً من الدول عن التصويت. وقد طالب الإعلان الأمين العام للأمم المتحدة أن يكفل نشره على أوسع نطاق ممكن بين الدول والمنظمات غير الحكومية . وبعد ديباجة عن مساعي الأمم المتحدة تاريخياً على فرض السلم الدولي ومنع الحروب وما إلى ذلك، فإن الإعلان يُختتم بأربعة مطالب رئيسية تعبر عن نزوع الدول الأعضاء نحو السلام وأهمية تحقيقه، وهذه المطالب الأربعة قد جاء ذكرها عقب تنويه مهم فحواه: (( وإذ تعرب… في تفادي وقوع كارثة نووية عالمية واقتناعاً منها أن الحياة دون حرب هي بمثابة الشرط الدولي الأاساسي للرفاهية المادية للبلدان ولتنميتها وتقدمها وللتنفيذ التام لكافة الحقوق والحريات الأساسية التي تطالب بها لأمم المتحدة)). إن إعتبار أن لا حريات ولا حقوق إنسان دون توقف الحروب والنزاعات هو أهم ما جاء في هذه الوثيقة، حيث أن كل ما قد أصدرته الأمم المتحدة من عهود ومواثيق دولية تعنى بحقوق الإنسان تبقى قاصرة عن بلوغ مبتغهاها دون الحديث عن ضرورة وقف الحروب التي تحط بالكرامة الإنسانية إلى أبعد مايكون وتعطل كل فكرة الحقوق أساساً.

ويكمل الإعلان: (( ..وإذ تسلم بأن ضمان حياة هادئة للشعوب هو الواجب المقدي لكل دولة فإنها:

1- تعلن رسمياً أن شعوب كوكبنا لها الحق المقدس في السلم.

2- تعلن رسمياً أن المحافظة على حق الشعوب في السلم وتشجيع هذا الحق يشكلان إلتزاماً أساسياً على كل دولة.

3- تؤكد أن ضمان ممارسة حق الشعوب في السلم يتطلب من الدول أن توجه سياساتها نحو القضاء على أخطار الحرب، وقبل كل شئ أخر الحرب النووية ونبذ إستخدام القوة في العلاقات الدولية، وتسوية النزاعات الدولية بالوسائل السلمية على أساس ميثاق الأمم المتحدة.

4- تناشد جميع الدول والمنظمات الدولية أن تبذل مابوسعها للمساعدة في تنفيذ ضمان حق الشعوب في السلم عن طريق إتخاذ التدابير الملائمة على المستويين الوطني والدولي.

حق الإنسان في البيئة:

يُنسب للفيلسوف والمناضل الألماني فريدريك أنجلس قوله في الربع الأخير من القرن التاسع عشر أن النضال ضد الرأسمالية لم يعد فقط لكون هذا النظام مسؤولاً عن إستغلال موارد الأجيال الحالية وإنما أيضاً بسبب إستنزافه لموارد الأجيال اللاحقة!!. من هذا القول المنسوب لإنجلز يمكننا أن نعي حقيقة أن إستنزاف الموارد يعني بالدرجة الأولى إفناء جميع سبل ومقومات الحياة النظيفة والصحية، وأن لامعنى للتطور الإقتصادي والتكنولوجي إذ كان الحرمان من البيئة مرادفاً لهما.

ومن المهم القول في هذا الصدد أن نتائج الحرب العالمية الثانية وماتخللته من أخطار نووية وإستخدامات لأسلحة فتاكة أثرت على طبقات الجو والتربة، قد ساعد بدوره في توجيه الجهود لصياغة مفهوم الحق في البيئة كواحد من حقوق الإنسان. ويمكننا الإشارة أيضاً – وكنوع من تلخيص للدوافع الباعثة للإهتمام بمفهوم الحق في التنمية- إلى ما جاء في تقرير اللجنة العالمية حول البيئة والتنمية الصادر في أكسفورد عام 1987 تحت عنوان ” مستقبلنا المشترك”: (( إن إستمرارية الحياة لوقت طويل للإنسانية معرض للخطر على نطاق واسع بوساطة انفجار الإنتاجية في مجتمعنا التبديدي المبذر. فبالافراط في إستعمال الخروقات الحفرية للفحم والبترول والغاز الخ، سوف ينمو على الأرض غاز ثنائي اكسيد الكربون في الغلاف الجوي وضغط غاز الميتان يعمل على تسخين الكوكب الأرضي، حيث بدأت مشاكل الجفاف، ونقص مستوى الأنهار الطبيعية والصناعية. كما بدأت طبقة الأوزون تتلف ، بحيث يمكن القول أن البلدان الصناعية بدأت بتخريب إمكانية الحياة وإنتاج بلدان العالم الثالث)).

بشكل عملي، فقد جرى تطوير هذا الحق منذ العام 1972 على مستوى الأمم المتحدة من خلال “إعلان استوكهولم” ، ثم بعد ذلك بعدد من الإتفاقيات الدولية. وقد جاء ” إعلان إستوكهولم ” بعد أربع سنوات من الإجتماعات واللقاءات التحضيرية، وقد تضمن 109 توصيات تدعو من خلالها وكالات الأمم المتحدة والدول إلى التعاون الجاد في سبيل مواجهات التحديات البيئية التي تعصف بكوكبنا.

ولعل أهمية ” إعلان إستوكهولم ” تكمن في أنه شكل دافعاً رئيسياً لظهور منظمات الدفاع عن البيئة بشكلها الجنيني، هذا إضافةً إلى دوره في دفع الكثير من الدول حول العالم إلى تضمين دساتيرها الوطنية مواداً تعنى بأهمية البيئة والحفاظ عليها وواجب الدولة بالعمل على ذلك. ومن تلك الدساتير المشار إليها، أي تلك التي أدرجت في بنودها الحق في البيئة، هناك: دستور اليونان عام 1975- البرتغال 1976-القانون الاميركي 1970.

من الجدير ذكره أن هناك إتفاقيات إقليمية عديدة قد ضمنت في بنودها حق الإنسان بالبيئة، كما في الإتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان . كما نلاحظ في منطقة الشرق الأوسط اهتماماً واضحاً في تضمين البيئة وقضاياها في برامج الأحزاب السياسية خصوصاً اليسارية منها.

إذاً، لم تعد حقوق الإنسان في منظوراتها الدولية مقتصرة على حقوقه السياسية والمدنية، بل تعدتها وكما لاحظنا أعلاه إلى حقوق جديدة تشمل مناحي مختلفة تعنى بأسباب وشروط الحياة ذاتها. فلاقيمة للحديث عن حقوق سياسية في ظل غياب السلام الدولي، كما أنه لافائدة من الحديث عن الحقوق الإقتصادية بغياب التنمية البشرية، ولاقيمة من تناول كل ماسبق بينما وجود الإنسان بحد ذاته بات مهدداً بانعدام البيئة التي هي شرط أساسي لوجوده واستمراره كنوع.

  • Social Links:

Leave a Reply