فزغلياد: لا تتعجلوا دفن “تنظيم الدولة الإسلامية”

فزغلياد: لا تتعجلوا دفن “تنظيم الدولة الإسلامية”

 

ترجمة – سمير رمان

أريد التحدث عن أمرٍ ما غير مقبولٍ، في اللحظة الراهنة، أمرٍ يغيب عن اهتمام غالبية المعلقين المبهورين، نتيجة النشوة التي يعيشونها، بعد النجاحات الاستراتيجية على جبهتنا السورية.

أجل، إن فك الحصار عن دير الزور هو تحولٌ نوعي نهائي؛ ذلك أن “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” -وهو أكثر أعدائنا جديةً وخطورةً على المسرح السوري- يتعرض اليوم لهزيمةٍ ساحقة. الكثير من محللينا وكتابنا المبهورين من حجم هذه الهزيمة، يستعجلون دفن التنظيم هناك، عند دير الزور، غير أن لدينا أكثر من “ولكنْ”.

تفحصت، في هذا المقام، مصادر “معتدلة” ناطقة باللغة الروسية، عن أكلة لحوم البشر؛ تعطي هذه المصادر توقعاتٍ قاتمةً، وبحسب تقديراتها: “في أسوأ الأحوال، إذا استمرت المجموعات في روح الانقسام ذاتها، وغياب قيادةٍ إسلاميةٍ سياسية موحدة صادقةٍ، داخل سورية؛ فإن نهاية مذلة بانتظار (ثورة الشام)”.

دعواتهم للتوحد موجهة بالدرجة الأولى إلى “تنظيم الدولة الإسلامية”، لأن بقاياه في سورية التي لم تحطم بالكامل بعد، تشكل قوةً مهمةً للغاية. بغض النظر عن الجدل السابق، فإن “التكفيريين والجهاديين والمعتدلين” مستعدون لمسامحة “الإخوة الضالين”، في سبيل القضية المشتركة.

في هذا الوقت، يستمر “تنظيم الدولة الإسلامية” باللعب في اللعبة المرسومة له، دون أن يلتفت لا إلى دعوات “الأخوة”، فهو لا يكترث بـ “ثورة الشام”، ولا بادعاءات النصر التي يطلقها “الكفرة” -الروس- التي يصرحون فيها أنهم على وشك دفن التنظيم، فهو بشكلٍ ما، لا يدرك ذلك.

هزيمة “تنظيم الدولة الإسلامية” في سورية أمرٌ في غاية الجدية، ولكن هذا لا يمنع من تعميمها على اتجاهاتٍ أخرى، أهمها جنوب شرق آسيا (نتذكر الفيليبين) وآسيا الوسطى. وهذه اتجاهاتٌ، فيها خطرٌ كامن، يكمن أنْ يحولها إلى جبهاتٍ ساخنةٍ جديدة، في المستقبل المنظور.

في 31 أيار/ مايو من هذا العام، توجه سيرغي لافروف إلى “شركائنا” بتوضيحاتٍ، تتعلق بتصريحاتٍ لبعض البرلمانيين الأفغان، تتحدث عن تحليق طائراتٍ، فوق المناطق التي يسيطر عليها “تنظيم الدولة الإسلامية” في أفغانستان، وإلقاء هذه الطائرات أسلحة ومعدات عسكرية، وكذلك قيامها بإنزال مجموعة من المقاتلين.

في الثاني والعشرين، عادت ماريا زاخاروفا إلى الموضوع نفسه، مؤكدةً، أن استمرار التزام “شركائنا” الصمت، حيال هذا الأمر، يغدو أكثر وضوحًا. في حقيقة الأمر، إن الواقعة التي صرحت عنها أخيرًا وزارة الخارجية الروسية المتعلقة بطائرات هليكوبتر مجهولة الهوية، ليست بالأمر الجديد. ففي شهر كانون الأول من عام 2015، أعلن رئيس برلمان أفغانستان عبد الظاهر قدير أنه يمتلك معلوماتٍ عن مشاركة الاستخبارات الباكستانية مع عددٍ من المتمردين الأفغان من دائرة الرئيس أشرف غاني الانتخابية، بنقل مقاتلين من “تنظيم الدولة الإسلامية”، ممّا يسمى منطقة القبائل بين أفغانستان وباكستان، إلى معسكرات تدريبٍ شمال أفغانستان.

تم رصد طائرات هليكوبتر بيضاء لا تحمل علاماتٍ مميزة، بالإضافة إلى طائرات مي-8 ن الموجودة في الخدمة، لدى القوات المسلحة لحماية الأمن القومي في أفغانستان، كانت تشارك في نقل المقاتلين، وفي تزويد مجموعات تنظيم الدولة بالعتاد والمعدات. عدا ذلك، قامت هذه الطائرات بشن ضرباتٍ على مواقع (حركة طالبان)، دعمًا لتنظيم الدولة في قتاله ضد الحركة.

في مقابلةٍ مع بوابة (أفغانستان-آر يو)، في السادس من نيسان/ أبريل عام 2016، تحدث الجنرال المتقاعد جاويد كوهيستاني عن أن قوى أجنبية تساعد في عمليات نقل المقاتلين في مناطق أفغانستان الشمالية. بالاستناد إلى عدة مصادر، من ضمنها نواب في البرلمان الأفغاني، صرح كوهيستاني أن نقل مقاتلي “تنظيم الدولة” وتزويدهم بالعتاد يتم أيضًا باستخدام الطائرات.

حول التهديد المتزايد من جانب “تنظيم الدولة الإسلامية” في أفغانستان، وخلال مؤتمرٍ صحفي عُقد في التاسع عشر من شهر نيسان/ أبريل من العام الماضي، تحدث الممثل الخاص للرئيس الروسي للشؤون الأفغانية زامير قابولوف، ووصف حال الأوضاع بأنها “قاتمة للغاية”، معتبرًا أن الأميركيين يصورون أنهم يخوضون حربًا لا هوادة فيها ضد “تنظيم الدولة الإسلامية”، ولكنهم في الواقع يرسمون “لوحاتٍ زاهية” لا أكثر.

جاء في المقابلة الكثير من المعلومات المثيرة والمفيدة، عن وتائر تزايد أعداد مقاتلي “تنظيم الدولة الإسلامية”، أماكن معسكرات تدريبهم التي تشكل اللغة الروسية اللغة السائدة فيها، وكذلك عن استهداف الضربات الأميركية لمجموعات (حركة طالبان) التي رفضت التعاون مع تنظيم الدولة. أكثر من ذلك، يستمر ازدياد الوضع سوءًا.

بالعودة إلى سورية، ما هو الواقع في الوقت الراهن؟

النصر قريب، ضربةٌ أُخرى وسيفرُّ العدو. صورة التحول النهائي المرئية في الحرب، والمشاعر المرافقة له تقول ذلك أيضًا. “تنظيم الدولة الإسلامية” ينحني تحت وقع الضربات العنيفة من الأرض والجو. حالات الفرار والاستسلام الجماعي لعناصر انهارت معنوياتهم تقع، كما أن تناقص موارد التمويل وتضاؤل القدرة على دفع المخصصات النقدية يؤدي إلى تسربٍ إضافي للكوادر. وباختصار؛ ما يجري هو بمثابة نهاية العالم، بالنسبة إلى مقاتلي “تنظيم الدولة الإسلامية”. فماذا تقول المصادر من داخل دائرة التنظيمات الجهادية؟

بحسب أحد الأشخاص العاملين على جمع وتحليل المعلومات، لدى إحدى الدوائر الجادة، يتم بشكلٍ تدريجي نقل مقاتلي التنظيم، من مسرح عمليات الشرق الأوسط إلى أفغانستان.

شخص آخر، من “الجوالين” في الصحراء السورية، ربيع هذا العام، تحدث بأن المواقع المحصنة، التي استولى عليها المقاتلون الروس، كانت بحماية مقاتلين سوريين عديمي الخبرة، يتملكهم الخوف. ولم يشتبك المقاتلون الروس، في واقع الأمر، مع “قواتٍ خاصة” رئيسية. ومع ذلك، عندما كانت ترتكب أخطاءٌ في التخطيط، كانت الوحدات الروسية تتعرض لأوضاعٍ صعبة من قبل وحدات تنظيم الدولة المدربة التي كانت تهاجمهم. في تلك الأوضاع، كانت المجموعات الروسية تنسحب وهي تخوض المعركة، مخلفةً وراءها ألغامًا زرعتها. كانت المهنية تلعب دورها في إنقاذ مقاتلينا.

فمن يُنقل إلى الساحة الأفغانية بالفعل؟ إنهم الخبراء ذوو القيمة العالية، أصحاب الخبرة، المحترفون، المقاتلون المجربون. أي كل من يجب المحافظة عليه للمهمات الكبيرة القادمة. القسم الأكبر من المتبقين من مقاتلي تنظيم الدولة سيتم “شيّهم” داخل الجيوب المحاصرة، إنهم ببساطة “قطع لحم” لا تستحق الأسف. بالطبع، سيبقى جزءٌ من المقاتلين الطيبين، وبذلك تصبح مهمةُ “الكفار” أسهل. وهكذا، وبينما تحلق وسائل النقل، وعلى متنها من يلزم نقلهم، سيواصل “الكفار” العمل الجاد لتصفية بؤر المقاومة المتبقية.

في الوقت نفسه، يزيد الأميركيون من تواجدهم العسكري في أفغانستان، ويواصلون ضرب طالبان، الذين يعتبرون في الوقت الحالي القوة الوحيدة القادرة على مواجهة “تنظيم الدولة الإسلامية” في أفغانستان. فهل تبقى حاجةٌ لمزيد من التوضيح، بأن أفغانستان ستكون -بالنسبة إلى الخلافة- بمثابة نقطة انطلاقٍ، بعد تعزيزها على نحو متين، للقيام بالقفزة التالية باتجاه الشمال (روسيا- المترجم).

على هذا النحو تُرسم الخارطة. والشيء المفرح أن قيادتنا السياسية والعسكرية العليا تتابع الوضع عن كثب، وتقوم بتقييم الخطر بدقة، وتقوم بما يتوجب عليها القيام به.

في الختام، ثمة شيءٌ آخر من الداخل. ففي العام الماضي، جرت عملية جمعٍ، في منطقة ما في أقاليم روسيا الجنوبية، لخبراء، ومن ضمنهم خبراء من جمهوريات آسيا الوسطى، ممن يمتلكون خبرة العمل في ظروف المناطق الجبلية. فهذه ليس سورية.

  • Social Links:

Leave a Reply