نمو الرأسمالية وتبلور الطبقات. احتدام الصراع الطبقي.

نمو الرأسمالية وتبلور الطبقات. احتدام الصراع الطبقي.

نمو الرأسمالية وتبلور الطبقات. احتدام الصراع الطبقي. 

قلنا إن المجتمع الرأسمالي يحكمه تناقضان أساسيان ويعاني من علتين أساسيتين. فهو أولا «فوضوي» أي ينعدم فيه التنظيم. وهو مكوّن، ثانيا، من مجتمعين متناحرين (من طبقتين اجتماعيتين متناحرتين). كذلك لاحظنا أنه مع تطور الرأسمالية تؤدي فوضى الإنتاج، التي تعبر عن نفسها بالمنافسة، إلى المزيد من النزاع والاضطراب والفوضى. ويزداد تفكك المجتمع بدلا من أن يتضاءل. هذا كله وليد انشطار المجتمع إلى شطرين وقسمته إلى طبقات. فمع تطور الرأسمالية، يستمر هذا الانشطار الطبقي. تتكدس ثروات العالم في جهة، أي معسكر الرأسماليين، أما في الجهة الثانية، أي معسكر في المقهورين، فيتراكم البؤس والمرارة والدموع. ويولد جيش العمل الاحتياطي فئة من الأفراد المنحطين، ضحايا الفقر الذي يسحقهم. ولكن حتى الذين يعملون في مهن ثابتة، يتميزون بوضوح، في نمط حياتهم، عن الرأسماليين. والواقع أن تمايز البروليتاريا عن البرجوازية ينمو باستمرار. في السابق، كانت هنالك فئة من الرأسماليين الصغار تربطها صلات وثيقة بالبروليتاريا، تعيش في مستوى معيشة أحسن بقليل من مستوى معيشة البروليتاريين. الأمر مختلف الآن. فأسياد رأس المال يعيشون بطريقة لم يكن ليحلم بها إنسان من قبل. صحيح أن مستوى معيشة العمال قد تحسن مع تطور الرأسمالية. منذ نشأة الرأسمالية حتى مطلع القرن العشرين، عرف العالم ارتفاعا عاما في الأجور. لكنه شهد خلال الفترة ذاتها نموا أسرع لأرباح الرأسماليين. وها أن بونا شاسعا بات يفصل بين الجماهير الكادحة والطبقة الرأسمالية. فالرأسمالي بات يعيش حياة مختلفة كل الاختلاف عما قبل. وهو لا ينتج شيئا بنفسه. ومع تطور الرأسمالية، يرتفع المركز الاجتماعي لحفنة من الرأسماليين البالغي الثراء، وتتسع الهوة بين هؤلاء الملوك غير المتوجين وبين ملايين البروليتاريين المستعبدين. 

قلنا أن أجور العمال ارتفعت بشكل عام. لكن الأرباح تزايدت بنسبة أكبر. ولهذا السبب فإن الهوة بين الاثنين اتسعت بدل أن تتقلص. والحقيقة أن الأجور آخذة بالانخفاض منذ مطلع القرن العشرين، بينما الأرباح أخذت تتزايد بوتيرة مرتفعة. هذا يعني أن السنوات الأخيرة شهدت نموا سريعا في التفاوت الاجتماعي. 

ومن الواضح أن هذا التفاوت الاجتماعي، النامي باستمرار، سيؤدي عاجلا أو آجلا إلى الصدام بين العمال والرأسماليين. فلو كان التمايز بين الطبقتين يسير باتجاه التقلص، ولو كان مستوى معيشة العمال يقترب باطراد من مستوى معيشة الرأسماليين، لأمكننا التطلع إلى نظام يسوده «السلام على الأرض والخير لبني البشر». لكن الحقيقية أن العامل، في ظل الرأسمالية، يزداد ابتعادا، يوم بعد يوم، عن الرأسمالي بدلا من أن يقترب من مستواه. 

والنتيجة الحتمية لذلك هي احتدام الحرب الطبقية بين البروليتاريا والبرجوازية. 

وتنشأ الحرب الطبقية من تضارب المصالح بين البرجوازية والبروليتاريا. فهذه المصالح يستحيل التوفيق بينها، مثلما يستحيل التوفيق بين مصالح الذئب والحمَل. 

فمن الواضح أن مصلحة الرأسمالي تكمن في بذل أكبر عدد ممكن من ساعات العمل وبأقل الأجور. لذا، فبديهي أن تناضل الطبقة العاملة، منذ وجدت، من أجل زيادة الأجور وتخفيض ساعات العمل. 

إن هذا النضال لم ينقطع ولم يخمد في وقت من الأوقات. وهو لا يقتصر، على كل حال، على النضال من أجل زودات أجور تافهة. فحيثما تطور النظام الرأسمالي، ازداد الاقتناع لدى الجماهير الكادحة بضرورة القضاء على الرأسمالية. وبدأ العمال يتباحثون في كيفية استبدال هذا النظام البغيض بنظام عادل ورفاقي يرتكز إلى العمل. ذلك هو أصل الحركة الشيوعية للطبقة العاملة. 

عرف العمال هزائم عديدة خلال مسيرتهم النضالية. غير أن النظام الرأسمالي يحمل في أحشائه بذور انتصار البروليتاريا النهائي. لماذا؟ لأن تطور الرأسمالية يؤدي إلى تحول أوسع جماهير الشعب إلى بروليتاريين. وانتصار الرأسمالية الكبيرة يؤدي إلى خراب الحرفيين المستقلين والتجار الصغار والفلاحين، ويضخم صفوف العمال المأجورين. ومع كل خطوة من تقدم الرأسمالية، يتكاثر عدد البروليتاريين. فهي مثل وحش الأسطورة المتعدد الرؤوس: كلما قطعت له رأسا نبت له عشرة رؤوس جديدة. عندما تقمع البرجوازية انتفاضة عمالية، تدعم بذلك النظام الرأسمالي. لكن تطور الرأسمالية اللاحق يحمل خراب الملاك والفلاحين الصغار بالملايين، ويقذف بهم تحت أقدام الرأسماليين. وهو بذلك يزيد عدد البروليتاريين، أعداء الطبقة الرأسمالية. والواقع أن تزايد قوة الطبقة العاملة ليس محوريا وحسب. فالطبقة العاملة تزداد تماسكا أيضا. لماذا يحصل ذلك؟ لأن تطور الرأسمالية يزيد عدد المصانع الكبيرة. وكل مصنع كبير يضم ألف عامل، وأحيانا عشرة آلاف. يعمل هؤلاء العمال جنبا إلى جنب، ويتعرفون على أشكال الاستغلال التي يمارسها رب العمل الرأسمالي عليهم. ويتعرف كل عامل على زملائه العمال كأصدقاء ورفاق له. وخلال عملهم الموحد في المصنع، يتعلم العمال كيف يوحدون جهودهم وقواهم. وهذا ما يسهل الاتفاق فيما بينهم. لذلك نقول أنه مع تطور الرأسمالية لا يتكاثر العمال وحسب، وإنما يتعزز تضامن الطبقة العاملة أيضا. 

مع تسارع انتشار المصانع الكبيرة، يتسارع نمو الرأسمالية، كما يتسارع انهيار الحرفيين المستقلين والعمال المنزليين والفلاحين. وبالتالي يتسارع نحو المدن الكبيرة التي تضم ملايين السكان. وأخيرا، فالمدن الكبيرة تكدس كميات هائلة من البشر على رقعة ضيقة نسبيا، وأكثرية هؤلاء تنتمي إلى البروليتاريا الصناعية. تعيش هذه الجماهير في الأحياء البائسة من المدينة، بينما حفنة الأسياد، المالكة لكل شيء، تعيش في القصور الفخمة. كذلك يتقلص عدد أفراد هذه الحفنة باستمرار، بينما العمال يتكاثرون ويتعزز التضامن فيما بينهم. 

في ظل ظروف كهذه، لا بد لاحتدام الصراع من أن يؤدي على انتصار الطبقة العاملة في نهاية المطاف. فلا بد للعمال من أن يصطدموا بطبقة الأسياد عاجلا أم آجلا، غير آبهين بتضرعات وبأضاليل البرجوازية، فيقضون عليها، ويدمرون حكومة اللصوص التي تحميها، ويتبنون نظاما جديدا، نظاما شيوعيا قائما على العمل. وهكذا فالرأسمالية، في سياق تطورها نفسه، تؤدي حتما إلى ثورة البروليتاريا الشيوعية. 

 (إن صراع البروليتاريا الطبقي ضد البرجوازية يتخذ عدة أشكال. وقد برزت، خلال هذا الصراع، ثلاثة أشكال رئيسية. أول شكل هو النقابات التي تضم العمال حسب مهنهم. والثاني هو التعاونيات المعنية بالتوزيع بالدرجة الأولى، ذلك أن هدفها هو تحرير العمال من قبضة الوسطاء والتجار. وأخيرا هناك الأحزاب السياسية للطبقة العاملة (الاشتراكية، والاشتراكية-الديموقراطية، والشيوعية) التي يقوم برنامجها على قيادة الطبقة العاملة في نضالها من أجل استلام الحكم. ومع احتدام الصراع بين الطبقتين، تزداد أهمية تركيز كافة قطاعات حركة الطبقة العاملة على هدف واحد –الإطاحة بالدولة البرجوازية. وأن قادة الحركة العمالية الذين أدركوا هذه الضرورة على نحو أفضل، شددوا دائما على ضرورة التعاون الوثيق بين كافة تنظيمات الطبقة العاملة. فأشاروا، مثلا، إلى أهمية وحدة العمل بين النقابات والأحزاب البروليتارية السياسية، وأعلنوا أن النقابات لا يمكن أن تبقى «حيادية» (أي غير مبالية بالشؤون السياسية). وقالوا أنه على النقابات أن تسير جنبا إلى جنب مع الأحزاب السياسية للطبقة العاملة. 

مؤخرا اتخذت الحركة العمالية أشكالا جديدة، أهمها مجالس مندوبي العمال (السوفييت)، التي سوف نتحدث عنها تكرارا في هذا الكتاب). 

وهكذا، فمن خلال دراستنا لتطور النظام الرأسمالي، نستخلص النتائج التالية: 

1.مع تطور الرأسمالية يتقلص عدد الرأسماليين لكنهم يزدادون ثراء وقوة. 

2.يتكاثر العمال باستمرار ويتوثق التضامن العمالي، ولكن ليس بالنسبة نفسها لتكاثر عددهم، الأمر الذي يؤدي إلى اتساع الهوة بين العمال والرأسماليين. 

3.لذا يؤدي تطور الرأسمالية بالضرورة إلى الصدام بين الطبقتين، أي يؤدي إلى قيام الثورة الشيوعية.

  • Social Links:

Leave a Reply