في يومهم العالمي.. أطباء سورية الأحرار في مواجهة “طبيب العيون”

في يومهم العالمي.. أطباء سورية الأحرار في مواجهة “طبيب العيون”

دفَع القطاع الطبي السوري، خلال السنوات السبع الماضية التي شنّ فيها نظام الأسد الحرب على الشعب، ثمنًا كبيرًا من كوادره ومراكزه، ولعل السوريين، في يوم الطبيب العالمي،(يصادف في الثلاثين من آذار)، يستذكرون أطباءهم الذين قدّموا الكثير للمحافظة على إنسانيتهم ومهمّتهم الأخلاقية، مقابل “طبيب العيون” الذي فقد البصر والبصيرة، ودمّر البلد وقتل أهلها. ويحتفي العالم بهذا اليوم تقديرًا لفضل الطبيب، في إنقاذ حياة البشر وتخفيف الآلام عنهم.

قال الدكتور أسامة باكير : “اعتمد نظام الأسد، منذ بداية الثورة، استراتيجية واضحة باستهدافه القطاع الطبي، وأصبح ذلك حالة منهجية، ووفق التقارير، فقد قُتل أول طبيب سوري، بعد عدة أيام من انطلاق الثورة، وهو الدكتور علي المحاميد، في 23 آذار/ مارس 2011، إضافة إلى سائق سيارة الإسعاف، في أثناء قيامهم بإسعاف المصابين من أمام المسجد العمري بدرعا”، حتى من يتم اعتقاله، كان النظام يسعى للإجهاز عليه، “من خلال التعذيب القاسي بالمعتقل”.

أشار باكير إلى أن تقرير لجنة (لانسيت) أكد أن “سورية أصبحت أخطر مكان في العالم للعمل الطبي، حيث قامت الحكومة السورية المدعومة من روسيا وحلفائها بقتل ما لا يقل عن 723 من العاملين في مجال الصحة، كما هاجمت مئات المستشفيات، ولم يحدث هذا الأمر من قبيل الصدفة”، وهو أمر يخالف المبادئ التي تقول إن “الطاقم الطبي يحظى بحصانة أخلاقية وقانونية”.

من جانب آخر، قال الدكتور وجيه جمعة، وزير الصحة السابق في الحكومة السورية المؤقتة: “إن الأطباء السوريين الذين انخرطوا في الثورة منذ بدايتها، دخلوا انطلاقًا من واجبهم الإنساني، وللتأكيد على الجانب الأخلاقي لهذه المهنة، وإن ما فعلته العصابة الحاكمة، من استهداف مباشر للكادر الطبي والمرافق الطبية، كان مقصودًا ومنهجيًا”.

أضاف جمعة: “هناك عدد كبير من الأطباء والكادر الطبي دفعوا حياتهم، إما شهداء أو معتقلين، من أجل مبادئهم الإنسانية، كما أننا لاحظنا كيف كان قسم منهم عرضة للملاحقة، فكان مطلوبًا القضاء على كل من يقوم برعاية الناس وتقديم الخدمات الصحية لهم، لزيادة عدد الضحايا من المدنيين، ولهذا كان يركز قصفه على النقاط الطبية، وهذا ما وثقته التقارير الحقوقية الدولية”.

في هذا السياق، أوضح باكير أن التقارير الدولية وثقت “أن عمل الكادر الطبي السوري كان يتم في ظروف صعبة، فإن عالج الطبيب الجريحَ؛ أصبح عرضة للاعتقال والتعذيب وربما الموت، وإن هو رفض علاج الجرحى؛ فسيتعرض لتعذيب الضمير والازدراء الاجتماعي، وربما الانتقام من الثوار، وهذه المعادلة كانت بائسة، وقد دفعت بعضهم إلى الهجرة”.

أفاد باكير أن عمليات التوثيق أكّدت أن نظام الأسد استهدف، منذ السنوات الأولى للحرب، “كافة المشافي المتوفرة في المناطق الثائرة في سورية، حتى المشافي الميدانية البسيطة”، وعندما اعتمد النظام “حصار المناطق الثائرة، ومنَع عنها الماء والدواء والغذاء والتجهيزات الطبية”؛ تسبب ذلك في “نقص الإمدادات والتجهيزات الطبية”.

في هذا الخصوص، قال جمعة: إن “الأطباء السوريين في المناطق المحاصرة، في ظل القصف المستمر، عملوا في ظروف صعبة جدًا، وتميّزوا بعطائهم واستطاعوا أن ينقذوا حياة عدد كبير من الناس، وأن يُجروا عمليات خطرة ودقيقة، بإمكانات جدّ متواضعة، في حين لم تستطع أي جهة دولية أن تحمي المدنيين، ولا حتى أن تساعد الكادر الطبي ليكون آمنًا في عمله”، تابع جمعة: “يُحسب للكادر الطبي الذي صمد، وتشبث بالبقاء مع الأهالي في المناطق المنكوبة، أنه قدم دورًا إنسانيًا ووطنيًا، يدفعنا إلى تذكره وشكره، في يوم الطبيب العالمي”.

أشار باكير إلى أن بعض الإحصاءات الموثقة حتى عام 2015، لمنظمة (أطباء بلا حدود) ذكرت أن قوات نظام الأسد “قتلت أكثر من 600 طبيب وعامل في المجال الطبي، في أثناء الثورة المستمرة منذ أربع سنوات”، وأكدت أن تلك القوات وضعت الأطباء والمرافق الطبية هدفًا لها، ومن بعض الأمثلة عما قامت به “إعدام الطبيب محمد نور الدين الزعتر في 2013، بقرار من المحكمة الميدانية العسكرية في سجن صيدنايا، بتهمة إنشاء مشفى ميداني، واستشهد الطبيب نضال العيسى تحت التعذيب في 2013 بتهمة علاج المسلحين”، وأضاف: “لم يسلم حتى الأطباء الأجانب من ذلك المصير، حيث اعتُقل الجراح البريطاني عباس خان في نهاية 2013، بالتّهم ذاتها، وتمّت تصفيته، والادعاء أنه انتحر في المعتقل”.

أشار باكير إلى أن العديد من الأطباء “بسبب هذا القمع الشديد، كانوا يتخفون ويستعملون أسماء مستعارة، ويتحركون بسرية للقيام بواجبهم، وكانوا يُعالجون المصابين في أماكن مجهولة تعود ملكيتها لأشخاص مجهولين، خوفًا من شبح الاعتقال الذي يلاحق المصاب والطبيب والمسعف والشخص الذي يؤوي المصاب”.

في الموضوع ذاته، أوضح الدكتور هيثم الخليلي  أن “الأطباء، منذ بداية الثورة، أدّوا دورًا مهمًا في معالجة مصابي الحرب، حيث كان المصاب يخشى الذهاب إلى المشافي، سواء أكانت خاصة أم عامة، إذ كان بمجرد دخوله المشفى يخضع للتحقيق الأمني الشرس، قبل المعالجة”، وتابع الخليلي: “هنا بدأت رحلة الطبيب بالعمل على إنشاء مراكز طبية بعيدة من أعين النظام، لاستقبال حالات الإصابات، وخاصة بعد أن بدأت وحشية النظام بقصف هذه المشافي والمراكز الطبية الموجودة في مناطق المعارضة”.

عملت هذه المراكز -بحسب الخليلي- “على إنشاء المراكز الطبية المخفية، داخل المنازل أو في الأقبية خوفًا من القنص، وبدأت رحلة العذاب للأطباء في التخفي من النظام، لتجنب الاعتقالات والسجن، وعلى الرغم من الحذر الشديد بالعمل، كان النظام يتحرى المعلومات ويُداهم تلك المراكز، ويعتقل العاملين فيها، ويذيقهم أنواعًا من العذاب لم يعرف التاريخ مثلها من قبل.

من جانب آخر، لفت الخليلي إلى أن “بعض قادة الفصائل يعاملون الطبيب، وكأنه خادم عندهم، مع أن كل أماكن المعارضة كانت تفتقر إلى الكادر الطبي، فمنهم من هرب من سوء التعامل، ومنهم من هرب لقلة الرواتب، ومنهم من غادر لسوء الوضع المعيشي، أما من بقي تحت الحصار من الأطباء، في الغوطة الشرقية على سبيل المثال، فكانت معاناتهم شديدة لقلة المواد الطبية والأدوية، إذ كانوا يرون مريضهم يموت أمامهم دون القدرة على عمل أي شيء، وهذه مأساة كبيرة، كما أن العديد منهم فقدوا أولادهم وزوجاتهم أو أفرادًا من أسرهم نتيجة ثباتهم مع الأهالي، ولم يستطيعوا إنقاذهم أو فعل أي شيء”.

يشار إلى أن وزارة الصحة، في الحكومة السورية المؤقتة، وثقت مقتل “497 شخصًا”من الكادر الطبي، بين طبيب ومسعف وممرض، منذ عام 2011 حتى 2015، وعدد المرافق الطبية بنحو “70 نقطة”، ثم في عام 2016 وحده، قُتل نحو 151 شخصًا من الكوادر الطبية، ودُمّرت 286 نقطة طبية”. كما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان من جهتها، “616 اعتداء على مراكز أو منشآت طبية”، منذ آذار/ مارس 2011 حتى أيار/ مايو 2017، على يد كافة الأطراف الفاعلة على الأرض، تسببت بمقتل “768 من الكوادر الطبية”.

  • Social Links:

Leave a Reply