واشنطن بوست: المعارضة السورية تواجه نظامًا وحشيًا وتطرفًا إسلاميًا

واشنطن بوست: المعارضة السورية تواجه نظامًا وحشيًا وتطرفًا إسلاميًا

بدأت الانتفاضة السلمية في سورية، بمطالب الحرية والديمقراطية ووضع حدٍ لأربعة عقود من حكم عائلة الأسد. ولكنها قوبلت بقمع النظام الذي أودى بحياة الآلاف من المتظاهرين السلميين؛ ما أدى إلى عسكرة الثورة، وبشكلٍ أساسي إلى استيلاء الإسلام المتطرف على معظم المعارضة المسلحة. “لا عودة إلى الوراء” هو موقف الأشخاص الذين سلطت قصصهم الشخصية الضوء على ذلك التحول إلى السلاح والتطرف اللذين نشهدهما اليوم.

تَبرْع رانيا أبوزيد في وصف المشهد، وتصوير الشخصيات، حيث تنقل كلماتُها القراءَ إلى زنزانات سجون النظام، وإلى الحياة تحت القصف، وإلى الاجتماعات السرية لمقاتلي المعارضة على ضوء القمر في ليالي الصيف، في شمال سورية. تعبر بنا خلال مراحل الانتفاضة، وتصور الأمل واليأس والوهم وتشرذم المتمردين. كما تمكنت من الوصول إلى أعضاء الجماعات الأكثر تخوفًا، ومن ضمنها “جبهة النصرة” المرتبطة بتنظيم القاعدة. تتابع أبوزيد شخصياتها على مدى عدة سنوات، مقدمةً مواقف حميمة عن حياتهم، وعن حال عنف نظام بشار الأسد، وتلاعب القوى الإقليمية، والوعود التي لم يتم الوفاء بها من قبل الغرب، كيف حوّلت كلّها أحلامَ الثوار بالتغيير إلى كابوس.

لكن منظور أبوزيد يثير بعض الأسئلة، فهي تقول إن الانتفاضة كانت فعلًا إسلاميًا مسلحًا منذ البداية، وهي مقولة توازي دعاية نظام الأسد. كان تكتيك النظام هو محاولة إقناع العالم بأنه لا توجد انتفاضة للمواطنين، بل هي حركةٌ إسلامية مسلحة تهدد الحكومة، ولا بدّ من سحقها. هذه الحكاية ساعدت النظام في اتخاذ إجراءاتٍ صارمة ضد النشاط السلمي منذ البداية، وأسست لسردية تمردٍ إسلاميّ مسلح.

بموجب تعليمات النظام، تمّ إطلاق سراح العديد من الإسلاميين من السجن، نتيجة عفو عام 2011، وفي الوقت نفسه، قام الأسد بحبس الآلاف من الناشطين العلمانيين السلميين، ممّا سمح للتمرد الإسلامي بالتعبئة، وساعد في خلق سردية الأسد بأن الانتفاضة كانت مشكلةً إسلامية للنظام. تروي أبوزيد عن العفو العام، لكنها لا تستكشف اعتقالات الناشطين وغيرهم من السوريين العاديين.

كثيرون ممن كانوا في سورية في ذلك الوقت، ومنهم أنا، شهدوا بوضوح أن التمرد لم يكن عملًا من أعمال التطرف الإسلامي. لقد بدأت سلمية ومدنية وشاملة لجميع قطاعات المجتمع، أناسٌ من جميع الفئات الاجتماعية والدينية الذين أرادوا أن يشهدوا تغييرًا ديمقراطيًّا في سورية.

“لا عودة إلى الوراء” تركّز على العديد من الشخصيات الرئيسة من مختلف المواقع والأيديولوجيات في سورية. من بينهم سليمان طلاس فرزات، وهو رجل أعمال ثري أصبح متظاهرًا. وأبو عزام، شاعرٌ أصبح مقاتلًا. ومحمد، وهو سجين سابق انضم إلى “جبهة النصرة”.

في الوقت الذي تعترف فيه أبوزيد بأنها “لا تقدم قصة شاملة عن سورية أو حتى عن سورية التي يسيطر عليها المتمردون”، فإن حكايتها تستبعد العديد من السوريين غير الإسلاميين، من خلفيات متنوعة الذين ثاروا وتبنوا المقاومة المدنية والسلمية لدولة الأسد البوليسية، وشكلوا النواة المدنية للانتفاضة.

أين نساء سورية الشابات في كتاب أبوزيد؟ حدثٌ رئيس وحيد كان تظاهرة صامتة في ساحة المرجة في دمشق في آذار/ مارس 2011، نظمتها بشكلٍ أساسي نساءٌ من جميع الطوائف للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين. وبمجرد أن رفعوا صورًا للمعتقلين، هاجمهم رجال المخابرات، الذين جرّوا إحدى منظمات التظاهرة من شعرها إلى السجن. في سرد أبوزيد، نسمع بشكل رئيس عن شخصياتٍ ذكورية، تبنى معظمهم التمرد المسلح، وانضموا إلى جماعات إسلامية متطرفة، الأمر الذي يقلل من الجذور الواسعة للانتفاضة. فقط في عدد قليل من المشاهد نرى أدوارًا للشخصيات النسائية.

غير أن العديد من النساء في سورية لعبن دورًا حيويًا في النشاط السلمي، والتنظيم السياسي، والأكثر أهمية في المجتمع المدني، والمساعدات الإنسانية، والتعليم. وأصبحَت مئات أو آلاف النساء معيلاتٍ بعد أن اعتُقل أزواجهنَّ أو أُعدموا على عجل، أو فُقدوا أو ماتوا في القتال. كما شاركت النساء في نشر لجان التنسيق المحلية، في جميع أنحاء البلاد.

اختُطفت رزان زيتونة، المحامية العلمانية المدافعة عن حقوق الإنسان من قبل المقاتلين الإسلاميين في الغوطة الشرقية، وهي إحدى ضواحي دمشق، في أواخر عام 2013. رزان زيتونة، التي لعبت دورًا في إنشاء لجان التنسيق المحلية، غائبة عن الكتاب. الشخصيات النسائية القليلة في هذه الصفحات تظهر في الغالب على أنها خاضعةٌ للقوانين الاجتماعية أو الدينية.

إنّ حرب سورية المستمرة منذ سبع سنواتٍ ليست عسكرية فقط، حيث قام النظام، والمتشددون الإسلاميون بتقييد وسائل الإعلام، وقد مُنع الصحفيون من أداء وظائفهم، وفي بعض الحالات قُتلوا أو ضُربوا أو طُردوا من البلاد. كنت واحدة من الصحفيين الذين تم اعتقالهم، وتهديدهم من قبل النظام، كما قام المتطرفون الإسلاميون باختطاف الصحفيين المحليين والأجانب للحصول على فدية، أو للتحكم في السردية. وردًا على ذلك، نشأ مواطنون صحفيون للإبلاغ عن الأوضاع، وإرسال المعلومات إلى خارج البلاد.

لكن أبوزيد تحطُّ من قيمة الناشطين الإعلاميين المعارضين. تقاريرها عن هؤلاء الصحفيين غير متناسقة: تقترح أن بعضهم لديه أجندة إسلامية، في حين أن آخرين ينتمون إلى جماعاتٍ متمردة. وفي أوقاتٍ أخرى، تدعي أن الصحفيين المواطنين يبالغون في وصف الأوضاع، أو حتى ينشرون مواقف زائفة. تؤكد أبوزيد أن مواقفها هي النسخة الحقيقية، بينما سيحكي الكثيرون ضد سرديتها.

“لا عودة إلى الوراء” تقدّم نظرة ثاقبة للتمرد المسلح ودور الجماعات الإسلامية، لكنها فشلت في نقل الحقيقة بأن جميع السوريين -بغض النظر عن الانتماء الديني- عانوا طوال عقودٍ من حكم عائلة الأسد. في الثمانينيات، عزّز النظام حكمه بسحق أي معارضةٍ من السوريين: المتطرفين الإسلاميين، والاشتراكيين، والشيوعيين والعلمانيين. اليوم تواجه البلاد الخراب في ظل استمرار السياسات الوحشية نفسها.

  • Social Links:

Leave a Reply