العلمانية كمستقبل سوري.. مُستلزمات العدل ودولة المواطنة – أحمد مظهر سعدو

العلمانية كمستقبل سوري.. مُستلزمات العدل ودولة المواطنة – أحمد مظهر سعدو

العلمانية كمستقبل سوري.. مُستلزمات العدل ودولة المواطنة

حمد مظهر سعدو

يذهب بعض المفكرين إلى أن لا حلّ للحالة السورية المجتمعية والسياسية، إلا الحل العَلماني، على الرغم من تفاوت وجهات نظرهم حول طبيعة وماهية هذا المآل، من منطلق الفهم المختلف للمسألة العَلمانية التي تتعدد مساراتها وتتمايز طرق استيعابها، بين هذا التيار وذاك، في الوقت الذي ما زالت فيه بعض الأصوات تعدّ هذا الحل “كفرًا بواحًا”، وفق مرجعياتهم التي يتكئون عليها.

يقول الباحث السوري جاد الكريم جباعي: إن سورية “لم تكن دولة عَلمانية -منذ عام 1958 ولا سيّما دولة البعث- حين انطوت راية العَلمانية، مع اغتيال جنين الدولة الوطنية (الجمهورية السورية)”.

وأضاف في حديث إلى (جيرون): “أعتقد أن هناك ثلاث قوى سورية ستحدد مستقبل سورية الوطني: تنظيمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والأحزاب السياسية الحديثة، والنخب الثقافية والسياسية ضمنًا، لم نجعلها قوة رابعة، لأنها ليست قوة في ذاتها، بالنظر إلى موقع السياسة والثقافة في المجتمع اليوم”، وعقّب قائلًا: “من شأن القوى الثلاث المذكورة أن تنتج نخبًا جديدة”.

عدّ جباعي أن “العَلمانية، في ذاتها، لا هي مفيدة ولا ضارة، لا هي داء ولا علاج، هي سيرورة تطور ونمو، لا تخضع لإرادة فرد أو حزب أو فئة بعينها. الفاعلون الاجتماعيون والسياسيون هم من يجعلونها مفيدة أو ضارة”، مشيرًا إلى أن الخروج من دائرة السجال حول العَلمانية يتطلب “عقدًا اجتماعيًا في سورية، يعترف فيه الجميع بحقوق الجميع وحرياتهم، أي إنها (سورية) تحتاج إلى عقدٍ يقوم على مبدأ المواطنة المتساوية”.

رأى الباحث في (مركز حرمون للدراسات المعاصرة) عبد الله تركماني أن “العَلمانية ليست فقط بمعنى فصل الدين عن الدولة، كما هو شائع لدى الكثيرين، بل كان الارتباط الأوثق بين العَلمانية والدولة الوطنية، حين انبثقت من ثقافة ديمقراطية وصراع في سبيل التقدم وكرامة الإنسان، وجاءت بمثابة تأكيد على قدرته على تنظيم شؤونه تنظيمًا عقلانيًا”.

وأضاف لـ (جيرون): “المبدأ الأساس في العَلمنة يؤكد أنّ الدين أمرٌ شخصي، وينبغي -بالتالي- فصله عن الدولة والمدرسة والأحوال الشخصية، وباعتبار الدولة العَلمانية ضمانة الوحدة الوطنية، بحكم قدرتها على تجاوز الانقسامات الاجتماعية التي تنخر الجسم السياسي، ومن ثم قدرتها على التعبير عن المصلحة العامة؛ فإننا في سورية أحوج ما نكون إلى العَلمانية”.

وقال الباحث السوري حمزة رستناوي، في حديثٍ إلى (جيرون): إن “العلمانية (التي أقصدها) هي فصل السياسي عن الديني، بما يضمن حياديّة الدولة تجاه عقائد مواطنيها، وهي ضرورية لأنها من مُستلزمات العدل ودولة المواطنة المتساوية، وما يتمّ الواجب به فهو واجب”.

ورأى أن “من الضروري الخروج من التباس (وربما تضليل) مفهوم الدولة المدنية، والتصريح بعَلمانية ديمقراطية الدولة السورية مستقبلًا، ليس كرهًا أو عداء للإسلام، كما يظنّ البعض، بل لضمان وحدة الشعب، وإنتاج حياة سياسية تؤسس لوطنية سورية ما زالت هشّة ومخترقة بالانتماءات الفئوية الطائفية”، وأوضح: بالعلمانية، يتم “تجاوز الشرخ الهوياتي السوري، خاصة الشرخ العَلوي/ السنّي، أو الشيعي / السنّي، أو حتى ضمن الفئوية السنّية نفسها بين المتديّنين طقوسيًا وغير المتدينين! بما يسهم في التأسيس لهوية وطنية سورية جامعة، ويتم عزل سورية عن سياسات المحاور، بحيث يتفرّغ السوريون لمشروعهم الوطني الخاص، بعيدًا عن كونهم أدوات في الصراع لصالح قوى إقليمية مؤدلجة سنّيًا أو شيعيًا”.

يعتقد رستناوي أن “لا وجود لبدائل حقيقية حيوية عن سورية ديمقراطية عَلمانية، فالبدائل تراوح ما بين العودة إلى نظام استبدادي متوحّش، أو حرب أهلية باردة أو ساخنة، أو دولة فاشلة، دولة محاصصة طائفية هشّة، كما هو حال العراق ولبنان المجاور، ولذلك على الرغم من الصعوبات التي تعوق الخطاب العَلماني الديمقراطي، فإنّه يبقى البديل الوحيد الذي يستحق أن نحلم ونكافح من أجله، إذا أردنا لأنفسنا وأولادنا أن يعيشوا في وطن كريم”.

الكاتب منصور الأتاسي قال: “إننا نتجه نحو حلّ وطني للواقع السوري المتشظي للمجتمع السوري، الذي ساهم فيه النظام وفصائل الإسلام السياسي، وكل منهما لعب دوره بنجاح، في محاولاته تفكيك المجتمع لتسهل السيطرة عليه، وليؤسس لصراع طائفي مذهبي يتناقض مع أهداف الثورة، في تحقيق الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية”.

وأضاف لـ (جيرون): “لا يوجد في سورية تنظيم اسمه تنظيم (العَلمانيون)، له برنامجه الواضح وقيادته، لذلك يمكن أن نؤكد أن العَلمانية هي نهجٌ في الحكم وطريقة إدارة الدولة، جوهرها تنفيذ مبدأ فصل الدين عن الدولة”، معقّبًا أن “هذا المبدأ يحقق المساواة التامة بين المواطنين، والعلمانية بهذا المعنى تتناقض مع مفهوم الدولة الدينية (القرآن دستورنا)، أو مع مفهوم الدولة القومية التي تسيطر فيها قومية على باقي القوميات، والعلمانية بهذا المعنى تحقق دولة المواطنة المتساوية، ولا ترفض تعاليم دينية على أتباع الديانات الأخرى أو مفاهيم القومية الكبرى على القوميات الأخرى، وقد عانى شعبنا الكثير من سيطرة هذه المفاهيم، خلال الفترة الماضية، من اضطهاد الأقليات القومية ثم الأكثرية الدينية، نتيجة تجاهل مبدأ الدولة العلمانية”.

يرى الأتاسي أيضًا أن “مفهوم الدولة العَلمانية تحوّل إلى شعار (الدين لله والوطن للجميع،) وقد أعلن هذا الشعار الزعيم المصري سعد زغلول عام 1919 أي قبل حوالي القرن، وسعد زغلول هو خريج الأزهر ورئيس وزراء مصري”، وتابع: “لقد عانى شعبنا الكثير من الاضطهاد والقمع، في ظل سيادة دولة الحزب الواحد أو سيادة التيار القومي المتشدد، وأيضًا جرّب شعبنا شكل الدولة الإسلامية في العراق والشام، أو الإمارة الإسلامية في إدلب، أو محاولة احتكار الإخوان وهيمنتهم على الثورة، ما أدى إلى إرباكها وتقديم تضحيات كبيرة. ولم يبق أمامنا سوى تنفيذ الشعار التاريخي (الدين لله والوطن للجميع)، ضمن دولة ديمقراطية لنحقق العدالة والمساواة بين جميع السوريين، ونتجاوز الصراعات القاتلة التي أربكت شعبنا ومزقت وحدته الوطنية”.

  • Social Links:

Leave a Reply