سوريا من المسيرة إلى التظاهرة  – أحمد برقاوي .

سوريا من المسيرة إلى التظاهرة  – أحمد برقاوي .

سوريا من المسيرة إلى التظاهرة

أحمد برقاوي .

يدل مفهوما المسيرة والمظاهرة في سوريا على عالمين مختلفين متناقضين متضادين ، فسوريا المسيرة ليست هي سوريا المظاهرة ، والصراع مازال مستمراً بين أصحاب المسيرة وأصحاب التظاهرة .

قام المتمجدون ، بلغة الكواكبي ، وهم بوق السلطان ، باختراع شعار قائد المسيرة دلالة على حافظ الأسد و قائد المسيرة كان يحتاج الى المسيرات التي تسبح باسمه .

المسيرة خروج جمهور الموظفين المنظم وبناء على قرار والتزام بالقرار لإعلان الولاء للقائد . فكان القرار يصدر لمعامل القطاع العام والمدارس والجامعات والعاملين بالوزارات ، وفروع الحزب بالخروج يوم كذا . وكل مدير أو مسؤول يحمل جدول التفقد للتأكد من عدم الغياب .
ينطوي مصطلح المسيرة على معنى الخضوع والولاء والشكلية الدعائية ، إنها صورة من الإلزام الخالي من الدافع الداخلي . والخروج بها يتم بدافع الخوف من الغياب ، واللافتات المرفوعة جميعها تؤكد لقائد المسيرة بأن أهل المسيرة معه وإن خضوعهم الزائف مطلق . ” بالروح بالدم نفديك ” ، ” إلى الأبد” ، منك العطاء ومنا الوفاء ” ، سلام أيها الأسد ” . ولهذا فالمسيرة ويافطاتها خالية من العصبية الحقيقية الموحدة للجماعة. فقائد المسيرة يعرف زيف المسيرة ، و المشتركون بالمسيرة يعرفون بأن قائد المسيرة يعرف بأنهم يعرفون ، والآخرون التي توجه إليهم المسيرة يعرفون . و مع ذلك فإن الزيف بوصفه جزءً لا يتجزأ من سلوك الجماعة الحاكمة لا يضيره أبداً انكشاف الزيف .
فجأة تظهر في الحياة التظاهرة ، أو المظاهرة ، وهي عالم جديد كل الجدة في حياة البلد ، عالم يقوم على الصدق ،و معبر عن الأفراد الأحرار ، يخرجون دون أن يحملهم أحد على ذلك ، ويعرفون بأنهم في خطر يصل حدَ فقدان الحياة .
في التظاهرة يتحول السوري إلى متمرد و مقاوم و متحرر من الزيف الذي كان عليه . فالعدد الكبير من الخارجين في المظاهرة كانوا قبلاً ممن كانوا يخرجون في المسيرة . تخلق المظاهرة عصبية متحلقة حول الهدف :” الشعب يريد إسقاط النظام ” . اللفتات التي ترفعها المظاهرة لا وجود فيها لشخص . وشخص المسيرة مات . وماتت معها المسيرة .
التظاهرة جموع وأكف وحناجر وأهداف واضحة والإعلان صريح الشعب السوري واحد . هذا الشعب السوري الواحد لم يعد قادراً على تحمل همجية الجماعة الحاكمة وتأخرها التاريخي وغبائها العبقري وفسادها غير المسبوق في شكله و مضمونه .
لقد انهار الزيف و انكشفت الحقيقة عارية شجاعة في الساحات و الشوارع ، في المدن والقرى . و كانت سورية تحتاج إلى عقل عادي جداً للتصالح مع التاريخ ، لم يكن الأمر يحتاج إلى ذكاء و عبقرية لتحقيق سورية المظاهرة عوضاً عن سورية المسيرة .
ولكن الجماعة الحاكمة لم يكن لديها حتى العقل العادي ، ولم تفكر إلا بقتل التظاهرة ، و بالتالي قتل الشعب . وكان ما كان . لكن سوريا التظاهرة لا محالة قادمة لأنها المتطابقة مع التاريخ وعقل التاريخ المعاصر .

  • Social Links:

Leave a Reply