مدنية ديمقراطية عدالة اجتماعية تصدرها اللجنة المركزية لحزب اليسار الديمقراطي السوري العدد 1250 الأحد 09/01/2023
بريطانيا وفرنسا ترفضان فتح سفارتيهما بدمشق والعرب يهرولون

بريطانيا وفرنسا ترفضان فتح سفارتيهما بدمشق والعرب يهرولون

أشارت وزارة الخارجية البريطانية إلى أنها لا تعتزم إعادة فتح سفارتها في العاصمة السورية، وقالت في تغريدة عبر حسابها الرسمي: إن نظام الأسد فقد شرعيته، بسبب الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري، مشيرة إلى أنها لا تنوي إعادة فتح السفارة. ويأتي ذلك بالتزامن مع تأكيد فرنسا أنها لا تعتزم فتح سفارتها في دمشق. حيث أشارت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية، أغنيس فون دير موهل، في مؤتمر صحفي، إلى أن إعادة فتح سفارة باريس في دمشق “غير مطروح على جدول أعمال الخارجية”.

تتساءل المعارضة السورية: كيف يستقيم الوضع مع هرولة دول عربية لفتح سفاراتها في دمشق، بينما ترفض الدول الأوروبية؟ وهل يعني ذلك أن للدول الأوروبية موقفًا متميزًا عن الموقف الأميركي الذي يبدو أنه لا يعترض على فتح هذه السفارات؟

الباحث السوري باسل حفار، مدير مركز إدراك للدراسات والاستشارات، قال لـ (جيرون) إن فتح السفارات “لم يأت بضوء أخضر أميركي، ولم يكن إغلاقها بضوء أخضر، لكن فتح السفارات هو محض اجتهاد عربي خالص، ولا أعتقد أن الولايات المتحدة معنية كثيرًا بفتح هذه السفارات أو إغلاقها، لأن تأثير الوجود العربي في سورية -بهذا الشكل الدبلوماسي- ليس ذا أثر على المعادلة ولا على التحركات الأميركية، ولا على التحركات الدولية والإقليمية في سورية”.

وأردف: “بالتالي هو ليس أمرًا مرتبطًا بتوجهات أميركية أو يؤثر في مصالح أميركية بشكل أو بآخر، لكن هذا لا يمنع أن الولايات المتحدة يمكن أن تستثمر ذلك في المستقبل، أو يمكن أن تكون قد تناقشت مع هذه الدول بشأنه، لكنه ليس أمرًا مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بمصالح الولايات المتحدة أو توجهاتها في المنطقة، ولا أعتقد أنها قد وجهت هذه الدول بهذا التوجه”. وتابع: “ربما يكون هذا الأمر أقرب إلى الجانب الروسي؛ فالروس حريصون على إضفاء شرعية على النظام السوري، ونعرف أن السودان التي بدأت هذا المسار، حيث جاء البشير إلى سورية على متن طائرة روسية، وبترتيب روسي، وسبقتها زيارات لدول أخرى، وأيضًا كانت بترتيب روسي وعلى متن طائرات روسية. إذًا المسالة الأهم هي الرغبة الروسية في فتح هذه السفارات، والمساحة التي ستعطيها روسيا وإيران لهذه الدول، لدى تواجدها في سورية بخصوص ملف الإعمار، وبخصوص التمثيل الدبلوماسي وطريقة تعبير النظام في المحافل العربية في المستقبل، وإلى أي حد سيتم السماح لهذا النظام بأخذ موقع من جديد في المنظومة العربية، علمًا أن المنظومة العربية في هذه الآونة تمر بأسوأ مراحل تفككها، وبالتالي فإن وجود النظام فيها أو إضافته إليها، لا يشكل بالضرورة أي إضافة، بل هو عبء أكثر منه إضافة”.

ونبه حفار إلى أن رغبة الدول العربية أو بعضها في إعادة النظام إلى المنظومة، وإعادة تمثيله الدبلوماسي والسياسي “تأتي في إطار منع هذا النظام من الانجرار نحو المزيد من العلاقة مع إيران أو إنحيازه أكثر إلى المنظومة الإيرانية، وطبعًا النظام خلال الفترة الماضية كان جزءًا من المنظومة العربية، بشكل أو بآخر، وتواجد فيها، وكان له تمثيله، وكان ينظر إليه على أنه إحدى الدول المركزية أو الأساسية في هذه المنظومة، لكن كل هذا ثبت أنه كان شكليًا، وأن النظام في لحظةٍ ما، عندما أراد أن يستقوي بأحد، وعندما أراد أن يستمع لأحد، وعندما أراد أن يخضع لأحد، لم يتعامل إلا مع الإيرانيين، ثم الروس، وقد حاول المسؤولون العرب في بداية الثورة السورية كثيرًا ثني النظام عن طريقة تعامله مع شعبه، وحاولوا دفع النظام إلى التصرف بطريقة مختلفة، واتصل به مسؤولون من مختلف الدول من السعودية وقطر والكويت، ودول أخرى، لكن النظام لم يسمع في النهاية إلا لصوت واحد هو الصوت الإيراني، وتبيّن أنه ليس إلا من عملاء وأذرع إيران في المنطقة، وهذا يجري ترتيبه منذ مدة طويلة، وليس وليد اللحظة الحالية. وفي الوقت الذي كان فيه النظام يتغنى بالعروبة والقومية العربية، ويحاول أن يمثل دور المقاومة، كان يعزز أواصر العلاقة مع إيران، ويسمح لها بالتمدد أكثر داخل الدولة السورية، وحوَّل الدولة السورية إلى كيان رهين للمنظومة الإيرانية”.

أما حازم لطفي، الدبلوماسي السوري ونائب سفير المعارضة في الدوحة، فقال لـ (جيرون): “يبدو أنه من الصعوبة بمكان إلى الآن، ونحن في القرن الحادي والعشرين، القبول الدولي بتحرير شعوب المنطقة العربية، والسماح بانتقال ديمقراطي حقيقي في دول الربيع العربي، وخصوصًا من قبل الأنظمة الدكتاتورية والمستبدة في الإقليم. وللإجابة على السؤال، لا بد من فهم التحركات الدولية الأخيرة في هذا السياق، حيث لم يعد خافيًا ما نشره موقع (ميدل إيست آي) البريطاني عن الاجتماع الأمني الرباعي الذي جمع رئيس الاستخبارات الإسرائيلي يوسي كوهين، مع قادة الاستخبارات في كل من السعودية والإمارات ومصر، وناقش سبل تقليص النفوذ التركي الإيراني في الإقليم، مع ادعاء عربي أن المستهدف من العملية هي إيران، لكن يبدو أن التحرك الرئيسي باتجاه تركية، حيث إن عملية تعويم النظام ستصب بشكل مباشر في تقليص النفوذ التركي، بحسب ما نلتمسه من آثار الخطة التراتبية التي تعمل عليها هذه الدول بنسق متسارع، لإعادة إنتاج الأسد المسؤول عن قتل وتهجير آلاف السوريين، ابتداءً من زيارة علي مملوك إلى القاهرة، ثم البشير إلى دمشق، انتقالًا إلى استقبال أول طائرة مدنية من تونس، وافتتاح سفارة أبو ظبي، واستئناف عمل سفارة المنامة”.

وأضاف: “كل ذلك كان سعيًا لاسترداد النظام مقعد جامعة الدول العربية، وإعادة تعويمه. وكل ما يحدث يصب بشكل مباشر في مصلحة روسيا التي أصبحت محتلة لمفاصل سورية، ويأتي بموافقة ورعاية أميركية، على الرغم من التخبط الظاهري الحاصل في إدارتها، وفي سياق دعم العدو الإسرائيلي ربيبها في المنطقة. وبالعودة إلى الدول الأوروبية التي أعلنت عدم نيتها فتح سفاراتها، وعلى الرغم من تأثير القيم الديمقراطية التي تحملها هذه الدول في مساندة دول الربيع العربي في التحول الديمقراطي، فإن القرارات تتم فيها أيضًا ضمن خطة المصالح والتوازنات، وتأتي المصلحة الأوروبية أولًا في ملف المهجّرين، والصعوبات الداخلية التي يعيشها الاتحاد الأوروبي التي تهدد بانفراط عقد اندماجه الذي حصل في معاهدة ماستريخت، وما زال مستمرًا إلى الآن”.

ورأى أن دول الاتحاد الأوروبي: “تُمسك بملف إعادة الإعمار، نظرًا إلى الدعم الذي يمكن أن تقدمه في سبيل ذلك، حيث تقدر كلفة إعادة الإعمار في سورية بـ 400 مليار دولار، وكان الاتحاد الأوروبي -وما زال- يصرّح بأن دعم إعادة الإعمار مشروط بعملية الانتقال الديمقراطي السياسي في سورية، لذلك بدأ بوتين منذ آب/ أغسطس 2018 إدارة وتسويق خطة حثيثة، لمحاولة إعادة اللاجئين السوريين من دون انتقال سياسي، وضمن خطة تعويم نظام الأسد، ويبدو أن خطته في هذا الشأن لم تنجح، على الرغم من إعلان شويغو وزير الدفاع الروسي أن أعداد اللاجئين العائدين 1.5 مليون لاجئ سوري، الأمر الذي نفته العديد من المصادر الأخرى. ما أعلنته الخارجية البريطانية والفرنسية عن عدم وجود نية لديها في فتح سفاراتها في سورية يأتي -باعتقادي- ضمن سياق عدم قناعة الاتحاد الأوروبي بإمكانية الاستقرار وعودة اللاجئين إلى سورية، إلا بوجود انتقال سياسي ديمقراطي حقيقي. وأعتقد أن محاولات تعويم النظام وإعادة تأهيله ستستمر خلال المرحلة القادمة بإدارة الإمارات والعدو الإسرائيلي وبموافقة أميركية روسية، لتغليب الثورات المضادة على ثورات الربيع العربي، ولكن عجلة التاريخ لا يمكن أن تعود إلى الوراء، ويبقى التعويل الرئيس على قدرة الشعوب الحرة على الصبر والمصابرة والتضحية من أجل الحصول على الحرية المنشودة، التي لا بد أنها ستسهم في القضاء على الاستبداد والاستعمار والجهل والفساد. وستبشر بعودة شعوب ودول المنطقة إلى سياق التنافس الحضاري، بعد تغريبة طويلة”.

في الموضوع ذاته، قال الطبيب السوري تغلب الرحبي: “الدول الغربية كلها تواطأت على سحق الثورة السورية، أو خذلانها أو حتى دعم النظام المجرم، بشكل غير مباشر، وعلى سبيل المثال لا الحصر، إن مساعدات الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين كان يذهب نصيب مهم منها إلى النظام، بأرقام تجاوزت مليار دولار (وكلنا يعلم وهم يعلمون أنه لم يصل إلى المتضررين أكثر من 5 بالمئة من هذه المساعدات) والقرار الجائر بعدم تسليح الجيش الحر بمضادات الطيران، وهي أسلحة دفاعية، وكذلك منع الأسلحة النوعية للجيش الحر، وغض النظر أو توجيه الدول الإقليمية لدعم الفصائل المتأسلمة والقاعدة و(داعش)”، وأضاف: “أما إعادة العلاقات الدبلوماسية التي تستطيع أنظمة عربية قمعية، لا قيمة لرأي الشعب عندها، أن تعيدها بكل بساطة، فإن الموضوع في بريطانيا وفرنسا ليس سهلًا، بسبب وجود معارضة تترصد أخطاء الحكومة، ويمكنها استخدام ورقة إعادة العلاقات مع نظام مجرم ضد الحكومة، لا حبًا بالشعب السوري، ولكن حبًا بالفوز بالانتخابات القادمة، إضافة إلى وجود رأي عام قوي وقضاء مستقل، وكذلك لوبي معاد لبشار الأسد في البرلمان، يجعل هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر، ويجب حسابها بدقة، ولن تجازف أي حكومة بإعادة العلاقات مع النظام السوري، بأي حال”.

أما موسى الهايس، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الخارج، فقال لـ (جيرون): “تعد بريطانيا وفرنسا الدولتين الأوربيتين اللتين لم تنقطع اتصالاتهما مع النظام السوري (أمنيًا) بذريعة محاربة الإرهاب، على الرغم من الموقف المتشدد من رأس النظام، في المحافل الدولية والإعلام. وقد حرصتا كلتاهما على أن تبقى شعرة معاوية الأمنية معه، بسبب وجود الكثير من مواطني تلك الدولتين وحملة جنسيتها بين صفوف التنظيمات الإرهابية الناشطة على الأرض السورية، خاصة تنظيمي (النصرة وداعش) ومن المعلوم أن ذلك تم بشكل مباشر، وعن قصد أحيانًا لغايات استخباراتية، أو بشكل غير مباشر من خلال الاستجابة لدعوات الجهاد في سورية، التي تم ترويجها إعلاميًا بعد انطلاق الثورة السورية، وتلقفتها معظم الدول، ووجدت فيها فرصة للتخلص من مواطنيها معتنقي الأفكار المتشددة، وعلى رأسها إنكلترا وفرنسا. ولا شك في أن كلتا الدولتين، إضافة إلى تعاملهما الأمني مع النظام، لهما تواجد عسكري على الأراضي السورية، على أمل الفوز بنصيب من كعكة إعمار سورية، ما بعد الحرب، فالقوات البريطانية منذ عام 2016 أقامت قاعدة لها بالقرب من التنف على الحدود العراقية الأردنية، بذريعة تدريب (جيش سورية الجديد) أحد فصائل الجيش الحر ، وتقديم الدعم اللوجستي له، لتمكينه من قتال تنظيم الدولة .كما تتواجد القوات الفرنسية شرق الفرات في عين العرب وعين عيسى وشمال شرق سورية، في إطار اتفاق أميركي فرنسي، لدعم “قوات الحماية الكردية” التي تسيطر على المنطقة، إلا أن التفرد الأميركي في القرار بتقسيم مناطق النفوذ وتوزيع الحصص في سورية، خاصة تغريدات الرئيس الأميركي الأخيرة بضرورة أن تتحمل السعودية النصيب الأكبر من الإعمار، أربك الجميع وأثار حفيظتهم، خاصة الأوربيين حيث إن الأميركيين عندما يقولون ذلك فهذا يعني أن ما تقدمه السعودية من رأس مال في إعمار سورية يناسبهم وحدهم، أو بالأصح تقوم به نيابة عنهم، ويحقق لهم رأس مال سياسي في المستقبل السوري ما يمكنها من السيطرة والتفرد على الاقتصاد السوري، في الوقت الذي ينظر الجميع إلى المشاركة في نصيب من الإعمار، للفوز بنصيب من المستقبل السياسي، الأمر الذي دفع الفرنسيين والبريطانيين إلى التغريد خارج السرب الأميركي، والوقوف في وجه محاولاته تسويق النظام وإعادته للمجتمع الدولي، من خلال حلفاء أميركا من الدول العربية، لما لمسوه من استبعادهم وحرمانهم من أي مكسب مستقبلي، في حال ترميم النظام المتهالك، وربما تتبعهم دول أخرى في هذا الموقف وتؤيدهم”.

  • Social Links:

Leave a Reply