مدنية ديمقراطية عدالة اجتماعية تصدرها اللجنة المركزية لحزب اليسار الديمقراطي السوري العدد 1250 الأحد 09/01/2023
المهجّرون بين صعوبة المعيشة وقلة فرص العمل في الشمال السوري -رنا جاموس

المهجّرون بين صعوبة المعيشة وقلة فرص العمل في الشمال السوري -رنا جاموس

يعاني عشرات آلاف الشباب وأرباب الأسَر السوريين، بسبب غياب فرص العمل في شمال سورية، بعد تهجيرهم ضمن استراتيجية النظام السوري وحلفائه، وهو ما يجعل هاجس المستقبل يرافق كلًا منهم تحت وسادته، في كل لحظات حياته اليومية.

حول هذا الهاجس المُقلق، يقول أبو بدر الغوطاني، مدير مكتب الإعلام سابقًا‏ لدى ‏المجلس المحلي في مدينة زملكا‏، لـ (جيرون): “أخاف من المستقبل المجهول الذي ننتظره ولا نكاد نعرفه، لقد هُجّرنا من الغوطة الشرقية، بعد حرب دامت سبع سنوات، وبعد حصار طويل، لنصل إلى الشمال، ونكتشف أن المنطقة محكومة من ألف فصيل وفصيل، وأن البقاء فيها للأقوى”.

وتابع: “بدأت البحث عن المنطقة الأكثر أمنًا لأمي وإخوتي بعد وفاة أبي في الشمال، لكني لم أجد أي منطقة لها مستقبل، لا على الصعيد المهني ولا على الصعيد التعليمي، فالعمل في الشمال السوري يقتصر على فئة التجّار، والأفراد الذين تساندهم الفصائل الموجودة في المنطقة”.

وأضاف: “فكّرتُ في أن أعمل كأجير لدى أحد أرباب العمل، لكن المعاملة التي يلقاها المهجرّون منعتني من العمل، فهناك تمييز كبير في معاملة المهجّر، حتى على مستوى الأجور، فهو يعمل بأقل الأجور”.

وأشار إلى أنه حاول التقدّم لشغل وظائف ضمن المنظمات والمؤسسات المدنية، لكن ذلك -مع الأسف- كان يحتاج الى الواسطة في كل منظمة في المنطقة، وهذا ما جعله يفقد الأمل بالمستقبل في الشمال السوري، وأردف: “بات همّي الوحيد الآن الحفاظ على أمي وإخوتي الصغار”.

أكد الغوطاني أنه ينفق على عائلته، بعد وصوله إلى الشمال، من ثمن شقته التي باعها في الغوطة الشرقية، ولم يفكر بافتتاح مشروع صغير، بسبب “عدم توفر الأمان، وعدم استقرار الوضع في الشمال لا عسكريًا ولا سياسيًا”، معتبرًا أن أفضل الطرق للعمل في الشمال السوري هي “الانضمام الى أحد الفصائل، ليتقاضى الشخص راتبًا شهريًا يساعده في الحياة في ظل الظروف الصعبة، أو العمل عند أحد الأشخاص الذين يعاملون المهاجرين بشكل إنساني، بعيدًا من الاستغلال، وهم قلة لا تتجاوز نسبتهم 25 بالمئة”، على حد قوله.

من جهة ثانية، قال عامر خشيني، وهو شاب من درايّا يحمل إجازة في التجارة والاقتصاد، لـ (جيرون): “يسبب الوضع العسكري والأمني السيئين البطالة، فالجميع يخاف من تفجير أو خطف أو قصف، ولذلك يمتنع معظم الناس عن فتح مشاريع خاصة، ويلجأ من معه مال إلى إدخاره بغية تهريب أهله، في حال حصل شيء ما”.

وأوضح أن أكثر الأعمال انتشارًا في الشمال السوري “البسطات وعربات بيع الخضروات والفواكه أو الأشياء البسيطة، وذلك لعدم قدرة معظم الناس على إيجاد عمل، وبالتالي قد يساعدهم البيع على العربات غير المُرخّصة في تحصيل أجرة منازلهم على الأقل، حتى إن المواد والأشياء الموجودة في الأسواق في الشمال تقتصر على مستلزمات الحياة اليومية الأساسية”.

واستطرد: “معظم الشباب الذين يملكون خبرة في عمل مهني يتجهون إلى تركيا للعمل هناك، أما شريحة المتعلمين فتحاول أن تلتحق بدوارت تقوية للحصول على شهادات خبرة والقدرة على العمل ضمن منظمة”، وأكّد أنه لا يفكر في ترك سورية “على الرغم من أن عملي ضمن لجنة أهالي داريّا للمهجرين في الشمال، الذي أتقاضى عليه بدلًا شهريًا بقيمة 200 دولار، سيتحول -بعد شهر- إلى عمل تطوعي، بسبب عدم توفر الإمكانات المادية اللازمة”.

وقال خشيني الذي يعيش مع زوجته وطفلته: إن العمل مع منظمة “يحتاج إلى تزكية، بينما العمل لدى أرباب العمل بات صعبًا، بعد أن صرفوا معظم العاملين لديهم، بسبب الركود الاقتصادي في المنطقة”، وتابع: “في أفضل الأحوال، يدفع ربّ العمل للمهجر أجرة يومية تراوح بين 1000 و1500 ليرة فقط، بينما أجرة بيته تجاوز عشرين ألف ليرة سورية، وهذا يدفع معظم سكان الشمال السوري إلى الاعتماد على مساعدات المنظمات التي انخفضت في الأشهر الأخيرة، أو على معيل من عائلاتهم، يعيش خارج البلاد ويرسل لهم مبلغًا يسندهم”.

وأشار إلى أهم أسباب صعوبات العمل بالنسبة إلى المهجرين، وقال إنها تعود أساسًا إلى سببين: “الأول أن أهالي دمشق وريفها كانوا يعتمدون في عملهم على النجارة وبخ الموبيليا، وهذا العمل غير متوفر في الشمال، أما السبب الثاني فيعود الى اختلاف أنواع المزروعات التي كان يزرعها أهالي محيط دمشق، عن نوع الزراعة في الشمال السوري تمامًا”.

وختم: “في الشمال السوري بات المستقبل هو الهاجس الأول والأخير للجميع، لذا ينتشر الاكتئاب والشرود بين معظم الناس في المنطقة، بسبب المصروف الكبير والوارد القليل”.

ومن المستبعد عودة الناس إلى مناطق النظام، بسبب البطالة، لكونها موجودة في مناطق سيطرة النظام أيضًا، إضافة إلى أن من يُفكّر بمصالحة النظام أخذ عبرة بعد أن اعتقل النظام من فعلها قبلهم، أو أجبرهم على الخدمة الإلزامية أو سحبهم إلى خدمة الاحتياط، ويضيع الشباب في شمال سورية، بين حلم بوطن مُحرّر، وحلم بمستقبل أفضل في مناطق هجرتهم وتهجيرهم.

  • Social Links:

Leave a Reply