حتى الآن أوروبا غير متوافقة على الأسد

حتى الآن أوروبا غير متوافقة على الأسد

القضية الأخيرة التي تقسّم الاتحاد الأوروبي هي هل يجب الاعتراف بشرعية دكتاتور سورية ومساعدته في إعادة بناء بلاده!

صورة الغلاف: المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تتحدث إلى مفوضة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، في ميونيخ 7 شباط/ فبراير 2015. (كريستوف ستاشي/ وكالة الصحافة الفرنسية/ صور جيتي)

يحاول الاتحاد الأوروبي أن يظهر أمام العالم كجبهة موحدة، ولكن هناك مجموعة واسعة من القضايا التي تقسم القارة ضد نفسها. القضية الأخيرة التي تقسّم الاتحاد الأوروبي هي: هل سيُساعد الاتحاد في إعادة بناء سورية، أو بالأحرى: هل سيساعد نظامَ الأسد في تحقيق ذلك؟!

على الرغم من أن الاتحاد، من الناحية الرسمية، موحد خلف سياسة العقوبات ضد نظام الأسد، فإن هناك دولًا فردية بدأت تتساءل: هل يجب الحفاظ على الوضع الحالي المتشدد وغير القابل للتنازل. بينما ترغب فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة في الإبقاء على موقف صارم ضد الأسد، فإن بعضًا من دول جنوب وشرق أوروبا، وخاصة الدول ذات الحكومات الشعبوية، ترغب في تخفيفه.

قال دبلوماسيون من مختلف أنحاء أوروبا لـ (فورين بوليسي) Foreign Policy إن المجموعة الأخيرة من الدول تنظر إلى العلاقات مع سورية، من زاوية أزمة اللاجئين. ويعتقدون أن اعترافهم بالأسد، لكونه قد فاز بالحرب، ومساعدته في إعادة إعمار بلاده، سيمكنهم من الإسراع بعودة اللاجئين السوريين.

في هذا السياق، تبرز إيطاليا باعتبارها الداعم الأكثر صراحة للأسد، وهي تعارض العقوبات ضد المؤسسات السورية، على الأقل خلف الأبواب المغلقة. وقال دبلوماسي من جنوب أوروبا لـ (فورين بوليسي) مشترطًا عدم كشف هويته: إن إيطاليا “تعيد تقييم موقفها؛ إذا أردتَ أن يغادر اللاجئون، وأن تتوقف الموجة الثانية من اللاجئين، وأن تنتهي معاناة النازحين في الداخل، وإذا أردت مواجهة داعش في أوروبا -وهم موجودون هناك- فإنك عندئذ تحتاج إلى التعامل مع الحكومة السورية”. وأضاف: “الحل مطروح على الطاولة: الحلّ هو الأسد”.

تخضع سياسة الاتحاد الأوروبي الحالية لقرار الأمم المتحدة رقم 2254 الصادر في كانون الأول/ ديسمبر 2015، الذي يطالب بتحقيق “الانتقال السياسي” في سورية. ولكن صيغة القرار غامضة، عن عمد، وهذا ما يسمح للدول الغربية التي تعارض الأسد بأن تطالبه بالتنحي، في حين أن روسيا والصين وغيرهما يمكن أن يقولوا إنه يعني مجرد إصلاحات سياسية يُتفَق عليها. والآن بعد أن أصبح واضحًا أن الأسد لن يغادر السلطة، فإن غموض القرار يولّد خلافات داخل الاتحاد الأوروبي.

تؤيد إيطاليا القرار، بذريعة “التخفيف عن الحكومة السورية”، وفقًا للدبلوماسي الإيطالي. وعلى الرغم من أنها لم تعترض على موافقة الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات على 11 من رجال الأعمال السوريين وأنصار النظام، في كانون الثاني/ يناير -ليصل إجمالي الأفراد الذين تم فرض العقوبات عليهم إلى 270- فإنها قد تسعى قريبًا لإلغاء بعض منها. حالما يتم رفع العقوبات -التي تحظر المعاملات المالية والتعاملات الأخرى مع سورية- ستتمكن الشركات الأوروبية من تقديم عروض للمشاريع المتعلقة بإعادة الإعمار.

يمكن لإيطاليا أن تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد التجديد السنوي للعقوبات، لكن القيام بذلك بمفردها ينطوي على خطر عزلها في الاتحاد. ويقول الخبراء: ما يزال هناك افتراض مفاده أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حتى في مسائل السياسة الخارجية، تتعرض لضغوط من أجل العمل من خلال الإجماع. ومع مرور الوقت، من المرجح أن تقوم إيطاليا بتأمين مزيد من المؤيدين للتغيير. بالفعل، يُعتقد أن بولندا والنمسا وهنغاريا تتعاطف مع فكرة إعادة التعامل مع السلطات السورية.

جوليان بارنز-داسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قال: إن هذه الدول مدفوعة بعوامل تتضمن السياسة الداخلية المرتبطة باللاجئين والروابط مع موسكو. وأضاف: “لا يمكن إنكار حقيقة أن بعض الدول تقرُّ بالحقائق الجديدة على الأرض في سورية، وتعتقد أن أي مكاسب إيجابية من الوضع الحالي يجب أن تنطوي على نوع من المشاركة مع الحكومة في دمشق. هذا ليس دورًا هزليًا فحسب، وإنما يمثل أيضًا تقييمات تحليلية متنافسة لما هو ممكن الآن”.

في آب/ أغسطس 2018، أرسلت بولندا أندريه بابيرز، نائب وزير الخارجية، إلى دمشق للاجتماع مع الحكومة السورية. وقد أشادت وكالة (سانا) الحكومية بهذه الزيارة. وقالت إن بولندا عرضت دفع ثمن بناء منازل لمئة أسرة لاجئة سورية تعيش حاليًا في لبنان، لتهيئة الظروف لعودتهم. ووصف فيصل المقداد (نظير بابيرز السوري) موقفَ بولندا بأنه “واقعي وعقلاني”، ودان ربط المساعدات بـ “شروط أخرى”.

وتنفي بولندا أنها تكسر التوافق في الاتحاد الأوروبي، بشأن إعادة الإعمار في سورية. ومع ذلك، فإن إشارتها إلى حكومة الأسد تُعدُّ مؤشرًا واضحًا على اعتقادها بأن إعادة إعمار سورية ستدفع اللاجئين للعودة إلى الوطن، وليس باتجاه الغرب، إلى أوروبا.

اعترف دبلوماسي من أوروبا الغربية بأن جميع الدول الأعضاء الـ 28 في الاتحاد الأوروبي تدرك أن الأسد قد فاز في الحرب بشكل أساسي. غير أن ألمانيا وفرنسا تعارضان الاعتراف بذلك علنًا ولكن المطلوب منهما التقليل من توقعاتهما بشأن ما يعني “الانتقال السياسي”: من ديمقراطية كاملة تعمل على احترام حقوق الإنسان إلى تغيير هامشي في نظام الأسد. وقال الدبلوماسي: “تخشى ألمانيا وفرنسا من أن سياساتها المناهضة للأسد في سورية قد يُضعفها أولئك في الاتحاد الأوروبي الذين يريدون مغادرة اللاجئين والتفكير في دفع تكاليف إعادة البناء. تعتقد هذه البلدان أن المبادئ قديمة وتحتاج إلى المراجعة”.

جيمس موران، وهو باحث مشارك مرموق في مركز دراسات السياسة الأوروبية، ودبلوماسي سابق في الاتحاد الأوروبي، قال: إن دبلوماسية أوروبا في سورية تركز الآن على إقناع روسيا، التي تريد من الاتحاد الأوروبي أن يخفف من القيود المصرفية، وأن يساعد في دفع تكاليف إعادة إعمار سورية، لاستخدام نفوذها على الأسد وجعله يقدم تنازلات سياسية مهمة. وقال: “ما يبحث عنه الاتحاد الأوروبي الآن، أو بالأحرى ما يأمل فيه، هو أن تتمكن روسيا من إقناع الأسد بأن يصبح أكثر تشاركية، إن لم يكن أكثر ديمقراطية. قبل توضيح الشروط للأسد، ستكون هناك حاجة إلى مزيد من التبادلات مع الروس”.

يحتدم النقاش بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، حول ما يُعدُّ تسوية يُوثق بها. في إطار محادثات جنيف للسلام التي عُقدت بموجب القرار 2254، من المفترض أن يوافق النظام والمعارضة على تشكيل لجنة مشتركة لكتابة دستور جديد. يقول الألمان: إذا حدث ذلك، فإننا سنعدّه خطوة إلى الأمام. حتى تلك الخطوة الأولى، لم يتم الوفاء بها حتى الآن، حيث فشل الجانبان في الاتفاق على تأليف اللجنة.

إضافة إلى ذلك، قالت مصادر دبلوماسية: إن الألمان والفرنسيين يتوقعون أن يفرج الأسد عن آلاف السوريين المحتجزين بشكل غير قانوني، ويعلن العفو عمن يسميهم “الخونة”، ويسمح للأمم المتحدة بمراقبة سعادة العائدين. إذا تمّت تلبية هذه الشروط، وفقًا لهذه المصادر، فقد يفكر الاتحاد الأوروبي في زيادة مساعدات إعادة الإعمار، من التمويل الإنساني الحالي البالغ 10 مليارات دولار إلى مستوى أعلى.

“من المرجح أن نرى مزيدًا من الدول الأوروبية توسع تفسيرها لدعم الاستقرار الإنساني ومرحلة ما بعد الصراع، من أجل زيادة مستويات المساعدة إلى سورية، بينما لا تقدم دعمًا لإعادة الإعمار من الناحية التقنية، في محاولة لتجنب الخروج الكامل عن موقف الاتحاد الأوروبي المشترك”، كما قال داسي. ولكن هذا الأمر بالنسبة إلى برلين وباريس يتعلق بإجراء انتخابات حرة ونزيهة. وقال الدبلوماسيون إن فرنسا وألمانيا لن تدعما رفع العقوبات وتشاركا في جهود إعادة الإعمار الكاملة، حتى يتم تنفيذ عملية سياسية ذات صدقية.

وقال دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى، يزور سورية في كثير من الأحيان، لـ فورين بوليسيFP إن التنازل السياسي الوحيد الذي قد يفكر الأسد فيه هو إعطاء مزيد من الاستقلالية للمجالس المحلية. وقال: “لن يوافق الأسد على إعطاء حقائب الدفاع أو التعليم أو الأمن للمعارضة، في أي حكومة مقبلة. لكن أحد الوزراء أخبرني أنهم قد يمنحون المزيد من التفويض للسلطات المحلية، وهذا هو أقصى ما يمكن أن نتوقعه”. لن تعدَّ ألمانيا وفرنسا ذلك دليلًا على المشاركة الحقيقية في السلطة؛ لأنهما تعتقدان أن مؤيدي حزب البعث ما زالوا يديرون الإدارات المحلية. ومع ذلك، ستكون إيطاليا منفتحة على إرسال المساعدة الإنمائية إلى المجالس المحلية التي تتمتع بقدر أكبر من الاستقلالية.

وقال بارنز-داسي إن السؤال الذي يواجه أوروبا الآن هو هل يمكنها أن تتكتل حول موقف أكثر قابلية للتطبيق، يعترف بعدم إمكانية حدوث أي تحول في سورية. وفي حال لم يكن الأمر كذلك، فإن الانهيار التدريجي للموقف الأوروبي الداخلي قد يكون أمرًا محتومًا. من غير المحتمل أن تظهر الشقوق والصدوع على الملأ، في 12 آذار/ مارس، عندما تعقد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المؤتمر السنوي الثالث لدعم مستقبل سورية والمنطقة في بروكسل. لكن من الواضح الآن أن النغمات، في جميع أنحاء أوروبا التي تدعو إلى تغيير في السياسة تجاه سورية، لن تتحسن عن مسار هذا العام

  • Social Links:

Leave a Reply