ترويض الثروة العقلية

ترويض الثروة العقلية

العربي الجديد – فواز حداد

تعاني الدكتاتوريات من انخفاض استثمار الثروة العقلية في بلدانها، لعدم معرفتها بأنها ثروة، ولحداثة عهدها بهذا النوع من البشر، عادة تتعامل مع الموالين الباحثين عن الثروة، والذين يتميّزون بدرجات عالية من الخنوع، ما يؤهلهم لتسلّم مناصب رفيعة لا تتطلّب أكثر من طأطأة الرأس. ما يحيّر هو أن رجالات السلطة عندما يضطرّون إلى التعامل مع هؤلاء الأشخاص ذوي المعدلات المرتفعة من الذكاء، يتحكّمون بهم، بدلاً من العكس، مع أن رجالات السلطة بوجه عام، يتمتعون بقدرات عقلية منخفضة، فمن أين لديهم القدرة على توجيه ذوي القدرات العقلية المرتفعة نحو مآربهم؟

 

الواضح أن السلطة تقودها أهدافها، فتعرف تماماً ما تريده، فتعطّل ذكاء الأذكياء، فهي لا تحتاجهم، بالنظر إلى حاجتها إلى شعب شغّيل لا يفكر، يعيش مما يدرّه عليه تعبه وعرقه بشكل معقول، والأفضل بالحدود الدنيا، يعيش تحت ضغط العوز والإملاق، واللهاث لتأمين حاجاته الأساسية للبقاء على قيد الحياة.

 

تتبادل السلطة مشاعر الاحتقار مع الأذكياء، فأجهزة الحكم الدكتاتوري تحتوي على أكبر نسبة من الأغبياء، فيضيقون بالأذكياء، ما سبّب العداء بينهما. بالتالي إما أن يُقضى عليهم أو يُدفعون إلى الهجرة، غالبيتهم لا يستطيعون مغادرة البلد بسبب ارتباطهم بعائلاتهم، وربما لتعلّقهم بأوطانهم. لذا تتكفل الدكتاتورية في إيجاد بيئات خاملة تقتل ذكاءهم على مهل لمجرّد عدم وجود منافذ لتصريفها. فيتماوتون مع الوقت من انسداد الآفاق.

تنبّهت الدكتاتوريات الناشئة بعدما أصبحت دكتاتوريات راسخة، إلى أن الذكاء، إن لم يوظّف لخدمتها، فسوف يهدّدها. كما أدركت أن الذكاء محايد، بالوسع توجيهه الوجهة المرغوبة، ما يضمن تثبيت سلطتها، وذلك بإنشاء كادر من المتميزين بذكائهم، بشرط انتزاع الضمير منهم، والتعهد بالولاء لسلطة بلا ضمير، فلم تخفِ حاجتها إلى نوع محدّد هو الذكاء الأعمى، الذي لا يرى إلا بالقدر الذي تريده. فجرى احتكارهم وأصبحوا قضية أمنية.

 

هذه العملية ليست مدينة للدكتاتوريات وحدها. منذ قرون تنبهت الإمبراطوريات والملكيات، الى أن المهارات العلمية والفنية، تتحرّك تحت أي مظّلة تتوفر لها، ويمكن توظيفها لديها، يقدّمون خدماتهم لها، وأحياناً لا بدّ من عملية تحويل من الخير إلى الشر. وهي لا تحتاج إلى كثير جهد، أليسوا هم أرباب نعمتهم؟ في العصر الحديث، جرى وضعهم في مكان مغلق، وحُجر عليهم بدعوى عدم تسريب الأسرار إلى العدو، مع تأمين الرفاهية، فلا إحساس بآلام الآخرين، أو تساؤلات حول الرحمة والشفقة، لا يعرفون سوى المسؤول عنهم وهو رجل لطيف يستجيب لجميع طلباتهم المعيشية والترفيهية، ولا يستبعد الجنسية أيضاً، ولا يجهلون أنه يمثّل المحسن إليهم، الزعيم أو الرئيس المفدى.

 

أما الدعوى فهي أن السلطة تريد تخليص العالم من الأشرار، بصرف النظر عمّن هم الأشرار؛ النازيون، اليهود، الإسلاميون، رجال العصابات، مافيات المخدرات، الشعوب الزائدة عن الحاجة. أما المثال المحلي الناصع لهذه العملية في بلداننا، فاختراع حفنة من الأذكياء البراميلَ المتفجرة وهي براميل تحتوي على ناسف وحديد خردة، أما وجه الذكاء الألمعي الشيطاني، فإحداث تدمير هائل في المنازل والمستشفيات والأسواق والأفران، ومقتل أعداد كبيرة من الناس دون تعيين؛ مقاتلين، مدنيين، رجال، نساء، أطفال، رضع… وبكلفة لا تكاد تذكر.

 

وهكذا جرى تحويل الأذكياء إلى مجرمين حقيقيين، يعرفون تماماً ماذا يفعلون وعلى من ترمى براميلهم، وأن القتلى مواطنون مثلهم، يحملون معتقدات غامضة، مثلاً يريدون الحرية. الحرية نفسها الذي يتمتع بها الأذكياء، لكن دونما حجر عليهم. وليس تلك الحرية التي تمارس في المختبرات، حيث تخترع أنواعاً للموت مع أسبابها، وأمراضاً وجراثيم وفيروسات لا علاج لها، وكيمياء تهب الموت مع الهواء.

 

هذه النماذج تقدّم أمثلة على ترويض الثروة العقلية، فالامتيازات لا تكتسب إلا بالخنوع، والاستعداد للتحوّل إلى قتلة.

تنبّهت الدكتاتوريات الناشئة بعدما أصبحت دكتاتوريات راسخة، إلى أن الذكاء، إن لم يوظّف لخدمتها، فسوف يهدّدها. كما أدركت أن الذكاء محايد، بالوسع توجيهه الوجهة المرغوبة، ما يضمن تثبيت سلطتها، وذلك بإنشاء كادر من المتميزين بذكائهم، بشرط انتزاع الضمير منهم، والتعهد بالولاء لسلطة بلا ضمير، فلم تخفِ حاجتها إلى نوع محدّد هو الذكاء الأعمى، الذي لا يرى إلا بالقدر الذي تريده. فجرى احتكارهم وأصبحوا قضية أمنية.

 

هذه العملية ليست مدينة للدكتاتوريات وحدها. منذ قرون تنبهت الإمبراطوريات والملكيات، الى أن المهارات العلمية والفنية، تتحرّك تحت أي مظّلة تتوفر لها، ويمكن توظيفها لديها، يقدّمون خدماتهم لها، وأحياناً لا بدّ من عملية تحويل من الخير إلى الشر. وهي لا تحتاج إلى كثير جهد، أليسوا هم أرباب نعمتهم؟ في العصر الحديث، جرى وضعهم في مكان مغلق، وحُجر عليهم بدعوى عدم تسريب الأسرار إلى العدو، مع تأمين الرفاهية، فلا إحساس بآلام الآخرين، أو تساؤلات حول الرحمة والشفقة، لا يعرفون سوى المسؤول عنهم وهو رجل لطيف يستجيب لجميع طلباتهم المعيشية والترفيهية، ولا يستبعد الجنسية أيضاً، ولا يجهلون أنه يمثّل المحسن إليهم، الزعيم أو الرئيس المفدى.

 

أما الدعوى فهي أن السلطة تريد تخليص العالم من الأشرار، بصرف النظر عمّن هم الأشرار؛ النازيون، اليهود، الإسلاميون، رجال العصابات، مافيات المخدرات، الشعوب الزائدة عن الحاجة. أما المثال المحلي الناصع لهذه العملية في بلداننا، فاختراع حفنة من الأذكياء البراميلَ المتفجرة وهي براميل تحتوي على ناسف وحديد خردة، أما وجه الذكاء الألمعي الشيطاني، فإحداث تدمير هائل في المنازل والمستشفيات والأسواق والأفران، ومقتل أعداد كبيرة من الناس دون تعيين؛ مقاتلين، مدنيين، رجال، نساء، أطفال، رضع… وبكلفة لا تكاد تذكر.

 

وهكذا جرى تحويل الأذكياء إلى مجرمين حقيقيين، يعرفون تماماً ماذا يفعلون وعلى من ترمى براميلهم، وأن القتلى مواطنون مثلهم، يحملون معتقدات غامضة، مثلاً يريدون الحرية. الحرية نفسها الذي يتمتع بها الأذكياء، لكن دونما حجر عليهم. وليس تلك الحرية التي تمارس في المختبرات، حيث تخترع أنواعاً للموت مع أسبابها، وأمراضاً وجراثيم وفيروسات لا علاج لها، وكيمياء تهب الموت مع الهواء.

 

هذه النماذج تقدّم أمثلة على ترويض الثروة العقلية، فالامتيازات لا تكتسب إلا بالخنوع، والاستعداد للتحوّل إلى قتلة.

  • Social Links:

Leave a Reply