قراءة في كتاب: تاريخ العلويين

قراءة في كتاب: تاريخ العلويين

الكاتب: ستيفان ونتر.

قراءة: أحمد العربي

ترجمة: أحمد نظير الاتاسي وباسل وطفة.

الناشر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة/ط١ ورقية، ٢٠١٨م.

سادسا: إصلاح إمبراطوري.

كان القرن التاسع عشر منذ بدايته مختلفا بالنسبة للعثمانيين، ومنعكسا على العلويين وغيرهم من الطوائف وأصحاب الأديان في الدولة العثمانية. لقد بدأ التصنيف الطائفي بالظهور للعلويين وغيرهم، وبدأ حملة ترسيخ للتوجّه السنّي في الدولة العثمانية، كان لوجود الشيخ المغربي، الذي لجأ إلى بلاد الشام هاربا من التوسع الفرنسي في بلاده، لإعادة التداول بفتاوى ابن تيمية وتكفير العلويين وغيرهم من الفرق الإسلامية، لكن ذلك لم يكن يؤثر على الدولة العثمانية ومواقفها المعلنة السابقة، من حيث الالتزام الضريبي أو تنفيذ المطالب العثمانية عبر مسؤوليها من العلويين على أبناء طائفتهم.

لكن المتغير الأبرز الذي حصل في بلاد الشام في الفترة بين ١٨٣١و ١٨٤١م هو دخول جيش محمد علي باشا المصري إلى بلاد الشام وطرد العثمانيين، جيش محمد علي الذي استقل بمصر سابقا، وأخذ بالتكنولوجيا الحديثة والإدارة التي ساعده بها علماء فرنسيون. كان دخول إبراهيم باشا ابن محمد علي إلى بلاد الشام، قد تصرف وفق مصلحة الدولة وعلاقتها مع أهل بلاد الشام كمواطنين، مع استمرار النظام الضريبي لصالح إبراهيم باشا، كما عمل لتجنيد الكثير في الجيش المصري، وكان بعض العلويين موجودين به أيضا.

كان لخروج المصريين من بلاد الشام بعد عشر سنوات من دخولها، تأثير كبير على واقع الحال في بلاد الشام وعلى العلويين ضمنا، وأصبح الحضور الأوربي طاغيا، فقد ساهم الأوروبيون في دحر محمد علي وعودته إلى مصر، وساعدوا العثمانيين للعودة إلى بلاد الشام، لكن أصبح لقناصلهم حضور في شؤون الطوائف والجماعات، وكان لكل دولة من الإنكليز والفرنسيين والروس طائفة ترعاها أمام الدولة العثمانية.

لذلك أصبحت أغلب الطوائف والمسيحيين أقرب لعيش المواطنة الواحدة في الدولة العثمانية. كان للاحتكاك مع الغرب وحضوره في واقع الجماعات والطوائف وضرورة تحديث الدولة، دورا مهما في تجديد الدولة العثمانية وانفتاحها على التعليم وضرورة السير على النمط الأوروبي باعتماد دستور للبلاد المسمى المشروطة، وإدارتها وفق المسار الأوروبي.

لقد قويت النزعة الداعية لتمثل الغرب في الدولة العثمانية، وزادت تدخلات الغرب في الشأن العثماني، وبدأ يشاع عن الدولة العثمانية بأنها الرجل المريض، وبدأت الدول الغربية الاستعمارية تفكر بتقاسم تركته، وبدأت بسياسة الامتيازات أول الأمر. لذلك كان المسيحيون تحت حماية دولة وكذلك الدروز والعلويين، وتحت هذه الذريعة لم تعد الدولة العثمانية مطلقة اليد في شؤون دولتها ورعاياها.

سابعا: مرحلة السلطان عبد الحميد وما بعده.

كان للسلطان عبد الحميد حضورٌ قويٌّ في أواخر القرن التاسع عشر، من حيث إصراره على التحديث والتعليم والأخذ بنظام المشروطة، أي الدستور، عمل عبر فترة سلطنته الطويلة نسبيا على محاولة تجاوز سلبيات الدولة العثمانية، واللحاق بركب الدول الأوروبية المتطورة، فكان قد عمد إلى سياسة التعليم لكل مكونات دولته العثمانية، ومنهم العلويون ومناطقهم، وكانت تجارة وزراعة القطن والتبغ في القرن التاسع عشر وما قبله، قد جعلت العلويين منتجين ومناطقهم أصبحت محط اهتمام، وتجاوزوا نسبيا الفقر والفاقة، رغم أن ريع تجارة القطن والتبغ كانت تعود على الملّاك والإقطاعيين العلويين وغير العلويين.

وبدأت تظهر زعامات علوية تعمل على ترسيخ مصالح تطال الطائفة عموما وامتداداتها. لكن واقع الدولة العثمانية كان يسير إلى التفكيك، فقد توافقت الدول الأوروبية على تفكيك الدولة العثمانية وتقاسمها، اتفاقات سايكس وبيكو، وهكذا تم دعم الشريف حسين الهاشمي في مكة ليقود تحركا عربيا ضد العثمانيين.

كانت مواقف القيادات العشائرية والطائفية لكل المكونات في بلاد الشام موزعة الولاء بين أن تكون مع الدولة العثمانية أو مع المستعمر الأوربي القادم بجيوشه وعتاده. لقد أظهرت الوثائق أن هناك قيادات دينية وعشائرية علوية كانت تقف إلى جانب العثمانيين، ومنهم الشيخ صالح العلي، الذي قاد مواجهة مع الفرنسيين. كما كان هناك قيادات عشائرية ودينية علوية تؤيد الفرنسيين ووجودهم في بلاد الشام.

وكانت هذه الذبذبة في المواقف تعبيرا عن عدم اليقين مما سيحصل وغياب وضوح الرؤية، فقد تقدم بعض وجهاء العلويين بطلب تكوين دولة علوية خاصة بهم في الساحل السوري أو الالتحاق بلبنان أيام كان الفرنسيون يريدون تقسيم سوريا لأقاليم طائفية، ثم قدمت عريضة أخرى بعد ذلك تطالب للالتحاق بسوريا الكبرى بعد أن وحدت فرنسا سوريا كدولة واحدة، وبدأت تعد العدة لمغادرة سوريا.

ثامنا: العلويون في سوريا وتركيا أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

كان للحرب على الدولة العثمانية بقيادة أوروبية والتنسيق مع الشريف حسين في الحرب العالمية الأولى، وما قبلها وما تلاها متغيرات عميقة في واقع العلويين في بلاد الشام، الذين سيكونون موزعين بين دولة سوريا تحت الاحتلال الفرنسي والدولة التركية بعد سقوط الدولة العثمانية. كان بعض العلويين مرتبطين مع العثمانيين الذين سيهزمون لاحقا بحربهم مع الأوربيين، وكان البعض مرتبطا مع الشريف حسين والأوربيين ووعودهم للعلويين بدولة خاصة وامتيازات كبيرة.

كان واقع الحال أن العثمانيين استمروا على التواصل مع القيادات العلوية ودعمها في مواجهة الفرنسيين قبل اجتياحهم لها وبعد ذلك، منهم صالح العلي الذي واجه الفرنسيين، لكنه بعد سقوط الدولة العثمانية واستقرار الأمر للفرنسيين في سوريا، سرعان ما انقلب الكثير من القيادات العلوية التي طالبت بدولة علوية خاصة، وسرعان ما تراجع البعض وانتصر للدولة السورية الموحدة.

هذا على المقلب السوري، أما على الطرف الذي أصبح تابعا للدولة التركية الحديثة، فقد عمد الكثير من العلويين في لواء إسكندرون وكيليكيا إلى التجاوب مع علمنة الدولة التركية وإصرارها على دمجهم بالدولة الحديثة، وإطلاق تسمية أتراك حثيين عليهم ليتجاوزا لقبهم كعلويين يشكلون طائفة محددة، بل مواطنين أتراك في دولة مساواة، كان لمصطفى كمال وبعده حزب الشعب الجمهوري دور في غرس علويي تركيا في تربتهم التركية، عبر التعليم وتعميمه وعبر دورات تثقيف فكري، وعبر تحسين شروط الحياة لهم في تركيا، التي استحوذت على مناطقهم في عام ١٩٣٩م في إسكندرونة، وكيليكيا، وديار بكر، وأصبح العلويون جزءاً من البنية المجتمعية التركية.

أما في سوريا فقد ظهر بعض المتنورين منهم: الذين عملوا لغرس العلويين في البنية المجتمعية السورية، كان منهم سليمان الأحمد، وبعده ابنه الذي انتصر للتعليم ودخول العلويين في النسيج المجتمعي السوري. كما ظهر رجال دين منهم عبد الرحمن الخير، يعيدون طرح المذهب العلوي اجتهادا ضمن المذهب الشيعي، متجاوزين الكثير من غلواء اعتقادية نسبت لهم، وكان لفتوى الشيخ أمين الحسيني مفتي القدس باعتبار العلوية مذهب إسلامي معترف به دور إيجابي عليهم. كل ذلك جعلهم ينخرطون في بنية المجتمع أكثر. وكان الكثير من شباب العلويين قد التحق في سلك الجيش أيام الفرنسيين، سواء لسوء وضعهم المعيشي أو بدعم الفرنسيين لأبناء الأقليات ليكونوا في قوام جيشه في المستعمرات التابعة له ومنها سوريا.

هكذا يبدأ القرن العشرين والعلويون في سوريا، وتركيا، ولبنان، مغروسين نسبيا في مجتمعاتهم.

ينوه الباحث أن أحداث الثورة السورية تؤثر كثيرا على إعادة توصيف الوجود العلوي في سوريا، حيث هم جيش النظام ووقوده بمواجهة الشعب السوري كله، وإن لذلك آثارا كبيرة على حالة العلويين والبنية المجتمعية السورية، الآن وفي المستقبل.

هنا ينتهي الكتاب.

تاسعا: رأينا.

١. بدايةً بعد قراءتي لعدد لا بأس به من الكتب التي تطال العلويين في سوريا، أغلبها لكتاب أجانب، أستطيع القول: إننا امام كتاب جامع قدّم به الباحث جهدا كبيرا، خاصة أنه اعتمد في كل ما توصل إليه على وثائق تعب كثيرا في الحصول عليها وتصنيفها، ووضعها ضمن سياق بحثه التاريخي، الذي طال ألف سنة من عمر الطائفة العلوية منذ ظهورها كدعوة على يد بن نصير في القرن التاسع الميلادي إلى طلائع القرن العشرين.

٢. أكد الباحث على مراجعته لكل المسلمات التاريخية عن العلويين، لم يتحرج في طرح حقيقة عقائدهم وتأليههم لعلي بن أبي طالب، توسع في سرد تطورهم الاعتقادي من حالة دينية صوفية حلولية إلى مذهب ديني مقنن وله مصنفاته الخاصة، بعضها عرف وبعضها ما زال سرّيا.

٣. أكد الباحث أن التعامل مع العلويين من قبل الحاكمين عليهم تاريخيا لم يتم على أساس طائفي ديني أو فرقة مهرطقة إسلامية إلا ما ندر، وأنّ فتوى ابن تيمية لم تكن حاضرة عمليا في سلوك السلطات المتتابعة على هذه البلاد إلا ما ندر، ولأسباب غير دينية في أغلب الأحيان، بل تم التعامل معهم من منطق مصلحة الدولة وضرائبها وسياساتها وانتظامها الداخلي. وأن ما سرد عن مجازر بحقهم في حلب إبّان الفتح العثماني كان أقرب للأسطورة، وإنهم كانوا جزءاً من الدولة العثمانية ونظامها الضريبي وتجنيدهم في الجيش ووصول بعضهم لمراكز كبيرة في الدولة، وأنهم كانوا متميزين فيما بينهم حسب عشائرهم وملكياتهم، وإنّ قيادتهم كانت منهم وفيهم وفق الإرادة العثمانية، وأنه أصابهم ما أصاب كل الرعايا العثمانيين عبر مئات السنين.

٤. توقف الباحث كثيرا أمام واقع الفقر والفاقة والتخلف الاجتماعي وسوء واقعهم الاقتصادي، وأنهم ضحايا ملّاك أغلبهم منهم، لذلك كان من السهولة أن ينخرطوا في أعمال سطو ونهب وقتل وبحث عن غنائم.

٥. لقد أكد الباحث أن العلويين في التاريخ لم يكونوا خارج سياق مجتمعاتهم وما عاشوه، وبالتالي؛ قياسا على المستقبل سيكونون جزءا من البنية الاجتماعية وذلك يعود لطبيعة الحكم، هل هو ديمقراطي عادل أم استبدادي طائفي تمييزي معهم أو ضدهم.

٦. ما لم يذكره الباحث أن العلويين في سوريا قد عمدوا بعد الاستقلال إلى البحث عن سبل حياة أفضل، التحق البعض في الجيش والبعض انتشر خارج مناطق تواجدهم التاريخية في أطراف المدن السورية بحثا عن ظروف حياة جديدة.

وأن النظام السوري الاستبدادي، منذ انقلاب آذار ١٩٦٣م وبشكل أكثر جذرية منذ حركة حافظ الأسد ١٩٧٠م وتسلمه السلطة في سوريا كحاكم مطلق، واعتماد حافظ الأسد على بنية الجيش والأمن وعلى العنصر العلوي في سيطرته وظلمه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للسوريين. جعل أغلب العلويين هو وابنه بشار الأسد بعده في مواجهة بقية الشعب السوري، في صراع وجودي خاصة بعد ثورة الشعب السوري ضد الاستبداد والظلم والفساد والمحسوبية والاستغلال في عام٢٠١١م.

والآن نحن في عام ٢٠١٩م ما زال الصراع مستمرا، وأصبحت سوريا محتلة من أمريكا، وروسيا، وإيران، وإسرائيل، ومقسمة ونصف شعبها مشرد وفاقد وسائل العيش الكريم. وأكثر من مليون قتيل ومثلهم مصاب ومعاق ونصفها مدمر.

مطلوب من الشعب السوري والعلويين جزء منه أن يعيدوا حساباتهم وعلاقتهم ببعضهم، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والعمل لمستقبل أفضل إنسانيا. مستقبل يحقق الكرامة الإنسانية والعدالة والحرية والديمقراطية والحياة الأفضل لكل الشعب السوري

  • Social Links:

Leave a Reply