إذا كان الموت يوحدنا ، أليس المستقبل المشرق أولى بذلك؟

إذا كان الموت يوحدنا ، أليس المستقبل المشرق أولى بذلك؟

م. سامر كعكرلي

في صباح يوم الجمعة تاريخ 06/12/2019، فُجع اليساريين والديمقراطيين والوطنيين السوريين برحيل شخص يساري وطني هو الراحل “منصور أتاسي” أبو مطيع ،أمين عام حزب اليسار الديمقراطي السوري، ولم يمض سوى عدة دقائق على نشر الحزب نعي أمينه العام، إلا وبدأت صفحات التواصل الاجتماعي بنعي الفقيد وذكر مآثره والتي هي بطبيعة الحال كثيرة، ولكنني سأكتفي بذكر واحدة لسببين: الأول أنني على المستوى الشخصي أعتبرها الأهم، والثاني لأنني لا أنوي أن تكون مقالتي هذه مقال لتعداد مآثر “منصور أتاسي”.

عند تأسيس حزب اليسار الديمقراطي السوري وكان ذلك بعد اندلاع الثورة السورية العظيمة، حيث كانت تلك الفترة فترة ضاغطة على الشيوعيين الوطنيين الذين رفضوا السياسات الانبطاحية التي اعتمدها الحزب الشيوعي بشقيه ((عمار بكداش وحنين نمر)) إضافة لانتهازية قدري جميل ، لم تكن النية إنشاء حزب يساري جديد، بل كانت الفكرة هي تحويل هيئة الشيوعيين السوريين – والتي كانت موجودة في سورية قبل الثورة – لحزب وعدم بقائها كهيئة، وعندما هاتفني الراحل أبو مطيع – وقد كنت واصلا لمصر حديثاً – عرض علي الفكرة، فقلت له أنا صحيح أنا يساري الفكر ولكنني غير شيوعي فكيف سأنضم لحزب يحتوي أسمه على كلمة شيوعية، هذا من ناحية، ولكن من ناحية أخرى وبسبب قناعتي بضرورة تأطير المجتمع السوري بأحزاب وطنية، قلت له بأنني بكل تأكيد مهتم بفكرة إقامة حزب يساري سوري، فقال لي أبو مطيع إذا ستكون معنا، ولنرى مناقشات تكوين الحزب إلى أين ستقودنا؟، وبالفعل بدأنا الاجتماعات الدؤوبة، وأخذت النقاشات منحى لتكوين حزب جديد، وتم الاتفاق على اسم حزب اليسار الديمقراطي السوري، ووضع النظام الداخلي الذي ذُكر فيه ،((بأن الحزب يسترشد في رسم سياسته التي يناضل من أجل تنفيذها في كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع بالنظرية الماركسية ومجمل التراث التقدمي العربي والعالمي. منطلقاً من ظروف بلادنا في تحديد الأهداف، وإخضاعها لهدفه الاستراتيجي وهو بناء نظام يحقق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية((.

في تلك اللحظة وقبل الإعلان عن إنشاء الحزب  اتصل معي الراحل أبو مطيع وقال لي حرفياُ (( أنظر رفيق … لقد تم الاتفاق على تسمية الحزب بحزب اليسار الديمقراطي السوري دون أي ذكر لأي كلمة شيوعي، مع العلم بأنني عشت طوال عمري شيوعياً وسأموت وأنزل إلى القبر وأنا شيوعياً، ولكنني ولأنني أعتبر سورية هي الأهم وهي الهدف المنشود الذي لا هدف يعلو فوقه، فعند التصويت سأوافق على الاسم المقترح للحزب)). وهذا ما أعتبره شخصياً أعلى مراتب الوطنية التي كان يتصف بها الراحل “منصور أتاسي”

وبالعودة لموضوع صفحات التواصل الإجتماعي التي غصت بنعي أبو مطيع والتي توحدت على فكرة خسارة الثورة السورية لشخصية وطنية ديمقراطية، وهذا لم يفاجئني لأنني أعرف قدر الرجل، ولكنها بالحقيقة أحزنتني لأنني فكرت بالسؤال التالي : إلى متى سيبقى الموت هو الموحد الوحيد للسوريين ؟! وكلنا يتذكر وحدة السوريين عند وفاة الشهيد  “عبد الباسط الساروت”، وهاهو الأمر يتكرر بوفاة الرفيق أبو مطيع ولكن بفارق جوهري أن الشهيد “عبد الباسط الساروت” ونظراً لكونه شاب سوري بسيط لا يحمل من فكر سياسي سوى أنه سوري وغيور على سوريته ،ولذلك فقد توحد كل السوريين على رثائه سواء من النخب أو من الشعب السوري البسيط الذي لا يحمل سوى وفائه لهذا الوطن و لشهيده “الساروت”، ولكن توحد السوريين في رثاء الرفيق “منصور أتاسي” يتميز بأن من رثاه ومن آلمه غيابه هم من حملة الفكر السياسي الديمقراطي الذين يؤمنون بأن سورية المستقبل يجب أن تكون دولة المواطنة والحرية دولة مدنية ديمقراطية تؤمن بالعدالة الاجتماعية، وليس مصادفة أن يكون ذلك شعار حزب اليسار الديمقراطي السوري. ومع ذلك وبعد هذا التوحد ما زال الكثير والكثير من السوريين الذين يؤمنون فعلاً بتلك الشعارات متفرقين لا يجمعهم كيان سياسي واحد، مع العلم بأن الحزب خلال وجود الرفيق “منصور أتاسي” كأمين عام كان همه الوحيد والذي كان يعبر عنه في كل اجتماع سواء للمكتب السياسي أو للجنة المركزية، وفي جميع بياناته وبلاغاته وأحاديث أمينه العام سواء العامة والخاصة بأن وحدة الديمقراطيين السوريين هي الخلاص الوحيد المتبقي أمام الشعب السوري لانتشاله من محنته. ولم يوفر حزب اليسار الديمقراطي السوري وعلى رأسه الرفيق أبو مطيع وأعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية جهداً للدعوة لهذه الوحدة، وبالحقيقة نجح الحزب في عقد اللقاء الديمقراطي الذي ضم بعض الجهات والشخصيات التي تجاوبت مع ذلك، ولكن عند قراءة هذا الكم الكبير من البلاغات وبرقيات التعزية التي وردت للحزب، سنجد بأنه ما زال هناك أفراد وتجمعات بعيدة عن فكرة توحد الديمقراطيين السوريين ضمن جبهة موحدة لمواجهة هذه الحالة المستعصية في سورية.

والآن وبما أن الموت قد غيب الرفيق “منصور أتاسي” وهذه سنة الكون ولكن حلمه وحلم كافة الوطنيين السوريين الشرفاء ما زال باقياً ولن يغيب لأن الوطن أكبر من الشخصيات مهما كبروا ولأن سورية هي الوطن الأم الذي لا يمكن أن يموت، ولأن حزب اليسار الديمقراطي السوري وكوادره الذين نهلوا من فكر الراحل أبو مطيع استطاع بفترة زمنية قياسية تجاوز الأزمة وعقد اجتماع لمكتبه السياسي وأختار أميناً عاماً جديداً للحزب، فإن الحزب ما زال بابه مشرعاً أمام كل الوطنيين الشرفاء المؤمنين بالديمقراطية السبيل الوحيد لنهضة سورية المستقبل، ويدعوهم للعمل الدؤوب لتحويل حلم الرفيق أبو مطيع وأحلام ملايين السوريين معه إلى حقيقة واقعة بتكوين جبهة ديمقراطية تكون رافعة وطنية لسورية في وجه من لا يريد الخير لها، ويبقى السؤال التالي دائماً مشروعاً:

((إذا كان الموت يوحدنا ، أليس المستقبل المشرق أولى بذلك؟))

 

  • Social Links:

Leave a Reply