10- الثورة المضادة.. جدار يقام على أنقاض تطلعات الشعوب للحرية

10- الثورة المضادة.. جدار يقام على أنقاض تطلعات الشعوب للحرية

ساسة بوست – محمد الدراوي

حالتي تونس ومصر

 

للوهلة الأولى، وعند ذكر كلمة «ثورة»، يتبادر للذهن أننا أمام حالة تنازع بين نظام قديم راسخ ومتصلب، وبين طرف يحاول الظهور بحمولة جديدة من التصورات والأفكار التي تدعو إلى التغيير وتؤسس لنظام جديد. فتعدد أشكال الثورات بين السلمية أو التي تبنت العنف لقلب الوضع، يدفعنا للتريث في الحكم على صوابية تلك الخطوة، وهل هي دعوة حق أم باطل؟

 

وعند التصنيف، نتحدث عن ثورة هدفها التغيير والتمرد على الوضع القائم، وأخرى مضادة تحاول جاهدة الحفاظ على نظام حكمها. وفي مطلق الحالات تكون الثورة المضادة، ثورة تنازع على باطل وليس حق.

 

في الحالة العربية، ومع ثورات الربيع العربي، لم يتخيل أحد أن تكون هناك حركة تعادي ما نادت به الجماهير الشعبية، غير التي قد يقوم بها مساندو النظام القائم. بل تبين أن هناك طرفًا خارجيًّا يحاول جاهدًا قلب الأمور والحفاظ عليها كما كانت سابقًا.

 

في كل حالات البلدان العربية، نستشهد بدولتين هما تونس ومصر، ونطرح الأسئلة الموالية: الثورة المضادة، لماذا سعت لتعادي الشعوب وما نادت به من شعارات الحرية والعدالة؟ لماذا ساندت الأنظمة المستبدة في تنازعها مع شعوبها؟ ولماذا تباينت نتائج التدخلات في كل من تونس ومصر؟

 

نجحت الثورة في تونس، بل بدأت الديمقراطية تعبر عن نفسها، ووجدت لها أنصارًا رغم الخلافات. وقبل الجميع في هذا البلد، أن يتدافعوا ويختلفوا، لكن وفق القواعد والضوابط التي تحسم الخلاف وتقبل بالأغلبية. ومن أبرز ما يمكن ذكره في حالة ثورة تونس، هو عدم مشاركة الجيش في السياسة خلال المرحلة الانتقالية ووقوفه على الحياد. ويعتبر هذا المؤشر وعوامل أخرى منها جاهزية النخبة التونسية لقيادة مرحلة الانتقال الديمقراطي بمسؤولية وبعيدًا عن الاستقطاب الأيديولوجي، من أبرز ما ميز الثورة التونسية.

 

تونس هي دولة السلم وتعدد الثقافات، وربما لم يترك الاستعمار الآثار التي تهدد التماسك الاجتماعي لشعبها وتقذفها في براثين الصراعات والتناقضات أو الظواهر الشاذة في المجتمع بالمقارنة مع بلدان أخرى استعمرت. كما أن الموقع الجغرافي لتونس غير المهم جيوستراتيجيا، لا يجعلها عرضة لأطماع وخطط القوى الإقليمية السياسية والاقتصادية. وباعتبارها لا تتوفر على موارد طبيعية كالنفط، سهل إلى حد ما من أن تعيش تونس شؤونها الداخلية، وتنشغل بها وليست عرضة للتشويش الخارجي.

 

ولهذا، في تونس كان دور العامل الخارجي في الثورة وعرقلة مرحلة الانتقال الديمقراطي، أقل وغير مهم مقارنة بحالتها في مصر، التي كان المشهد فيها مغايرًا وضبابيًا. كان السبب المباشر التدخل الخارجي، إذ انتهت ثورة 25 يناير في مصر إلى انقلاب، غيَّر الحكم من مدني إلى عسكري، وتم التنازع مع طرف يحاول تغيير المشهد، فطبعًا له مواقفه ومبرراته. فالثورة المضادة تعبر عن نفسها وتتصارع، لكن بأدوات أخرى ومفاهيم مغايرة لا يرفضها الجميع.

 

سعت الثورة في مصر لتنتصر لقيم العدالة والحرية وكرامة الإنسان، وكانت الثورة المضادة في المقابل تدفع للتنازع لتثبيت النظام القديم باستبداده وسلطويته، وطبعًا سيبدو هذا الموقف للوهلة الأولى غير صائب.

 

من المؤسف جدًا أن نشهد حالة تمرد على مساعي الشعوب العربية في الحرية والكرامة من قريب، بل أخ وجار، هي نفسها الدول العربية الشقيقة. والمؤسف أكثر، أن تجد أن الموارد المالية والجهد والإمكانيات التي تسخر لغرض عرقلة جهود الجماهير وطموحاتهم تهدر، وهناك من هم في أمس الحاجة لها.

 

في لحظة التفكير في الموضوع من زاوية الغاية أو الهدف يمكن القول وبكل يقين، أنه العبث والتفاهة في الأهداف والغايات وهو دعوة للفساد، وليس الإصلاح وتحقيق النفع للشعوب بما تمليه المسؤولية، فـ«كل راع مسؤول عن رعيته»، وبهذا المقتضى تتعاظم هذه المسؤولية، خاصة إذا كان السعي لتوظيفها في خراب البيوت.

 

حالتي تونس ومصر تباينتا في حجم التدخل الذي سعت له الثورة المضادة، وهذا راجع كما ذكرنا لعدة أسباب وعوامل خاصة، منها التي يرى فيها أنصار الطرف المعادي أن المصلحة تستدعي ذلك وبدون توجس الخيفة من الدمار الذي قد يحدث كما نشهد في حالتي اليمن وليبيا.

 

يسعون لأن يقيموا جدارًا عاليًا وصلبًا يكون سدًا منيعًا ويفقد الأمل لدى الشعوب العربية في المطالبة بالعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة، ويا لها من مواقف رضيها طرف الثورة المضادة لنفسه، إنها المهانة والمذلة.

 

الأمم العظيمة تسعى للقمم الشامخة، وهي في سعيها تتحلى بالأهداف النبيلة وتكرم الإنسان، وتجعل منه بالفعل خليفة في الأرض. ونحن لا نشهد من دول الثورة المضادة، غير أحقر وأهون الأهداف وسوء المسعى الذي يضرب الاعتبار للبعيد على القريب، أو يسعى مهرولًا لكسب مودة الكيان الصهيوني، ويدوس على كرامة أخيه ويخدم مخططات الغرباء، ويجعل لهم موطأ قدم في أوطاننا، حتى يدنسوا نفوسنا ويجعلوها عرضة للوهن والضعف والفناء.

 

فهل يبقى للخصام بدًّا في سبيل التدافع وردهم إلى طريق الصواب؟

  • Social Links:

Leave a Reply