(بطل القصة)

(بطل القصة)

عمران كيالي

بينما كنت جالسا في زاوية المقهى، أحتسي فنجان الإسبريسو، أراقب المارين في الشارع عبر البللور، فاجأني شاب في حدود العشرين عاما من عمره، بوقوفه أمامي مباشرة، بحيث أنه حجب عن عيني رؤية المارة، فقلت له : إذا ممكن (و أشرت بيدي اليسرى إلى اليسار، لأفهمه بأن يبتعد من أمامي) لكنه لم يتحرك . فسألته بانزعاج : من أنت ؟ ماذا تريد ؟ فأجابني : أنا محمود (ثم سكت و بقيت ملامح وجهه حيادية) تابعت أنا انزعاجي : محمود ! أنا لا أعرفك، ابتعد من أمامي …

كرر الشاب : أنا محمود بطل قصتك الأخيرة، هل نسيتني بهذه السرعة ؟…

تعجبت أولا،ثم هدأت و أرجعت ظهري إلى مسند الكرسي، و بدأت أتذكر : فعلا محمود هو بطل قصتي الأخيرة، لكنني نسيت إعطاءه ملامح محددة و صفات جسمية خاصة به، لذلك فأي شاب يستطيع أن يكون محمودي، كان علي أن أنتبه إلى هذه الثغرة، خصوصا أنه البطل …

قلت له : إذا افترضنا أنك بطل قصتي، فلماذا تغادر دفتري، و من سمح لك بذلك ؟ أجابني الشاب : لقد جئتك معترضا على ثلاثة أشياء …

رفعت حاجبي مستغربا و سألته بفضول جعلني أندمج معه في الحوار : قل لي ما هي هذه الأشياء الثلاثة ؟ نورني الله ينور عليك …

قال محمود : لقد أطلقت علي إسما لا يحمله إلا المسلمون، مما يجعلني أخسر أصدقاء لي من الديانات الأخرى …

قلت له : في هذه الحق معك، و سوف أغير إسمك إلى فادي، بعد عودتي إلى المنزل مباشرة، هات أسمعني الاعتراض الثاني …

قال محمود : ثانيا أدخلتني بعد الثانوية إلي كلية طب الأسنان و أنا كنت أرغب بدراسة الميكانيك …

قلت له مبتسما : هذا الأمر أيضا من السهل تصحيحه، و الحمد لله أنك جئت باعتراضك قبل أن أبدأ بالتنضيد، أعطني الآن إعتراضك الثالث …

قال محمود : ثالثا …

(سكت قليلا و أطرق رأسه مثبتا نظره على أرض المقهى، ثم تابع) بدرية (سكت أيضا) …

سألته بفضول أشد : ما بالها بدرية ؟ فقال : بدرية، أنا أعتبرها مثل أختي، و لم أفكر فيها في يوم من الأيام كحبيبة، لكنك جعلتها في القصة فتاة أحلامي …

هنا، لم أتمالك نفسي، و بدأت أضحك من كل قلبي، و بصوت مسموع، جعل كل الزبائن في المقهى يلتفتون إلي، و منهم المحامي بشار ملاذي و أستاذ الفلسفة محمد طاهر، حتى نمر جاء إلي مع صينية الفناجين و سألني : خيرا عمران ! التفت إلى نمر، ثم نظرت باتجاه الشارع عبر الزجاج، فلم أجد أحدا أمامي، لقد اختفى محمود …

عدت إلى نمر و قلت له : لا شئ لا شئ، كنت أتذكر حكاية مضحكة جرت معي …

ابتسم نمر و تابع عمله، و تابع الزبائن نميمتهم و أحاديثهم عن الآخرين …

عدت إلى وحدتي و سألت نفسي : لم نعد نتفاهم مع الشخصيات التي نبتكرها، فكيف سنستطيع التفاهم مع أولادنا و الجيل الجديد ؟…

 

حلب 17-4-2017

  • Social Links:

Leave a Reply