العلاقة بين التحرش والكبت الجنسي

العلاقة بين التحرش والكبت الجنسي

.أحمد خيري العمري

الدراسات والاستطلاعات العالمية عن التحرش تنفي وجود علاقة بين  فعل التحرش والكبت الجنسي و/ أو ما ترتديه الفتاة المستهدفة بالتحرش.

للأسف الحديث المستمر عن هذين الأمرين باعتبارهما ضمن الدوافع الأساسية للتحرش يشتت الانتباه عن الجذور الأصلية للمشكلةـ الأعمق بكثير من أن تكون ( شرقية، في مجتمعات مسلمة تعاني من الكبت..إلخ).

دراسات عديدة ( المصادر في التعليقات) من دول متباينة في الخلفية الثقافية والاجتماعية والسياسية تشير إلى أن الظاهرة منتشرة في كل المجتمعات بمعزل عن مستوى الحرية الجنسية فيها، التفاوت الموجود في انتشار الظاهرة يبدو مرتبطا بظروف اقتصادية وسياسية ( كلما تدهور الاقتصاد وضعفت الدولة زادت الظاهرة)، لكن الأمر في النهاية موجود في كل المجتمعات ، حتى في دول الرخاء الاقتصادي وقوة القانون.

والحديث هنا عن التحرش اللفظي بشكل عام سواء كان  ” بونسوار يا مدموزيل” كما في أيام التحرش الوسطي الجميل أو الألفاظ النابية  أو مجرد إصدار أصوات ذات دلالات معينة.

يبدو الأمر مرتبطا أولا بمفاهيم يـأخذها الذكور من محيطهم الاجتماعي ( والذي قد يكون من مراهقين أكبر سنا منهم ) من أن التحرش يعبر عن البلوغ والوصول إلى سن الرجولة. ما دامت تلك الفتاة قد أثارتك فهذا يعني أنك قد ” بلغت”. مبروك. وهذا يخلق ضغطا اجتماعيا يجعل من ” غير المتحرش” شخصا مختلفا. الذكر الذي لا يتحرش ضمن مجموعة أقرانه يمكن أن يصنف بينهم عدة تصنيفات تتراوح بين الفشل، وقد تصل إلى الشذوذ. لذا قد يجد نفسه مضطرا إلى المسايرة والتحرش فقط لإزالة الوصمة عن نفسه ( والحديث هنا لا يزال عن مراهقين يدخلون عالما جديدا عليهم بكل ما في ذلك من ارتباك وحيرة).

مع الوقت ينتقل الأمر إلى العادة، إلى سلوك ينفس به المتحرش عن مشاكله وإحباطاته، بالضبط يصبح الأمر مثل ( إظهار علني للقوة وللثقة بالنفس)، بالطبع الأمر غالبا مجرد تظاهر وتمثيل، تعويض عن ضعف عبر لعب دور الصياد الماهر في الشارع.

هذا الموقف ” المتصيد” من الذكور يواجهه موقف ( flight or fight  response ) أو استجابة الكر والفر- من الإناث، وهو رد فعل طبيعي في ظرف الشعور بالخطر، وبالمقابل هذا يشعر ( الصياد) بأنه يقوم بدوره على أكمل وجه، وهكذا ندخل في دوامة التكرار – صياد وضحية.

 

ما الحل إذن؟ التربية؟ الأخلاق؟ مهمة حتما. لكن فرص ردعها للظاهرة ضئيلة على مستوى قريب. القانون وتطبيقه الفعلي هو الرادع الحقيقي الذي يسهل ويكرس لاحقا  دور التربية والأخلاق. اي حديث عن عن أخلاق رادعة دون قانون رادع  يبدو لي مبالفة في حسن الظن بالبشر.

ماذا عن الدين؟

الملتزمون دينيا – عموما – لا يتحرشون، لكنهم بإصرارهم على الحديث عن ” ملابس الفتاة” يعطون مبررا  للمتحرش ربما دون أن يشعروا، وحتى لو ذكروا ذلك بعد أن قالوا أنه على خطأ، كونها مخطئة ولكن أقل يعطي المتحرش تبريرا نفسيا.

بعبارة أخرى :  الحديث عن التحرش يجب أن لا يتحول إلى فرصة  للوعظ عن الملابس والحجاب والحشمة ووو، لأن التحرش يحدث للجميع في نهاية الأمر.

 

* توضيح : عدم وجود علاقة سببية مباشرة بين التحرش ولبس الفتاة  يعني ان هناك حالات كثيرة جدا لفتيات محتشمات ولكنهن يتعرضن للتحرش..

هل هن عرضة اقل للتحرش؟ هذا نسبي جدا ويختلف من مجتمع لآخر لكنه يعني ان الحشمة نفسها لا تمنع من يريد التحرش.

  • Social Links:

Leave a Reply