تطوّر العمل الإعلامي خلال الثورة السورية بين العشوائية والاحترافيّة (2011-2020) …

تطوّر العمل الإعلامي خلال الثورة السورية بين العشوائية والاحترافيّة (2011-2020) …

بقلم ليث الزعبي

مع بداية الثورة السورية برزت شبكة شام وشبكة أوغاريت وصفحة الثورة السورية (سمّيت لاحقاً شبكة الثورة السورية) كاستجابة ملحّة للحظر الذي فرضه النظام السوري على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ; ل منعها من تغطية الاحتجاجات التي اندلعت في 18 آذار بدرعا جنوب سوريا.

وكان لهذه الشبكات مراسلون جميعهم متطوعون على الأرض ومعظمهم من فئة الشباب الذي أتقن استعمال وسائل تجعله يتجاوز وسائل الرقابة الإلكترونية كبرامج الـ Proxy والـ VPN، وعمل قسم من المراسلين على توثيق المظاهرات بالوسائل البسيطة المتاحة كخطوط الانترنت الأرضيّة أو وسائل غير تقليدية كأجهزة الثريا وخطوط الاتصال الأردنية.

قسّم النشطاء العمل بينهم لمصوّر ورافع للفيديوهات وناقل للأخبار ومتصل مع وسائل الإعلام العربيّة والأجنبية واقتصر عمل آخرين على إعادة رفع مقاطع الفيديو مع وضع شعار (Logo)خاص بهم على كل فيديو سواء كان من تصويرهم أو من تصوير نشطاء آخرين، شعار يحوي غالباً اسم الحي أو المدينة أو المنطقة التي ينقلون أحداثها.

تعامل النظام السوري بسياسة أمنيّة “تقليدية” مع المحتجين والنشطاء تمثلت بقطع خدمة الانترنت وبمنع المتظاهرين من الوصول للساحات الرئيسية في المدن عبر احتلالها بقوات عسكريّة، ووضع “عيون” من رجال الأمن ليراقبوا كل من يوثّق بكاميراته الأحداث ومن يقود المظاهرات كأولويّة، وقام النظام أيضاً بتقطيع الطرق الواصلة بين الأحياء عبر نشر حواجز لأفرع أمنيّة متعددة.

ومن هنا بدأ الناشطون بتصوير المظاهرات ونقل أخبار الأحياء التي يسكنون بها فقط، وانطلقت تنسيقيات ولجان إعلاميّة تجمّع فيها ناشطون من الشباب اليافعين “كملثّمين” من أصحاب الولاء الشديد لمبادئ الثورة، فظهرت تنسيقية حمص تنسيقية دوما كإطار لعمل نشطاء المدن والأرياف وتنسيقية حي الخالدية وتنسيقية درعا المحطة كتجمع لنشطاء الأحياء والمناطق، وصارت هذه التنسيقيات والشبكات مصدراً رئيساً ووحيداً لوسائل الإعلام العربية والعالميّة.

وعلى الرغم من الضغط الأمني الكبير المتمثل بالاعتقالات والتصفيات التي اتبعتها أجهزة النظام السوري، إلا أن النشطاء تمكّنوا من تحضير اجتماعات سريّة للغاية “لتوحيد” جهود عملهم، فاجتمع إعلاميو محافظة درعا مثلاً للمرّة الأولى في الربع الأول من عام 2012 بغرض إنشاء لجنة إعلاميّة مشتركة أو مكتب إعلاميّ يضمّ كل الأحياء.

تبرّع مؤيدون للثورة من المغتربين والنشطاء من حرّ مالهم لشراء معدّات حديثة (لابتوبات وكاميرات ذات دقة عالية وكاميرات مخفية)، وحصل كل ناشط على الحد الأدنى لاحتياجاته، وسرعان ما دبّت الخلافات بين النشطاء على اقتسام المعدّات وما تيسّر من أموال الداعمين.

وبعد تطوّر الأحداث وعسكرة الثورة، اقتصر عمل الناشطين في البداية على تصوير بيانات انشقاق الضباط وتشكيل السرايا والكتائب والألوية العسكرية، ثم عملوا على إنشاء مكتب إعلامي لكل فصيل مع تزايد وتيرة المعارك.

تطوّر عمل الناشطين بسرعة لتنشأ اتحادات على مستوى سوريا، كلجان التنسيق المحليّة والهيئة العامة للثورة السورية، وهما جهتان انخرطتا بالعمل السياسي في تشكيلات المعارضة السياسيّة المختلفة، وأقاموا دورات تدريبية لإعلاميين من الداخل في دول مجاورة لسوريا كتركيا والأردن.

توزّع النشطاء إلى 4 مجالات عمل أساسيّة، نشطاء “مدنيّون” يغطّون الاحتجاجات والقصف والمجازر، ونشطاء “عسكريّون” يغطّون المعارك وتشكيل الألوية والكتائب، ونشطاء “إغاثيون” يغطّون ما يتم توزيعه من مساعدات إنسانيّة (إرضاءً لفضول الداعمين), ونشطاء “ناقدون” يوجّهون سهامهم لتصحيح المسار الثوري (وتعرّض كثير منهم للتهديد)

تدخّلت وسائل الإعلام بمرحلة متأخرة من العام 2012, واقتصر عملها في البداية على إرسال مراسل أو مكتب ليغطّي معركة أو حصاراً أو بضع مظاهرات هنا وهناك، فأرسلت قناة العربية مثلاً المراسلة ريما مكتبي إلى جنوب سوريا لتغطّي بضع أحداث، وكان النشطاء يستضيفون مراسلي القنوات أملاً ببث ما يتيسر مما وثّقوه، وطمعاً بتحسين موقعهم أي الانتقال من مجرد شهود عيان ونشطاء إلى مراسلين احترافيين.

ولكن تصاعد وتيرة قتل المراسلين الأجانب من قبل قوّات النظام السوري أو اختطافهم واحتجازهم من قبل فصائل إسلاميّة دفع الشبكات الإعلامية العالميّة والعربيّة إلى تبنّي سياسة لا نظير لها تعتمد على المراسلين المتعاونين من السوريين، فهم أوفر على ميزانيات القنوات التلفزيونية وأعلم ببلدهم وتتوفر لديهم خبرة ليست بقليلة.

ولكن الانتقال من الإعلام الاجتماعي والمواقع بدائيّة التصميم إلى الصحف الرصينة والوسائل التلفزيونيّة العريقة لم يكن بالأمر الهيّن على المراسلين، فاصطدموا بسياسات تحريريّة تمنع عرض هذا الفيديو أو تمنع نشر هذه المقالة، وهو أمر لم يعتادوا عليه فوسائل “الإعلام الثوري” منحتهم استقلالية وحريّة لم ولن يجدوها في غيرها.

تدخّل لاحقاً رجال أعمال معارضين ودول “صديقة” للثورة السورية خصوصاً بعد العام 2015 لإنشاء قنوات تحتوي ما أمكن احتواءه من الناشطين، ومن رفض الانضمام من المستقلين تكتّلوا بمكاتب إعلاميّة فانتقلت مثلاً محافظة درعا مثلا من عشرات التنسيقيات والمكاتب الإعلاميّة إلى 3 شبكات رئيسة و4 مكاتب لوسائل إعلاميّة أساسيّة.

ختاماً مثّلت التجربة الإعلاميّة الثوريّة السوريّة حالة فريدة في الحقل الصحفي أدّت إلى تطوّر في وسائل الحماية ولظهور أنواع جديدة من المراسلين، وصارت سوريا “مقبرة” للصحفيين، وهي حالة بالطبع تحتاج للنظر فيها والتحليل مئات المرات.

  • Social Links:

Leave a Reply