الانتخابات البرلمانية في سورية بلا قيمة ولا تأثير

الانتخابات البرلمانية في سورية بلا قيمة ولا تأثير

أحمد الحسين – رسالة بوست

الجميع يعلم أن القضية السورية خرجت من النطاق المحلي، وأصبحت محور اهتمام دولي وإقليمي، وذلك بعد تدخّل أطراف دولية عدة في الصراع القائم في سورية، لا يزال نظام الأسد يصرّ على إجراء انتخابات برلمانية لمجلس الشعب، في دورة ثالثة، وفق الدستور الذي وضعه رئيس نظام أسد عام 2012، في تحدٍ جديد لقرارات مجلس الأمن الدولي، خصوصاً بيان جنيف 1، والقرار الدولي 2254، التي تدعو إلى حل سياسي تنهض به هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات من النظام والمعارضة، تضع دستوراً جديداً تجرى على أساسه انتخابات يمكن أن تخرج البلاد من الأزمة التي تعيشها في ظل وجود هرم السلطة المتمثل ببشار الأسد.

وتم إجراء انتخابات المجلس في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام اليوم الأحد، بعد تأجيلها بسبب تفشي فيروس كورونا. علماً أن السوريين لطالما تعاملوا بـ”سخرية مرّة مع مجلس الشعب وانتخاباته”، وفق مصدر محلي في دمشق، أشار إلى أن “الشارع السوري، سواء كان مؤيداً أو معارضاً، متفق على أن هذا المجلس لا يملك من أمره شيئاً في دولة تحكم بالأجهزة الأمنية التي تمارس القمع ضد الشعب  وكالة “سانا” التابعة للنظام نقلت عن “اللجنة القضائية العليا للانتخابات” أن “عدد المرشحين لانتخابات مجلس الشعب في دورته التشريعية الثالثة بلغ 2100 مرشحاً في كل المحافظات” لـ250 مقعداً. ولفتت إلى أن مجموع عدد المراكز الانتخابية في كل المحافظات بلغ 7313 مركزاً، مبينة أنه تم فتح مراكز لمواطني محافظتي الرقة، وإدلب (الخارجتين عن سيطرة النظام) في أماكن تجمّع أهالي المحافظتين خارج نطاق المنطقتين في بعض المحافظات الأخرى لتسهيل عملية الانتخاب من دون أن ينتقلوا إلى محافظاتهم، بينما لن تشهد منطقة شرقي نهر الفرات الخاضعة أغلبها لسيطرة (قسد) إجراء الانتخابات، باستثناء بعض القرى في مدينتي الحسكة، والقامشلي التي تسيطر عليها قوات النظام.

ويبلغ عدد أعضاء مجلس الشعب 250 عضواً عن كل المحافظات السورية، يتوزعون ما بين قطاع “العمال والفلاحين”، وقطاع “باقي فئات الشعب”، وفق التوصيف المعتمد من النظام السوري، وبيّنت مصادر مطلعة أن عدداً من متزعمي مليشيات “الشبيحة” الموالية للنظام مرشحون في الانتخابات، مشيرة إلى أنه “من المؤكد فوزهم؛ لأن النظام يريدهم في المجلس”، أبرزهم براء قاطرجي الذي كان من كبار المهربين في سورية إبان سيطرة تنظيم “داعش” على نصف مساحة البلاد، قبل أن يتحول إلى واحد من أهم حيتان المال في البلاد.

وذكرت مصادر أن الحزب “السوري القومي الاجتماعي”، الذي تربطه علاقات وثيقة مع  مخلوف، دفع عدداً كبيراً من أعضائه للترشح كـ”مستقلين” بيد أنه كان لهذا الحزب ستة مقاعد في الدورة المنتهية.

وكان اللافت سحب رجل الأعمال الدمشقي المعروف محمد حمشو ترشيحه قبيل الانتخابات بيومين، في خطوة تشير إلى رغبة النظام دفع أسماء جديدة إلى الواجهة السياسية، وكان حزب “البعث” قد أجرى ما أسماه بـ”الاستئناس” في فروعه في المحافظات لترشيح أسماء إلى الانتخابات في دورتها الثالثة بعد تغيير الدستور، والتي من المتوقع أن تكون نسخة طبق الأصل عن الدورة السابقة. من جهته، قلل الائتلاف الوطني السوري المعارض من أهمية هذه الانتخابات، مؤكداً، في بيان، أن “أي انتخابات تجرى في مناطق سيطرة النظام هي انتخابات لا شرعية، لأنها تصدر عن نظام إرهابي فاقد تماماً لأي شرعية أو مصداقية”. وأشار إلى أن هذه الانتخابات “لا تحمل أي قيمة مؤسساتية على الإطلاق، ولا يمكن النظر إليها بأي قدر من الجدية”، مضيفاً: “العملية الانتخابية الشرعية الوحيدة المنتظرة في سورية هي تلك التي نصّ عليها قرار مجلس الأمن 2254، والقائمة على نتائج العملية السياسية، وصولاً لهيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات تشرف على عملية انتخابية نزيهة وشفافة لاختيار برلمان ورئيس يمثل الشعب السوري، وبمشاركة كل السوريين، وبإشراف مؤسسات أممية تضمن عملية انتخابية شفافة ونزيهة.

بنظرة شاملة عن التاريخ السياسي  لسورية، تظهر أن البلاد عاشت حراكاً برلمانياً ، إذ ظهر المؤتمر السوري الأول عام 1919 مع بداية الحكم الملكي في سورية بعد سقوط الدولة العثمانية وخروج الأتراك، ومع دخول الفرنسيين إلى سورية عام 1920 حُل المؤتمر السوري من قبل قوة الاحتلال الجديدة، فدخلت البلاد فراغاً سياسياً حتى 1928، حين شهدت انتخابات لـ”مجلس تأسيسي” وضع أول دستور للبلاد. وشهد عقد الثلاثينيات  عدة انتخابات لتشكيل مجلس نيابي، لكن فرنسا عطّلت أكثر من مرة نتائج هذه الانتخابات، في وقت كانت سورية تشهد حراكاً سياسياً لتحقيق الاستقلال، وهو ما تحقق في عام 1946.

وجرت انتخابات في 1947، وشُكل مجلس نيابي لم يطل عمره، إذ وقع في 1949 أول انقلاب عسكري في سورية. وشهد عقد الخمسينيات عدة انتخابات، منها تلك التي تلت نهاية حكم الرئيس أديب الشيشكلي، والتي نتج عنها مجلس أقر الوحدة مع مصر عام 1958، التي انتهت في 1961، وجرت في نهاية ذاك العام انتخابات نيابية. لكن انقلاب عام 1963 من قبل حزب “البعث” أنهى الحياة السياسية في سورية بشكل كامل. واعتمد الأسد الأب أسلوب تعيين أعضاء مجلس الشعب من حزب “البعث” الحاكم وأحزاب ما تُسمّى بـ”الجبهة الوطنية”، مع إدخال بعض المحسوبة على المستلقين المقربين من “البعث”، وفي عقد التسعينيات سمح الأسد الأب بانتخابات للمستقلين، ما سمح بدخول بعض الأسماء المعارضة للنظام، لعل أبرزها رياض سيف والذي انتهى إلى الاعتقال في سجون الأسد.

عام 2000 ومع وفاة حافظ الأسد، كان الدستور الذي وضعه الأسد الأب يشترط بلوغ المرشح لرئاسة البلاد الأربعين عاماً، في حين كان بشار الأسد في حينه في الخامسة والثلاثين من عمره، وفي خطوة لا تزال تثير سخرية السوريين، اجتمع مجلس الشعب على عجل، واتخذ  قراراً بإجماع أعضائه بتخفيض سن الرئيس إلى 34 عاماً ليحق ترشيح بشار الأسد إلى ما يسمّى بـ”الاستفتاء” الذي جاء به رئيساً حافظ على إرث أبيه في تجفيف كل منابع السياسة في البلاد.

ومع انطلاق ثورات الربيع العربي وانطلاق الثورة السورية عام 2011، والتي كان أبرز مطالبها تعديل الدستور، والمادة الثامنة التي تنص على أن حزب “البعث” قائد للدولة والمجتمع، حاول الأسد المناورة من خلال وضع دستور جديد لا يتضمن هذه المادة. لكن المجازر التي ارتكبها النظام بحق المتظاهرين السلميين كانت كفيلة بهدم كل جسور الثقة بين الشعب السوري والنظام ومؤسساته.

  • Social Links:

Leave a Reply