لماذا يحترق الساحل؟

لماذا يحترق الساحل؟

Ahmad Nazir Atassi

هناك عشرات الحرائق المتزامنة. وهناك حرائق في تركيا ولبنان واسرائيل. وهناك حرائق في كاليفورنيا ذات المناخ المتوسطي. وكانت هناك حرائق في اوستراليا. وقد كانت هناك حرائق السنة الماضية في الجزيرة وادلب وحمص.

متوسط درجات الحرارة العالمية ارتفع. هناك مناخ متطرف ينوس بين الامطار الغزيرة والجفاف. الشناء الماضي هطلت امطار عزيزة واليوم الاعشاب والاحراج نمت بشكل  متطرف وهي يابسة وجاهزة للاحتراق. لا يوجد من يزيل الاعشاب بسبب انخفاض عدد السكان وفقدان القوة العاملة والرساميل. ولا يوجد من يطفئ النيران لنفس السبب. الدولة التي ادعت الانتصار بعد ان طردت نصف الشعب ودمرت نصف البلد وقضت على القوة العاملة لم تعد دولة تستطيع تقديم خدمات اساسية.

انها مجرد عصابة امراء حرب يبحثون عن موارد كما كانوا يفعلون ايام الحرب. في تلك الايام كانت المساعدات الدولية واموال الاغاثة والتعاطف واموال التعفيش هي التي ابقت الحرب مشتعلة. الذي كان يرسل امواله لفصيله المفضل كان يؤثر في مجرى الاحداث مثل تأثير المساعدات الايرانية. صحيح ان الطرف المستفيد مختلف لكن النتيجة واحدة وهي استمرار الحرب. المجتمع الدولي اعطى مساعداته الانسانية لجمعية البستان والمغتربون السوريون اعطوا مساعداتهم للمهجرين والفصائل وايران اعطت مساعداتها للنظام والميليشيات. الجميع شارك في ازكاء نار الحرب. لا بل كانت الاموال تنتقل بين عدة ايدي من اطراف مختلفة، فأموال الاغاثة مثلا كانت تذهب الى الفصائل والشبيحة على الحواجز دون  تمييز ولا يصل منها الى المحاصرين الا القليل. هذه هي ما سماها احد الاصدقاء مصيبا بمنظومة اقتصاد الحرب.

زالت مناطق الحصار وتوقفت المعارك وانفصلت القوات. من اراد القتال من المعارضة اصبح جنديا عند تركيا او حتى روسيا ومن اراد القتال من الموالاة اصبح جنديا في المليشيات او في المخابرات. البقية كان عليهم البحث عن مصدر جديد للرزق.

في مناطق النظام اعتقد النظام وامراء حربه بأنهم قادرون على الاستفادة من سوريا المتقلصة التي انتجوها بالتدمير والتهجير. حاولوا اعادة تنظيم الدولة، وحاولوا وضع اليد على المناطق المدمرة، وحاولوا فتح الاستيراد والتصدير واعادة الانعاش. لكن كان هذا مستحيلا في ضوء عاملين الاول هو ان لا احد سيستثمر في بلد ليس فيها بنية تحتية او امان، وثانيا لان الغرب ضرب طوقا من العقوبات الاقتصادية جعلت اي استثمار في سوريا مستحيلا حتى ولو كان راسمال مغامر. حتى ايران وروسيا توقفتا عن الدعم لان سوريا ثقب اسود لا يعود بأية ارباح بل يمتص ويمتص كل ما تضع فيه. طبعا الامريكان لعبوا دور المعطل للجميع بان وضعوا ايديهم على النفط والغاز ومنعوا الجميع من الاستفادة منها.

لكن امراء الحرب وشبكة النظام تحتاج الى اموال، فمن اي ستأتي بالاموال؟ في ايام السلم كان هؤلا عالة على الدولة والاقتصاد يسرقون عقود الدولة وينهبون القطاع الخاص بالخوة والموافقات الامنية. النظام وعصابته ليسوا رجال اعمال، وليسوا معتادين على الاستثمار والربح بالقيمة المضافة. وحين يتعرضون للضغوط فانهم يتصرفون كأية عصابة، انهم سيبحثون عن موارد رزق في الاماكن التي يعرفونها مثل التهريب والتعفيش والخطف والحواجز والمخدرات والبترول الاسود.

اذن حصلت تغييرات جذرية وبنيوية: العصابة تقلصت، اكل بعضها البعض، فقدت مركزيتها، فقدت الدولة التي كانت تنتج الريع، وفقدت الاقتصاد الخاص الذي كانت تتطفل عليه. لكن لا يزال عندها إلتزامات تجاه جنودها ومؤيديها وشبكتها الهائلة من الصغار والمتوسطين. فأين تتجه؟ انها ستتجه نحو اللامركزية ونحو التنافس ونحو التلاعب على العقوبات ونحو الجريمة المنظمة. كل واحد سيبحث عن موارده وسيطعم جماعته. في هذا الحالة ستكون هناك عمليات ترشيق هائلة. يجب ان تتخلص المنظومة من حمولاتها الزائدة ويجب ان تخلق فرصها بنفسها ويجب ان تتنافس مع بعضها البعض. فماذا يعني هذا التحول؟

اولا- كل من جمع مصاري بأيام الحرب سيكون عرضة للتوقيف والاستيلاء على املاكه

ثانيا- ستتغير الولاءات وكل من لا يلعب اللعبة الصحيحة سيتم التخلص منه.

ثالثا- كل جماعة تبحث عن داعم خارجي يضمن بقاءها في المعركة الاخيرة.

رابعا-الاستثمارات المحلية خارج الدولة احسن من الاستثمارات ضمن الدولة لان الدولة خاضعة للعقوبات.

خامسا- الدولة المركزية لم تعد موجودة ولا تستطيع فرض رغبتها على احد، وكل مين ايده إله.

سادسا-السكان الذي لا يستجيبون للمغامرات الجديدة يجب التخلص منهم.

سابعا- يجب خلق فرص جديدة لا تخضع للعقوبات او يمكن ان تغذي التهريب والجريمة المنظمة.

كيف يمكن ترجمة هذه الخطوط العريضة في الساحل؟

الساحل خزان جنود النظام. واقتصاده يعتمد اما على العمل في اجهزة الدولة او في المليشيات او في زراعة التبغ او الزيتون او العمل في المرافئ.

المرافئ تسيطر عليها روسيا وحاولت ايران التسلط على مرفأ اللاذقية وانا متأكد ان هناك مرافئ غير شرعية كثيرة.

المرافئ تعمل على الاستيراد والتصدير وهذا متوقف بسبب العقوبات. الزيتون هي زراعة اكتفاء ذاتي. التبغ تسيطر عليه الدولة من خلال الريجي التي كانت اداة لتوزيع المصاري على المزارعين العلويين للابقاء عليهم في خدمة الدولة واجهزتها الامنية.

الزيتون ليس زراعة نقدية الا اذا تركزت ملكية الاراضي في ايدي قليلة. وهي تحتاج الى جهد واستثمار وانتظار. الافضل اذن التخلص من الزيتون ومن ملكياته الصغيرة وعقلية الاكتفاء الذاتي المرتبطة به. ماذا يمكن الحلول محل الزيتون في المناخ الساحلي؟ العنب، التبغ، الحشيش. يمكن الابقاء على الملكيات الصغيرة لكن يجب توجيهها بالكامل نحو هذه المحاصيل. كما يجب فصل الدولة عن المحاصيل. ولذلك فانه بالتوازي مع حرق الزيتون تم حرق ابنية الريجي في اللاذقية. واما حرق الاحراج فانه من باب استصلاح اراضي الدولة الحراجية من اجل استخدامها في زراعة هذه المحاصيل. الدولة ستتغاضى كما تغاضت عن كل المخالفات اثناء الحرب. ان عقلية المخالفات التي تحميها المخابرات والمليشيات هي نفسها التي تحتاج الى اراضي واسعة من اجل استثماراتها الجديدة. ومن ينزح عن ارضه فانه حمولة وتم تخفيفها. المنطقة فيها الكثير من السكان ويجب تخفيف كثافتهم.

لذلك سواءا كانت الحرائق طبيعية ام مفتعلة فالمؤدى واحد.

وهذا في النهاية جيد لانه سيجذب جنود النظام إلى مناطقهم والى اعمال القطاع الخاص مما سيخفف الضغط على الحكومة المركزية في دمشق. ان ما نراه. اليوم هو عملية انشاء كانتونات اقتصادية قادرة على البقاء لوحدها. واعتقد ان هذا جيد على المدى البعيد.

  • Social Links:

Leave a Reply