قضية ريجيني: إيطاليا تلوح بقرار اتهام ومصر تعد بإجابات

قضية ريجيني: إيطاليا تلوح بقرار اتهام ومصر تعد بإجابات

العربي الجديد

قالت مصادر قضائية ودبلوماسية مصرية، لـ”العربي الجديد”، إن الاجتماع الذي عقده النائب العام المصري حمادة الصاوي وفريق من النيابة العامة المصرية مع فريق من الادعاء العام بروما في القاهرة، مساء أمس الأول، في إطار التعاون المتعثر بين الجانبين في تحقيقات قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة مطلع 2016، قد انتهى من دون تحقيق أي نتيجة تذكر.
وجدد الفريق الإيطالي مطالبته بالحصول على معلومات عديدة غابت عن الملفات التي حصل عليها من مصر، أبرزها هوية الضباط الخمسة المشتبه، منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، بضلوعهم في خطف ريجيني وقتله. وكذلك الضباط الثلاثة الآخرين، الذين كشفت “العربي الجديد” الأسبوع الماضي مطالبة روما بالتعرف عليهم، لوجود شبهات حول تتبّعهم ريجيني وتحريض الأمن الوطني والمخابرات العامة عليه، قبل عدة أشهر من مقتله.

ويرجح الإيطاليون أن يكون الضباط الثلاثة الجدد، شركاء في مرحلة معينة من الأحداث للرائد بالأمن الوطني المشتبه به الأول مجدي شريف، الذي سبق أن نشر ادعاء روما اسماً رباعياً تقريبياً له هو “مجدي إبراهيم عبدالعال شريف”. وكان ضابط أفريقي سابق أبلغ أنه سمع منه حديثاً عفوياً، أثناء تدريب للضباط الأفارقة في كينيا عام 2017، اعترف فيه بتورطه في قتل ريجيني، أو “الشاب الإيطالي” كما وصفه، إلى حد القول بأنه “لكمه عدة مرات” بسبب “الاشتباه في كونه جاسوساً بريطانياً”. ومن الأربعة الآخرين المشتبه فيهم كل من اللواء طارق صابر، والذي كان خلال الواقعة يعمل مدير قطاع في جهاز الأمن الوطني، وهو الذي أصدر تعليماته بمتابعة ريجيني، بناء على تقرير رفع إليه من أحد مساعديه عن أنشطته البحثية وتواصله مع نقيب الباعة الجائلين، بمناسبة بحثه عن النقابات المستقلة في مصر. وكذلك العقيد آسر كمال، والذي كان يعمل رئيساً لمباحث المرافق في العاصمة، وتوجد دلائل على أنه هو الذي أشرف على رسم خطة تعقّب ريجيني في إطار التنسيق بين الأمن الوطني والأمن العام. وقد تمّ نقله بعد الحادث بأشهر عدة للعمل في محافظة أخرى.

وبعيداً عن البيان المصري الرسمي الذي نفى وجود خلافات، وأكد أن القاهرة ليس لديها ما تخفيه، أوضحت المصادر أن الفريق المصري، الذي اجتمع بنظيره الإيطالي عقب استقبال النائب العام للزوار، اكتفى بتلقي الأسئلة والاستفسارات الإيطالية من دون كشف أي معلومات، سواء كانت مهمة أو ضئيلة حول الواقعة. ووعد أعضاؤه بتوفير إجابات للإيطاليين لتقديمها في اجتماع آخر مقرر عقده في روما خلال شهر من الآن، مع احتمالية عقده عن بُعد، في حال استجدت قيود جديدة على السفر بسبب جائحة كورونا.

وكشفت المصادر أن الوفد الإيطالي تحدث خلال الاجتماع ضمنياً عن احتمال اضطراره إلى إصدار قرار بغلق القضية مؤقتاً، بتوجيه اتهامات للشخصيات المصرية التي تم التوصل إليها في التحقيقات، ورفع أسمائها إلى الإنتربول، إذا لم تُبدِ السلطات المصرية تعاوناً في الكشف عن التفاصيل الحقيقية للحادث، بعيداً عن سيناريوهات التدليس والتلاعب التي حاولت الترويج لها سابقاً، وبعيداً أيضاً عن أي ادعاءات بتورط ريجيني في أنشطة تجسس أو تخابر.

وذكرت المصادر أن هذا الأمر كان من الحلول التي بحثتها نيابة روما، بعد البداية المتعثرة لمرحلة التعاون القضائي الجديدة بين البلدين في عهد النائب العام الحالي حمادة الصاوي، بإصدار تقرير بما انتهت إليه التحقيقات السابقة على مدار أربع سنوات ونصف السنة، وتوجيه الاتهام لأجهزة الأمن المصري بشكل عام بارتكاب جريمة تعذيب ضد الإنسانية. وجاء ذلك في إطار محاولة لإخضاع الحالة المصرية مع ريجيني للقوانين الإيطالية التي تنص على حظر توريد الأسلحة، وكذلك وقف العلاقات التجارية مع الدول التي تتحمل حكوماتها مسؤولية مخالفات جسيمة للاتفاقيات الدولية المنظمة لحقوق الإنسان.

يأتي هذا بعد خطوات اتخذتها بعض القيادات الحزبية اليسارية للتنسيق مع نيابة روما في هذه المسألة، لكنها لم تتبلور حتى الآن في مشروع قرار برلماني. ومن المحتمل أن تبدأ النيابة في هذا التحرك على مراحل، حتى لا تخاطر بالدفع في اتجاه عرض قرار “اعتبار مصر دولة خارجة عن اتفاقيات حقوق الإنسان” على البرلمان الإيطالي، من دون ضمان وجود أغلبية نيابية تدعم ذلك التحرك. يأخذ ذلك في الاعتبار عجز اليسار والنواب المتعاطفين مع قضية ريجيني، ووالديه الناشطين إعلامياً، عن تحريك المياه الراكدة حتى الآن، وعدم التأثير على السياسة التي ينتهجها رئيس الوزراء جوزيبي كونتي، والقائمة على المضي قدماً في استغلال القضية لعقد المزيد من الصفقات لصالح الشركات الإيطالية الكبرى. بما في ذلك منح مصر تمويلاً رسمياً للصفقات، من خلال الشركة الحكومية “SACE” التي تعتبر قناة الاتصال الحكومية بين وزارة الدفاع المصرية والبنوك الأوروبية والإيطالية المقرضة لها، لضمان إنجاح الصفقات وسرعة تنفيذها.

وأوضحت المصادر أن الوفد الإيطالي قدّم مذكرة مسهبة رداً على الطلبات المصرية، والأسئلة التي سبق توجيهها في الجولة التفاوضية السابقة. وأكدت المذكرة أن المستوى الاقتصادي والبحث العلمي والاهتمامات الدراسية الشخصية هي فقط الأسباب الواردة لاختيار ريجيني جامعة كامبريدج للدراسة، واختياره مواضيع تتعلق بمصر تحديداً، وأن مخالفته شروط دخول مصر، حيث دخلها كسائح ثم بدأ الدراسة، جاءت بسبب اعتياد الطلاب الأجانب هذا الأمر خوفاً من التضييق الأمني. كما أوضحت المذكرة هوية بعض الشخصيات الإيطالية التي كان يتواصل معها خلال إقامته المستمرة في القاهرة، وتحركاته خلال آخر زيارة أجراها إلى بلاده في العطلة السابقة على مقتله، والتي جاءت عادية ولا تثير أي شكوك.

وبحسب المصادر، فإن نيابة روما سبق وأبدت رفضها الإجابة عن بعض الاستفسارات المصرية الأخرى، باعتبارها خارجة عن إطار التحقيق. غير أن القاهرة أثبتت كل طلباتها في مذكرة رسمية بطلب المساعدة السابق تقديمه في يوليو/تموز الماضي. وتدعم الأحزاب اليسارية الإيطالية والدي ريجيني، كما تستغل التعاطف الشعبي والإعلامي معهما، لمطالبة حكومة كونتي بسحب السفير الإيطالي في القاهرة، ووقف صفقات التسليح المتزايدة مع النظام المصري. وهو ما لا يحدث على الإطلاق، على الرغم من استجواب كونتي في هذا الشأن مراراً أمام البرلمان الإيطالي. بل إن هذه الضغوط تحولت في الآونة الأخيرة إلى أوراق تستغلها روما لممارسة ضغوط أكبر على القاهرة لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، مقابل الرضا باستمرار مع عدم حل القضية.

وكان آخر ضغط سياسي على القاهرة بالطرق الدبلوماسية قد حدث بعد تشكيل حكومة كونتي الأولى، باستدعاء السفير المصري لدى روما هشام بدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 أيضاً، لحثّه على نقل الغضب الإيطالي من التباطؤ المصري، بعدما أصرت النيابة العامة المصرية على عدم منح نظيرتها الإيطالية تفاصيل التحقيقات التي من المفترض أنها أجرتها في قضية مقتل أفراد عصابة السرقة المتهمين زوراً بقتله. ويرجح الإيطاليون أن المسؤول عن تلفيق هذه القضية هو نفسه المسؤول عن قتل ريجيني. وسبق أن تم تعليق التنسيق بين البلدين تماماً منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، عندما زار وفد إيطالي دبلوماسي قضائي مشترك القاهرة للتعرف على مصير الطلبات الإيطالية بتسليم التحقيقات الخاصة بقضية مقتل أفراد عصابة السرقة، قبل أن يعلن الطرفان المصري والإيطالي عن استحالة حدوث تلك الرواية وسقوطها من اعتبارات المحققين.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن النائب العام المصري “تشكيل فريق تحقيق جديد يعكف على دراسة وترتيب أوراق القضية، ويعمل على اتخاذ كافة إجراءات التحقيق اللازمة لاستجلاء الحقيقة في حيادية واستقلالية تامة”. وشدد على “حرص مصر على استمرار وتطوير التعاون القضائي بين النيابة العامة المصرية والنيابة العامة في روما، بغية الوصول إلى الحقيقة بموضوعية وشفافية تامة بعيداً عما يتم تداوله إعلامياً من معلومات مغلوطة عن القضية”.

  • Social Links:

Leave a Reply