مفوضية انتخابات أم تيس محلل؟

مفوضية انتخابات أم تيس محلل؟

محمد صبرا

– يتساءل الكثير من السوريين عن توقيت قرار الائتلاف بإنشاء مفوضية للانتخابات؟ وتذهب تساؤلاتهم إلى السؤال الأبرز، وهو من يقف وراء هذا القرار، ويحاولون تحليل مواقف الدول وهل هناك دولا تدعمه، أو تقف وراءه؟ وسبب هذا السؤال أن السوريين يعلمون علم اليقين أن من اتخذ القرار لا يتصرف من نفسه في بيان استنكار أو إدانة، بل ينتظر تعليمات معلميه التي تأتيه عبر الواتس آب.

– حقيقة لابد من ذكرها، أن هذه العصبة الشقية التي سيطرت على الائتلاف وعلى هيئة المفاوضات وعلى اللجنة الدستورية، لم تنشط فجأة، فهي منذ سنوات تعمل وفق هذا المنطق الاستسلامي، ويبررون كل خطوات تنازلهم بمقولة ” أن الدول تريد ذلك” وأن الدول أجبرتنا، و” أن المسألة السورية خرجت من يد السوريين، وباتت بيد الدول”. هذا المبرر الذي يختبؤون خلفه لتزيين تنازلاتهم ،عهدناه منذ جولة التفاوض الأولى في جنيف عام 2014، حيث زن الجهد الأكبر كان في مفاوضتهم وليس في مفاوضة النظام، ودائما كانت حججهم ” المرونة والواقعية السياسية، ورغبة الدول”.

– خطورة ما يحدث الآن يتمثل في عدة أمور منها أن هذا القرار المفاجئ للائتلاف يأتي في ظل غياب أي توجه دولي حقيقي للحل، وفي أثناء غياب إدارة أمريكية، فالجمهوريون انتهى عهدهم والديمقراطيون لم يستلموا السلطة بعد، وبالتالي الحديث عن أن هناك تفاهم دولي يقف وراء هذا القرار هو حديث كاذب وغير صحيح.

– لاشك أن القرار كان بالتنسيق مع الروس والأتراك، ولكلا الدولتان مصلحة في مثل هذا القرار، فالروس يهمهم مشاركة المعارضة في انتخابات يكون فيها بشار الأسد، ليس لأنهم يريدون نجاح بشار الأسد، أو يتمسكون به، بل لأن هذه الانتخابات ستكون صك براءة لبشار الأسد من جرائم الحرب، حيث أنه سيسبق هذه الانتخابات صدور قوانين عفو تشمل بشار الأسد ومجرميه وتشمل أيضا رموز المعارضة الذين سيشاركون بهذه الانتخابات، أهمية هذا الموضوع بالنسبة للروس جوهرية لأن الجيش الروسي ارتكب جرائم حرب عدة ومحاكمة بشار الأسد تعني بالضرورة أن تطال المحاكمات الجيش الروسي وأيضا الحرس الثوري الإيراني، ولذلك فإن الروس دفعوا باتجاه خفض سقف المعارضة قبل وصول الديمقراطيون للسلطة خاصة وأن موقف الحزب الديمقراطي من روسيا يعتبر موقفا حادا جدا قياسا بموقف ترامب.

– تركيا أيضا تخشى مواقف الحزب الديمقراطي من سياساتها في سورية، وهذه الطريقة أي تخفيض سقف المعارضة بهذا الشكل قد يشكل بالنسبة لها محاولة مد جسور مع الإدارة الديمقراطية التي أعلن بايدن مسبقا أنه لن يتعاون مع أردوغان، وبالتالي الهدف من القرار خلق وقائع أمام إدارة بايدن لا يمكن تجاوزها.

– للأسف الذي اتخذ القرار بإنشاء مفوضية الانتخاب هو نفسه الذي قال لديمستورا في قاعة المفاوضات” إذا أراد الرئيس بشار الأسد أن يكون جزءا من هيئة الحكم الانتقالي فهذا ممكن، لكن أن يكون ذلك بموافقتنا”، طبعا استخدم مصطلح الرئيس في جملته ولذلك أثبته هنا، وهذا الموقف المفاجئ منه هو الذي أدى عمليا لدعمه من عدة دول ومن بينها روسيا وسواها، لأن موقفه المرن هذا أعطى الإشارة للدول أنه قابل لفعل أي شيء من دون سقف أو ضوابط، وتصريحاته الإعلامية أمام السوريين تتناقض مع ما يقوله في الغرف المغلقة مع مندوبي الدول.

– الموضوع ليس بسيطا، بل هو يوازي ما قام به هؤلاء من إدخال لمنصات موسكو والقاهرة والقبول بالسلال الأربعة ومن ثم تدمير الهيئة العليا للمفاوضات واستبدالها بجسم مرن ومطواع، ومن ثم الذهاب للجنة الدستورية، إنها خطوات مدروسة من قبل هذا الفريق، للوصول لهدفهم الأساسي وهو الحصول على موقع في سلطة بائسة عبر التضحية بدماء مليون سوري.

– المنطق السياسي يقول أنك إذا أردت أن تطلق مشروعا أو مبادرة فعليك اختيار الظرف الملائم لك وليس للآخرين، ولا أظن أن هذا التوقيت يلائم السوريين، خاصة وكما قلت أن العالم أجمع يقف منتظرا سياسات إدارة بايدن بعد أن تتسلم سلطاتها في مطلع العام القادم، والغريب إذا كانت دول كبرى كالصين وفرنسا وألمانيا ودول إقليمية كبرى تنتظر ما ستسفر عنه إدارة بايدن من سياسات حتى تستطيع أن تبلور مواقفها، تأتي هذه العصبة الشقية لتطرح مبادرة بهذه الخطورة في هذا التوقيت الخطير، هذا بحد ذاته يثبت مستوى استهتارهم وعبثهم بمصير الثورة السورية.

  • Social Links:

Leave a Reply