ذكرى سليماني..في الاستراتيجية الايرانية

ذكرى سليماني..في الاستراتيجية الايرانية

حسن فحص – المدن :

على اعتاب الذكرى السنوية الاولى لعملية الاغتيال الامريكية لقائد قوة القدس في حرس الثورة الاسلامية ورأس المشروع الايراني على امتداد منطقة غرب آسيا الجنرال قاسم سليماني، تمر المنطقة في حالة من انعدام الوزن جراء ارتفاع منسوب الخطر المتأتي من التحركات والحشود العسكرية الامريكية في محيط ايران المترافقة مع كلام كثير حول امكانية ان يلجأ الرئيس الامريكي المنتهية ولايته دونالد ترمب لعملية عسكرية ضد الداخل الايراني بالتزامن مع ضرب القوى المتحالفة معها في المنطقة خصوصا العراق، لتحقيق اكثر من هدف، داخلي باعلان حالة طوارئ جراء دخول الولايات المتحدة في حرب تسمح له بتعطيل عملية انتقال السلطة، وخارجي يهدف الى اعادة رسم حدود النفوذ والقوة الامريكية على الساحة الدولية من بوابة تحجيم الدور الايراني والمحور الذي تقوده ايران.

في المقابل، وعلى الرغم من تأكيد طهران على لسان رئيس دبلوماسيتها محمد جواد ظريف التزامها عدم الاستجابة للاستفزازات الامريكية، والذي عززته المعادلة التي أطلقها مساعد سليماني السابق وسفير ايران في العراق ايرج مسجدي من ان الرد على اغتيال سليماني ليس بالضرورة ان يكون عسكريا، بل قد يكون سياسيا يؤدي الهدف الذي تسعى اليه طهران ويخدم رؤيتها باخراج القوات الامريكية من غرب آسيا. الا ان القيادة العسكرية لحرس الثورة ذهبت الى التأكيد على “الانتقام” من الوجود الامريكي ، فيما رفع خليفة سليماني في قوة القدس الجنرال اسماعيل قاآني مستوى التهديد بالحديث عن امكانية ان يكون الانتقام داخل الولايات الأمريكية نفسها.

منذ توليه قيادة قوة القدس عام 1998، وجد سليماني نفسه أمام تحديات مصيرية تهدد استقرار واستمرار النظام الاسلامي الذي يشكل ركيزة معتقداته السياسية والايديولوجية، وقد وصلت هذه التحديات مرحلة متقدمة بعد احتلال افغانستان اواخر عام 2001 نتيجة أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وقد بلغت هذه التهديدات ذروتها عام 2003 جراء الاحتلال الامريكي للعراق، ما وضع طهران بين فكي كماشة قوة عسكرية امريكية تمتلك على حدود ايران الشرقية والجنوبية الغربية اكثر من 300 الف مقاتل على اهبة الاستعداد للاطباق على الداخل الايراني.

هذه التطورات والتهديدات أدخلت تعديلا جذريا في المهمات الموكلة لقوة القدس، ولم يعد عملها وعمل قائدها سليماني مقتصرا على متابعة الملف الاسرائيلي والمقاومة الفلسطينية ومعها دور حزب الله كخط متقدم في هذه المواجهة، بل اتسعت لتشمل مهمة اشغال القوات الامريكية في افغانستان والعراق وتحويل وجودها الى مستنقع يمنع ويعيق أي تفكير باستهداف النظام الايراني الذي لم يتردد الرئيس الأمريكي حينها جورج دبليو بوش في تبنيه هذه العقيدة التي دعمها المتشددون داخل إدارته.

حرب تموز 2006 تشكل محطة اساسية في التحديات التي واجهها سليماني في قيادته للمشروع الايراني الاقليمي، فقد شكلت احد التعبيرات الاساسية للصراع بين واشنطن وحلفائها وبين طهران ومحورها في المنطقة، وهو ما سعى الى تأكيده امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في كل اطلالاته التي تلت عملية الاغتيال بالاضافة الى تأكيد دور النظام السوري وشخص رئيسه بشار الاسد في هذه المواجهة. وهي المحطة التي مهدت الطريق امام سليماني وحزب الله للعب دور حاسم في حماية النظام السوري من السقوط امام الانتفاضة الشعبية التي بدأت عام 2011 وتحولت الى حروب متفلتة اخذت اشكالاً مختلفة بين النظام وكل الفصائل والقوى المنضوية في محور قوة القدس من جهة، وبين التنظيمات الاسلامية المتشددة.

سقوط محافظات العراق الغربية واعلان ابو بكر البغدادي قيام الخلافة الاسلامية في العراق وبلاد الشام من الجامع الكبير في مدينة الموصل بعد الاستيلاء عليها، وسع دائرة التحديات امام النظام الايراني وزاد من اعباء مهمة سليماني الاقليمية، ما دفعه وبالتنسيق المباشر مع المرشد الاعلى للنظام متجاوزا كل الاطر القانونية والعسكرية، للعمل على بلورة رؤية النظام للدفاع عن مصالحه الاستراتيجية في الاقليم، وهي رؤية قامت على بعدين اساسيين.

الاولى، مواجهة الخطر الذي انتجته التنظيمات الارهابية، خاصة تنظيم داعش، جراء اسقاطها للحدود الجغرافية بين الدول، على الاقل عمليا بين العراق وسوريا، في اطار مشروع يهدف الى تفتيت وتفكيك الدول القائمة وتحويلها الى دويلات. وهو مشروع رأى فيه المرشد وسليماني انه سيستهدف النظام الايراني ووحدته الجغرافية، لذلك كان المطلوب التحرك السريع لحماية المحيط الجيوسياسي لايران وابعاد اي خطر قد يهدد سلامة النظام فيها او الدول المحيطة به. وذلك من خلال الزج بالفصائل والقوى التي اسستها قوة القدس في دول غرب آسيا من باكستان مرورا بافغانستان والعراق وسوريا واليمن وصولا الى لبنان وفلسطين. وقد كان المرشد الاعلى في هذا الاطار اكثر تعبيرا ودقة عن المخاوف التي تهدده عندما اعتبر ان القتال في سوريا هو دفاع عن طهران، وان استعادة الاهواز اذا سقط سيكون اسهل من التعامل مع نتائج سقوط دمشق، لان الاعداء سيكونون بعدها على ابواب طهران.

الثانية، هي اللجوء الى تشكيل قوات شعبية رديفة على غرار قوات حرس الثورة والتعبئة (البسيج) في ايران وحزب الله في لبنان، لتلعب دورا من خارج المؤسسات العسكرية الرسمية (الجيش والشرطة والاجهزة الامنية) في البلدان التي تشهد اضطرابات، فكان ان اوكل سليماني مهمة تشكيل “قوات الدفاع الوطني” وتدريبها والاشراف عليها لاحد ابرز مساعديه الجنرال “حسين همداني” منذ عام 2012، والتي تحولت الى قوة رسمية بقرار رئاسي بعد الدور الذي لعبته في العمليات العسكرية الى جانب الجيش السوري وحزب الله والالوية الاخرى من فاطميون وزينبيون (باكستان وافغانستان) وبعض الفصائل العراقية الاخرى. اما في العراق فقد شكلت فتوى الجهاد الكفائي التي اطلقها المرجع الديني السيد علي السيستاني عام 2014 المدخل الاساس لسليماني للعب دور في تركيبة المؤسسة العسكرية العراقية، وقد اكتملت الصورة بعد تصويت البرلمان العراقي على اعتبار قوات الحشد الشعبي صنفا من صنوف القوات العسكرية العراقية تتبع في امرتها للقائد العام للقوات المسلحة.

هذه الاستراتيجية، خصوصا ما يتعلق بتأسيس قوات رديفة للقوات المسلحة في البلدان التي تشكل مسرح نفوذ للنظام الايراني، تعتبر الورقة الرابحة في معركته ضد الضغوط التي يتعرض لها من الادارات الامريكية، وقد اثبتت فعاليتها من خلال تعطيل المشاريع الامريكية في هذه البلدان، وجعلت من هذه القوى والفصائل قادرة على تعطيل الدولة ومؤسساتها طالما ان الحلول بين واشنطن وطهران لا تسير بالاتجاه الذي يكرس دور ونفوذ ايران ومحورها على مستوى الاقليمي.

  • Social Links:

Leave a Reply