القوقاز ساحة التحدي الجديدة لإيران بعد حرب ناغورني قرة باغ

القوقاز ساحة التحدي الجديدة لإيران بعد حرب ناغورني قرة باغ

العرب

الاتجاهات الجيوسياسية المتغيرة لا تعمل لصالح النظام في طهران.

صراع نفوذ مستمر

غيرت حرب ناغورني قرة باغ الثانية المشهد الجيوسياسي في جنوب القوقاز، في ظل تشكيلة جيوسياسية جديدة، وستشكل القوقاز ساحة تحد جديد بالنسبة إلى إيران للحفاظ على نفوذها في ظل تنامي النفوذ التركي والدور الروسي ودخول إسرائيل على الخط، بعد أن أظهرت حرب قرة باغ مدى اعتماد باكو على التكنولوجيا الإسرائيلية.

طهران – إثر حرب ناغورني قرة باغ الثانية، وجدت إيران نفسها في مواجهة النفوذ التركي المتنامي شمال حدودها. فقد اكتسبت أنقرة ممرا عبر الأراضي الأرمينية، وقد ترسو في منطقة بحر قزوين. وسيمثل ذلك تحديا كبيرا لإيران، التي، إلى جانب روسيا، نظرت إلى منطقة بحر قزوين على أنها ضمن نطاق نفوذها.

وعلى الرغم من العلاقات المتزعزعة، فقد خدمت أذربيجان إيران كبلد عبور لممر النقل بين الشمال والجنوب الممتد من الخليج إلى بحر البلطيق. وسوف يحد النفوذ الاقتصادي التركي المتزايد، ناهيك عن النفوذ العسكري المعزز، من قدرة إيران على بناء علاقات أوثق مع باكو.

كما أن معضلة إيران معقدة بسبب اهتمامها الواسع النطاق بالحفاظ على علاقات ثنائية إيجابية مع تركيا. ويذكر أن علاقة أنقرة مع طهران تميزت بفترات من التعاون والصراع حول القضية الكردية وفي سوريا.

اتجاهات جيوسياسية متغيرة

يشرح إميل أفدالياني، أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في تقرير نشره “مركز بيجين ـ السادات للبحوث الإستراتيجية”، التحديات التي تواجه النظام الإيراني في القوقاز.

ويشير انتهاء حرب قرة باغ إلى بعض الاتجاهات الإيجابية بالنسبة إلى طهران، إذ فشل الغرب في توفير سياسة خارجية متوازنة تجاه المنطقة، مما يسمح بالتكيف مع الظروف المتغيرة على أرض الواقع.

كما يناسب التراجع الغربي عن المنطقة رؤية إيران، لكنه في المقابل يدفع تركيا وروسيا إلى ملء الفراغ الذي لا يتوافق مع المصالح الإيرانية أيضا. ويبدو اقتراح أنقرة الأخير بإنشاء اتفاقية سداسية تضم دول جنوب القوقاز، بالإضافة إلى روسيا وتركيا وإيران، علامة على الاتجاهات الجيوسياسية المتغيرة التي لن تعمل لصالح النظام الإسلامي بالضرورة.

وكان موقف إيران واضحا على الجبهة الدبلوماسية. فخلال الحرب، نظّم نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، عباس عراقجي، جولة في باكو وموسكو ويريفان وأنقرة للمساعدة في إنهاء الحرب.

وفي 4 نوفمبر، شدد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي على دعم إيران لخطة عراقجي للسلام، ولكن دون نتيجة تذكر. فلم يبد المتحاربون، ولا تركيا أو روسيا، أي اهتمام بالخطة.

كما عطلت الحرب التوازن الذي تحاول طهران الحفاظ عليه منذ التسعينات. وكان الخوف من وجود أذربيجان قوية وأرمينيا الضعيفة في صميم الرؤية الجيوسياسية الإيرانية.

لكن ميزان القوى القائم لم يعد قابلا للاستمرار، لأن المشهد الجيوسياسي في جنوب القوقاز لم يعد كما كان وقت وقف إطلاق النار في 1994. وقد أدت المشاركة العسكرية والاقتصادية التركية في أذربيجان إلى ترجيح كفة الميزان. كما ساهمت قوة أذربيجان الاقتصادية، المدفوعة من عائدات النفط والغاز، في هذه التغييرات. ولم يعد من الممكن الإبقاء على الوضع الراهن حول قرة باغ. ويحوم السؤال المطروح على إيران حول ما الذي يمكنها فعله لتأمين موقعها.

في حقيقة الأمر، لا تستطيع إيران أن تفعل الكثير لمنع نمو النفوذ التركي. فقد كان على موسكو (التي تتوافق إلى حد كبير مع موقف أنقرة) وطهران أن تتأكدا من مكافأة أذربيجان على نجاحها العسكري في إعادة الأراضي المفقودة.

وقد يفسر ذلك تغير خطاب إيران خلال الحرب. وعلى مدى الأسابيع الستة، أرسلت طهران أربعة ممثلين رسميين للمرشد الأعلى لزيارة الشمال والتأكيد على أن “قرة باغ تبقى جزءا من أذربيجان”، وأن لباكو كل الحق في السعي لتحرير الأراضي المحتلة بموجب الشريعة الإسلامية. وفي 3 نوفمبر، قال خامنئي “يجب تحرير الأراضي الأذرية التي تحتلها أرمينيا وإعادتها إلى أذربيجان”.

روسيا وإسرائيل على الخط

إلى جانب العامل التركي، هناك العامل الروسي أيضا. إذ يتمركز نحو ألفي جندي من قوات حفظ السلام الروسية في قرة باغ. وأصبح وجودهم على بعد نحو 100 كيلومتر من الحدود الإيرانية مصدرا آخر لقلق طهران، التي سيتعين عليها تكريس الوقت والموارد وربما حتى القوات للتكيف مع هذا الواقع الجيوسياسي الجديد.

وقد يعني هذا الارتقاء التدريجي لجنوب القوقاز في السياسة الخارجية الإيرانية إلى نفس مستوى المسارح الأخرى تقريبا، مثل الشرق الأوسط على سبيل المثال. فقد استندت سياسات إيران تجاه جنوب القوقاز إلى المصالح الجيوسياسية أكثر من استنادها إلى المبادئ والخطابات الأيديولوجية التي تتغلغل في سياسات القيادة الإيرانية تجاه معظم جهات الشرق الأوسط. وفي بعض الأحيان، كانت السياسة الواقعية العملية مختلطة مع عناصر أيديولوجية، وخبرة تاريخية، وحسابات موازين القوى. ولكن، كانت المنطقة أقل أهمية بالنسبة إلى حسابات إيران من مسارح التوتر الجيوسياسي الأخرى.

ولا نعلم بعد ما الذي سيعنيه انتصار أذربيجان بالنسبة إلى الأقلية الأذرية في إيران. وقد تنشأ تعقيدات بالنسبة إلى طهران إذ يمكن للأذر الذين يعيشون في إيران أن يتمادوا في تطلعاتهم القومية. وقد كان الوضع العرقي الإشكالي بارزا خلال الزيارة الأخيرة التي أدّاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى باكو، وهو الأمر الذي دفع طهران إلى اتهام أنقرة بالتدخل المتعمد في شؤونها الداخلية.

النفوذ الاقتصادي التركي المتزايد، ناهيك عن النفوذ العسكري المعزز، سيحد من قدرة طهران على بناء علاقات أوثق مع باكو

ومن المشاكل المحتملة الأكبر بالنسبة لإيران أن أذربيجان يمكن أن تستخدم كنقطة انطلاق للقوى الأجنبية لإبراز نفوذها في شمال البلاد.

وبعيدا عن تركيا، كانت علاقات أذربيجان مع الولايات المتحدة مصدر قلق لإيران قبل حرب 2020. وعلى الرغم من أن واشنطن غالبا ما انتقدت باكو، إلا أن مصالح البلدين تلتقي حول عدد من القضايا. وتتعاون لتعزيز أمن الطاقة الأوروبي، وتوسيع التجارة والاستثمار، ومكافحة الإرهاب والتهديدات العابرة للحدود. وسهر مرتزقة من شركة بلاك ووتر الأميركية (التي تسمى الآن أكاديمي) على تدريب مشاة البحرية الأذرية، وزودت الولايات المتحدة السفن للبحرية.

ويحوم خوف طهران الأكبر حول النمو المحتمل للنفوذ الإسرائيلي، وربما حتى الوجود الإسرائيلي السري في أذربيجان، كما زعمت بعض مصادر وسائل الإعلام الغربية. فقد أظهرت حرب قرة باغ مدى اعتماد باكو على التكنولوجيا الإسرائيلية. وكان هذا الدعم حاسما في تحقيق انتصارها من نواح عديدة. وقد تقدمت العلاقات الأذرية الإسرائيلية إلى درجة ظهرت فيها تقارير عن محاولة باكو التوسط في التوترات بين تركيا وإسرائيل.

وتتقاسم باكو وإسرائيل مصالح في الطاقة، كما أن مخاوفهما المتبادلة بشأن إيران تشكل حافزا قويا للتعاون بين البلدين. ولكن، من غير المرجح أن تتحدى باكو مصالح طهران علنا. وستكون هناك حاجة إلى دبلوماسية ذكية للتنقل بين المصالح التركية والإسرائيلية والإيرانية.

وما يمكن استنتاجه أن إيران تواجه تشكيلة جيوسياسية جديدة ومختلفة في جنوب القوقاز. وقد استبعدت من عملية التفاوض، وتشهد اضطرابا في ميزان القوى الذي أصبحت فيه أذربيجان أقوى وأرمينيا أضعف بكثير. كما تمكنت روسيا وتركيا من تعزيز مصالحهما العسكرية، وأصبح على إيران الآن أن تغير حساباتها التقليدية تجاه المنطقة.

وستُخلق الحاجة إلى التمتع بقاعدة موارد كبيرة إذا أرادت إيران أن توقف تراجع موقعها وتتنافس ضد قوة روسيا وتركيا والقوى من الدرجة الثانية مثل إسرائيل. ولا تبدو الآفاق مشرقة، فكثيرا ما أدت جهود طهران لتأكيد القوة الناعمة والاقتصادية إلى إبعاد دول جنوب القوقاز الثلاث.

  • Social Links:

Leave a Reply