مروان البرغوثي زعيما لـ”فتح” ومرشحا للرئاسة

مروان البرغوثي زعيما لـ”فتح” ومرشحا للرئاسة

ماجد كيالي _العرب

بعد 17 عاما على غياب الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات لا يبدو أن الحركة الوطنية الفلسطينية استطاعت سدّ الفراغ القيادي الذي تركه سواء في موقعه كقائد لـ”فتح” أو كرئيس للسلطة كما لمنظمة التحرير، بل إن تلك الكيانات باتت في حال من الاختلاف والتنازع والانقسام والتهميش، ناهيك عن الفجوة بينها وبين مجتمعات الفلسطينيين في الداخل والخارج. ويفاقم من كل ذلك الفراغ القيادي عوامل عدة، أهمها:

1 – أن حركة “فتح” ذاتها تبدو في حال مريعة من الضياع والفوضى والترهّل؛ وقد بيّنت الانتخابات التشريعية (2006) وبعدها هيمنة حركة “حماس” على قطاع غزة (2007) تآكل مكانة هذه الحركة وضعف قدرتها على مواجهة التحديات المطروحة، بل إنها استمرت على ذات الأمر من دون إخضاع تلك التطورات إلى نوع من النقد والمساءلة والمحاسبة. وبديهي أن حركة في مثل هذا الوضع يصعب مطالبتها أو المراهنة عليها في انتشال الساحة الفلسطينية من مآزقها، وضمن ذلك سدّ الفراغ القيادي فيها.

طبعا لا نقصد من ذلك التبشير بانتهاء دور “فتح”، بل على العكس، فهذه الحركة الوطنية الوسطية هي أكثر حركة تشبه شعبها، لذا ثمة حاجة ضرورية لها شرط تجديدها بناها وتطويرها رؤاها السياسية واستعادة روحها النضالية وطبيعتها كحركة تعددية متنوعة، إلا أن قيادتها لا تريد أن تدرك أهمية ذلك ولا أن تحسم في خصوصه.

2 – تعثّر مشروع القيادة الفلسطينية في شأن إقامة كيان فلسطيني في الضفة والقطاع بسبب سياسات إسرائيل المتمثلة بزعزعة مؤسسات هذا الكيان وتقطيع أوصاله بالمستوطنات والجدار الفاصل وإضعافها السلطة.

وبحكم طريقة إدارة السلطة ذاتها لهذا الكيان الذي تعاملت معه كأنه كيان منجز. وقد نجم عن ذلك تفكيك العلاقة مع المشروع التحرري المتعلق بإنهاء الواقع الاستعماري في الأرض المحتلة وبالتورط في التنسيق مع إسرائيل في المجالات الأمنية والاقتصادية وتعميق اعتماد هذا الكيان على المعونات الخارجية، لاسيما مع تضخم جهاز الموظفين في نظام يستند إلى المحسوبية والزبائنية والأجهزة الأمنية.

وأخيرا بسبب الانقسام الحاصل في الكيان الفلسطيني بين الضفة وغزة، وهذا تتحمل المسؤولية الأساسية فيه حركة “حماس”.

3 – إضعاف وتهميش مكانة منظمة التحرير في العمل الفلسطيني، فهذه المنظمة لم تعد قادرة على القيام بالوظائف المنوطة بها كحاضن للفصائل الوطنية، وككيان سياسي موحد للفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم. وإذا كانت حركة “حماس” (ومعها فصائل المعارضة) تتحمل بعض المسؤولية في ذلك، فإن “فتح” بالذات (ومنذ عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات) تتحمّل المسؤولية الأساسية في تهميش كل ذلك لمصلحة كيان السلطة.

الوضع يفترض البحث عن خيارات من ضمنها التوجه نحو قيادة جماعية تتكرس عبر المؤسسات والأطر الشرعية وانطلاقا من إعادة بناء منظمة التحرير وفقا لرؤية سياسية جديدة ومن مدخل الانتخابات

والنتيجة خسارة المنظمة والتعثّر في بناء السلطة، وهو ما نجم عنه الانزياح عن الرواية التاريخية الجامعة أيضا لصالح رواية ترى في احتلال 67 أساسا للصراع ضد إسرائيل، كأن هذه باتت دولة استعمارية واستيطانية وعنصرية فقط بعد ذلك الاحتلال وليس منذ قيامها كثمرة لجهود الحركة الصهيونية (1948).

يستنتج من ذلك أن ثمة انهيارا في الدعائم التي قامت عليها الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة ونظامها السياسي، ما يتطلب حثّ التفكير بالبدائل بعيدا عن الابتزازات السياسية والتحيزات المسبقة والعصبيات الفصائلية الضيقة.

الآن، فإذا كان يصحّ القول بأن ما كان لن يكون، فإن الوضع القيادي الذي كان احتله ياسر عرفات من موقعه كزعيم للشعب الفلسطيني وليس من كونه مجرد قائد لفصيل أو رئيس للمنظمة أو للسلطة، ما عاد بالإمكان تكراره، كما أن عهد هيمنة فصيل بعينه مهما كان لم يعد صالحا ولا ممكنا بسبب التعادل في المكانة والشعبية بين “فتح” و”حماس”، وبسبب الفجوة بين مجتمعات الفلسطينيين والفصائل التي باتت تنتمي لحقبة انتهى دورها ومفاعيلها.

ولعل هذا وذاك يفترضان البحث عن خيارات أخرى من ضمنها التوجه نحو قيادة جماعية تتكرس عبر المؤسسات والأطر الشرعية وعلى قاعدة دستورية واضحة وانطلاقا من إعادة بناء منظمة التحرير وفقا لرؤية سياسية جديدة جامعة ومن مدخل الانتخابات.

وباعتبار أنه من غير الممكن استنهاض الساحة الفلسطينية من دون استنهاض “فتح” على صعيد البنية والرؤية والدور، فإن هذا الوضع يتطلب حل معضلة القيادة في هذه الحركة، لاسيما بعد أن تقادمت لجنتها المركزية وتآكل دورها ودبت فيها الشيخوخة الجسدية والمعنوية.

والاقتراح هنا، طالما أن مركز العمل الوطني الفلسطيني بات في الأراضي المحتلة لأسباب ذاتية وموضوعية أهمها وجود كتلة كبيرة من المجتمع الفلسطيني في نطاق إقليم جغرافي محدد ضمن علاقات سياسية واقتصادية واحدة ولا تخضع لمداخلات عربية، فإن تنظيم حركة “فتح” داخل الأرض المحتلة هو الذي يتحمل مسؤولية تخليق قيادة فتحاوية جديدة بنفض التكلس عن جسمه.

وهنا قد يجوز القول بأن مروان البرغوثي المعتقل لدى إسرائيل منذ حوالي 18 عاما، ربما يكون الشخصية الأكثر مناسبة في الظروف الراهنة لحمل مسؤولية القيادة في “فتح”. فهذا الرجل استطاع أن يكتسب شرعية جماهيرية وحركية وهو يتمتع بصدقية نضالية وبكاريزما قيادية تؤهله لاحتلال الموقع الأول في حركة “فتح” أكثر بكثير من غيره من داخل اللجنة المركزية وخارجها.

ولهذا فمن المستغرب ألا تتركز الجهود على تحرير مروان البرغوثي من الأسر، وألا تتعزّز مكانته القيادية بشكل رسمي حتى وهو في الأسر في إطار “فتح” والحركة الوطنية الفلسطينية، والمستغرب أكثر أن يصر الرئيس محمود عباس على جمع كل السلطات بيديه (التشريعية والقضائية والتنفيذية) والعمل كرئيس للمنظمة والسلطة وفتح في نفس الوقت رغم كبر سنه، ورغم وجوده منذ 15 عاما في سدة الرئاسة للمنظمة والسلطة وفتح، ورغم عدم استطاعته إضافة شيء جديد، ورغم أنه مكث في قيادة فتح 56 عاما فقط.

والمستغرب أكثر من كل ذلك الإصرار على عدم تقديم شخصية أخرى ذات مصداقية من فتح للترشح إلى منصب الرئاسة!

  • Social Links:

Leave a Reply