الذكرى العاشرة للثورة السورية

الذكرى العاشرة للثورة السورية

مروان عبد الرزاق – ألف :

الفشل الكلي، والأمل من جديد

 

هل فشلت الثورة في سوريا بعد عشر سنوات من انطلاقتها؟ الجواب صعب للغاية، بالفشل أو النجاح! لكن يمكننا أن نرصد باختصار بعض المسائل الهامة لسيرورة الثورة منذ انطلاقتها في “آذار ٢٠١١” على يد أطفال درعا، وحتى”٢٠٢١”، بحيث يمكننا الاجابة على السؤال المطروح.

 

-١-

 

انطلق الشعب السوري بالثورة بشكل سلمي وراقي ترفع راية الحرية والكرامة قبل عقد من الزمان، لإسقاط النظام الاستبدادي، وإقامة الدولة الديمقراطية الحديثة، التي تحقق الحرية والكرامة، حيث تم كسر جدار الخوف القابع فوق أعناقهم لعقود، نحو الحرية. لكنها جوبهت من قبل النظام الاستبدادي بالرصاص والنار، وتم قتل واعتقال الآلاف، لأن النظام يعتقد أن الحل العسكري والأمني هو الحل تجاه المعارضة، كما حصل في ثمانينيات القرن الماضي ضد الاخوان المسلمين والشيوعيين. وخلال السنة الاولى من الثورة لم يتم اسقاط الرئيس كما حصل في تونس ومصر. إنما ازداد هذا النظام في القتل والدموية.

 

وبالتالي فشل الشعب بالطريقة السلمية لإسقاط النظام. لكن هل هذا يعني فشل النضال السلمي لإسقاط الاستبداد؟ بالتأكيد لا، فالطريقة السلمية هي إحدى الطرق الأمثل لإسقاط الطغاة. لكن الحالة الخاصة للنظام السوري بسبب عصبويته وطائفيته، هو الذي أفشل النضال السلمي للشعب.

 

وهو الفشل “الأول” للشعب السوري الثائر.

 

-٢-

 

بالأسلوب الدموي للنظام. اندفع الشباب لاستخدام السلاح ضد النظام الاستبدادي، ليس للدفاع عن المتظاهرين السلميين فقط، انما لإسقاط النظام. وتحولت الثورة في السنة الثانية، من. ثورة سلمية، إلى ثورة مسلحة. وقد استطاع الثوار بفعل السلاح الشخصي الذي اشتروه من مدخراتهم، والسلاح الذي سيطروا عليه من النظام، السيطرة على قسم كبير من الاراضي السورية، وطرد النظام منها. لكن حاجة الفصائل لعسكرية للسلاح والمال، جعلها تنضوي تحت راية دول الخليج العربي: السعودية، وقطر، والامارات، وتركيا، ومدعومة من أصدقاء الشعب السوري، استطاعت تحرير أكثر من ثلثي سوريا. وخلال التسليح والتحرير، لم تقدم هذه الدول الأسلحة اللازمة لإسقاط النظام. وكذلك فشلت المعارضة في الدعم الأمريكي لها. لأن أمريكا لا تريد اسقاط النظام، إنما فقط تريد القضاء على “داعش”، كما أنها منعت تقديم الأسلحة اللازمة، وهذا لم يكن مواتياً للفصائل العسكرية، لأنها ترغب بإسقاط النظام و”داعش” أيضاً. وهذا دفع بأمريكا إلى دعم الفصائل الكردية، لتحرير الرقة من “داعش”، مما أوجد شرخاً كبيراً بين الفصائل الكردية من جهة، والعربية من جهة ثانية.

 

وهل كان التسلح خطأ، كما كانت تقول “هيئة التنسيق” القابعة في أرض النظام، أم أن الخيار العسكري هو الصحيح؟ بالتأكيد التسليح كان هو الحل المنشود، لكن يلزمه بعض المقومات الضرورية للكفاح المسلح الثوري. ومثل هذه المقومات لم تكن موجودة، وأهمها: القيادة السياسية-العسكرية لعموم الثورة في سوريا، وأن تكون غير مرتهنة لأية دولة خارجية، والتي تقود العملية العسكرية والسياسية للثورة، وتحقق الحرية والكرامة والديمقراطية في المناطق التي تم تحريرها من النظام، كما هي أهداف الثورة. وهذا كان ممكناً في بداية الثورة، لولا تخاذل المعارضة السياسية.

 

وبذلك كان الفشل “الثاني” للفصائل العسكرية لعدم وجود القيادة السياسية-العسكرية للثورة. وهذا الفشل كان كارِثياً للثورة، وهو مستمر حتى الآن.

 

-٣-

 

ومع التحول إلى الثورة المسلحة، اعتقل النظام وعذب العديد من الناشطين وأعدمهم. وبمساعدة. النظام من جهة، والفصائل المعارضة من جهة ثانية، نشأت “داعش والنصرة” وغيرهما من الفصائل العسكرية الاسلامية المسلحة، والتي تنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية مع سيطرة المشايخ، وهيئات الامر بالمعروف، والمحاكم الشرعية. بالإضافة إلى البنية الاسلاموية للفصائل المعارضة، الطائفية الحديثة التشكل، التي تشكلت بفعل السلوك الطائفي للنظام، وسيطرة دول الخليج ومشايخهم، بدءاً من “العرعور”، والقرضاوي، وغيرهم، منذ بدايات الثورة. حيث أكملت هذه الفصائل الجريمة بسجن واعدام الشباب الديمقراطي مع الإعلاميين، مما دفع بهم إلى الهجرة والغياب عن الساحة، بسبب الملاحقة من قبل الفصائل العسكرية الحاكمة، أولاً، وبسبب رفضهم لأسلمة الثورة وتطيفها ثانياً، وعدم قدرتهم على تشكيل فصيل عسكري ديمقراطي، يعمل على الكفاح المسلح ضد النظام، ثالثاً، وهذا أدى إلى نتيجة هامة وهي: عدم القدرة في المناطق المحررة من النظام، بتشكيل مناطق ديمقراطية، تعبر عن أهداف الثورة في الحرية وحقوق الإنسان والكرامة، بحيث تكون نقطة جذب هامة لكل المناضلين في سبيل الثورة. إنما كان البديل مناطق يسيطر عليها الاسلام العسكري والسياسي، مع المشايخ، والمحاكم الشرعية، وهذه كانت نقطة فارقة في الثورة السورية، وبداية تدهورها، وخضوعها للإسلام السياسي والعسكري. وهذا البديل ضد الثورة وأهدافها في الحرية وحقوق الانسان. لأن الثورة بعد اسقاط النظام، يعني تحقيق الازدهار الديمقراطي للسكان، والحرية والكرامة. وليس حكم العسكر، والفساد، والنهب الذي يمارسه قادة الفصائل. ولأن الثورة لم تنهض من أجل أن يحكمها المشايخ، والتضييق على الحريات، إنما انتفضت من أجل الحرية.

 

وبذلك كان الفشل “الثالث” للثورة السورية المجيدة. وهذا الفشل سيكون له تأثيرات عديدة حول مستقبل الثورة.

 

-٤-

 

والنظام بالمقابل استنجد بإيران، وحزب الله لنجدته، ثم التدخل الروسي في “٢٠١٥”، الذي حسم المعركة لصالح النظام عسكرياً أولاً، مع القتل والاعتقال والتعذيب لأكثر من مليون شهيد، وتهجير عشرة ملايين شخص في دول الجوار، والمخيمات، بحيث أصبح نصف الشعب السوري مشردا خارج مدينته وبيوته. وأصبحت روسيا هي المقرر العسكري والسياسي لسوريا. وقامت ثانياً بترحيل الثوار من درعا وحمص ودمشق وحلب ودير الزور، عبر مصالحات كاذبة، تم ترتيبها بتآمر روسي-تركي حيث تم ترحيل كافة المعارضين إلى ادلب وريفي حلب وادلب، بحيث أصبحت ادلب هي الموقع لكل المعارضين المسلحين، بقيادة تركية مع تأسيس “الجيش الوطني” الذي ضم الفصائل العسكرية، بالإضافة إلى جبهة النصرة “هيئة تحرير الشام” التابعة للقاعدة التي تسيطر على ادلب وريفها.

 

ولم تعد تملك الفصائل المسلحة، المحصورة في ادلب وجرابلس والباب وعفرين، أي قرار أو مشروع لتحرير سوريا، أو “اسقاط النظام”. إنما أصبحت هذه الفصائل مرهونة بالقيادة التركية، لقتال الاكراد، أو الارتزاق في الساحة الليبية، أو الاذربيجانية، وفقاً للمصلحة التركية وأهدافها. وبذلك خسرت الداعمين الخليجيين، والسعودية، وأمريكا، وأصدقاء سوريا، والغرب الأوروبي، وأسسوا مع تركيا منطقتهم الخاصة بهم في ادلب. والقيادة التركية ليس لديها أي مشروع لإسقاط النظام. إنما تسعى نحو الحل السياسي مع روسيا وإيران، وفق مصالحها الخاصة.

 

وبذلك نسجل الفشل “الرابع” للانتفاضة المسلحة التي لم تعد قادرة على اسقاط النظام عسكرياً، وهو السبب الذي تسلحت لأجله، وذلك مفجع للغاية.

 

فهل سقط الحل العسكري؟ نعم سقط الحل العسكري عبر الفصائل الإسلامية، التي تصدرت ساحة الصراع، والتي ارتهنت منذ تشكلها إلى الخارج، وكان الأخير تركيا.

 

-٥-

 

وسورية أصبحت مقسمة بين فصائل عسكرية متعددة. الفصائل العسكرية التي سميت ب”الجيش الوطني” ومسيطر عليه بالقيادة التركية والتي تسيطر على (١١٪) من الارض السورية. وأيضاً “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية المدعومة امريكياً وتسيطر على الرقة الجزء الشرقي من نهر الفرات بنسبة (٢٦٪) من الأرض، بعد انتزاع عفرين منها بالقوات التركية وتهجير اهلها. وكذلك الأراضي التي يسطر عليها الروس مع النظام مع الايرانيين وحزب الله، والتي تضم دمشق وحلب وحماه وحمص والساحل بما يعادل (٦٣٪) من الأراضي السورية. بحيث نجد سوريا مقسمة بين تركيا، والنظام مع روسيا وإيران، وأمريكا، وكل منطقة مفصولة عنن الاخرى وتدير شؤونها بنفسها.

 

والجميع مرتاح لحالة اللا سلم واللا حرب على الأرض السورية. ولا توجد تناقضات حقيقية للقوى العسكرية على الارض، سوى بعض التناقض بين الاتراك وقوات سوريا الديمقراطية التي تسعى كل منهم للسيطرة على المزيد من الأراضي. والتناقض. بين الروس وإيران وإسرائيل يمكن حله بالتفاهم مع بعض الضربات الاسرائيلية للنظام وإيران. فالاثنان الروس وإيران بحاجة لبعضهم لحماية النظام. وهناك شراكة روسية تركية على الأرض. وأمريكا لا علاقة لها بالآخرين، فقط الدعم للأكراد، والخلاف المؤقت مع تركيا، ومتفقة مع روسيا بسلوكها، باعتبارها هي الفاعل الحقيقي في الساحة. رغم استمرار الصراع بين النظام والروس من جهة، و”الجيش الوطني”، من جهة ثانية، حيث القصف يومي ومستمر لاستيلائه على أرض المعارضة وقتله للمدنيين وقراهم. والجميع يرفض الاسقاط العسكري للنظام. وهذا يعني فشل كل القوى العسكرية المتواجدة على الارض السورية في اسقاط النظام.

 

إذاً كل الموجودين في أزمة لتواجدهم في سوريا، ويعملون لمصالحهم، في الإبقاء على الرئيس، جوهر الأزمة. ولا يوجد حل راهن في سوريا، وحتى يتحقق ذلك ستبقى سوريا في حالة الضياع والتشرذم. وربما ستجد سوريا نفسها في حالة صراعات مسلحة بين القوى العسكرية على الأرض، باتجاه الحل الشامل، والذي لا يعرف أحد جوهره حتى الآن.

 

وهذا الحل لا يكون إلا بإسقاط النظام. وهذا الحل غير وارد في المرحلة الراهنة. لأن هذا الحل بحاجة إلى توافق امريكي-روسي، وايراني وتركي، وهذا غير متوفر.

 

وإذا لم يسقط النظام، وكان الحل الأمريكي-الروسي مطروحاً، قد يذهب النظام إلى “أرضه المفيدة” في الساحل، وتلك اشكالية جديدة تواجه السوريين، حول وحدة التراب الوطني ومجتمعه السوري.

 

وهذا يعني الفشل رقم (٥) للشعب السوري، في اسقاط النظام والعودة من المخيمات وبلاد المهجر إلى بيوته.

 

-٦-

 

والجامعة العربية، ومنظمة الأمم المتحدة، ومجلس الامن، لهما دور مميز، في الصراع السوري. وهذا الدور تمثل بإرسال المندوبين الدوليين مثل: كوفي أنان، والاخضر الابراهيمي، وستيفان دي مستورا، وبيدرسون. وجميعهم حاولوا حل إشكالية الصراع، ليس باعتباره ثورة للحرية ضد الاستبداد، إنما كحرب أهلية، أو “نزاع أهلي مركب”، وأزمة دولية معقدة، بتعبير دي مستورا. وتم اصدار العديد من القرارات المتعلقة بحقوق الانسان، والحاجات الإنسانية. وكذلك اجتماعات جنيف الخمسة “من ٢٠١٢حتى٢٠١٧”، بدءاً من كوفي أنان ونقاطه الستة التي شكلت جوهر القرار “٢٢٥٤لعام ٢٠١٥”، والمراحل الثلاث وتتضمن: مفاوضات لتشكيل هيئة حكم انتقالية، ومجلس عسكري، وانتخابات رئاسية وبرلمانية، والسلال الأربعة، التي تتضمن: حكم غير طائفي، ودستور جديد، وانتخابات حرة، وحوكمة الامن ومكافحة الارهاب، و”تجميد الصراع”، لدى دي مستورا، وانتهاءً باللجنة الدستورية التي يرعاها الآن بيدرسون. مع مجموعة القرارات الدولية للحوار حولها ومنها قراري”٢٢٥٤و ٢٢١٨”. وجميع القرارات والاجتماعات كانت فاشلة، حيث لم يتوصل المبعوثون لأي نتيجة، حيث يستقيل الواحد تلو الآخر. وأسباب الفشل بشكل عام: استمرار النظام بالحل الأمني والعسكري ووصفه للمعارضة بالإرهابيين، وعدم مناقشة تشكيل هيئة حكم انتقالية. وتفضيل المعارضة لإسقاط الرئيس، وكانوا منقسمين، وينظرون بالريبة تجاه أنان والابراهيمي، ومجلس الأمن المنقسم على نفسه بين أمريكا وروسيا، وهذه الأخيرة التي تعطل اصدار أي قرار يدين النظام السوري، أو وضع النظام السوري تحت الفصل السابع، بمعنى أنه لم يقدم شيئاً للمبعوثين وللثورة السورية. وكل القرارات الصادرة، مع وجهات نظر المندوبين لم تتضمن اسقاط الرئيس، وحتى أمريكا لا تريد ذلك. إنهم كانوا يعتمدون على التفاوض من أجل الشراكة في الحكم، وكانت النتيجة الفشل، لأن النظام لا يقبل أية شراكة. وبات دور منظمة الأمم المتحدة والاستنكار، والقلق تجاه القتل اليومي.

 

وبالتالي إنه الفشل السادس لإسقاط النظام الاستبدادي، وإقامة الدولة الديمقراطية الحديثة.

 

-٧-

 

أما أهل السياسة في المعارضة، بدءاً من المجلس الوطني، وهيئة التنسيق، والائتلاف، والمنصات في القاهرة وموسكو، ومارافق ذلك من هيئة التنسيق والدعم، والوزارات المؤقتة، وهيئة التفاوض، واللجنة الدستورية.

 

في البداية تم الاعتراف بالمجلس الوطني، من قبل الشعب الثائر، لأن الثورة كانت بحاجة لممثل سياسي لها، ثم عدم الاعتراف به فيما بعد نظراً لأنه لم يقدم شيئاً للثورة، ولم يكن يمثل الثورة.

منذ البداية لم يتواجدوا في الأرض السورية، ولم يؤسس المجلس، والائتلاف من بعده، أية قوة عسكرية تقاتل النظام، وتأسيس قوة سياسية-عسكرية مشتركة لقيادة الثورة. وكان ذلك ممكناً وخاصة العديد ومن الجنود والضباط المنشقين عن النظام موجودون للتأسيس لجيش حر، يحرر الأراضي، ويقيم حكماً ديمقراطياً منشوداً. إنما بقي في تركيا يتنعم بالملايين، وينهبها ضمن دائرة الفساد المستمرة حتى الآن. وعدم التأسيس لمناطق محررة ديمقراطية، وفتح المجال أمام الاخوان المسلمين وباقي الفصائل العسكرية الإسلاموية مع المشايخ، والأمر بالمعروف، والمحاكم الشرعية، كي تحكم، وصمة عار في وجه القيادة السياسية المعارضة، حيث من الصعب تسميتها بالقيادة للثورة.

وكانت خارطته الأولى والأخيرة، الدعوة لأمريكا ودول العالم لإسقاط النظام، على الطريقة الليبية أو العراقية. في الوقت الذي صرحت فيه أمريكا أنها لا ترغب بإسقاط النظام. واسقاط النظام بحاجة إلى شعب يسقط النظام، وبحاجة إلى استراتيجية فعالة على الأرض، تملكها القيادة ممثلة بقوة عسكرية، وخطة طريق سياسية مرسومة، وأشخاص قياديين، وليسوا منتفعين، وهذا لم يمتكه الائتلاف. ومازالت الدعوات مستمرة حتى الآن كأنها فقاعة صابون.

والخلل الأساسي يتمثل في العلاقة المشبوهة مع الاكراد، حيث انقسم الوطن بين الثلاثي: النظام، والمعارضة، والاكراد. دون أن تأخذ الفصائل العسكرية، والائتلاف أيضاً، أن الشعب الكردي، شعب أصيل في سوريا، وهو القومية الثانية في سوريا، وله الحق في إدارة المناطق الكردية، ضمن سوريا الموحدة، أرضاً وشعباً. وهذا الانقسام أفرز حساسية بين العرب والاكراد، وفي مسألة تحرير سوريا من النظام.

ومع التدخل الروسي انهارت الفصائل العسكرية، وبدأ السياسيون يتعاملون مع الروس في أستانا وسوتشي، كبديل عن جنيف ورعاية الامم المتحدة، ضمن الحل التصالحي الروسي، وتم اخراج الفصائل من كل سوريا باتجاه ادلب. وبدؤوا بهيئة التفاوض، ثم اللجنة الدستورية، ضمن ألاعيب روسيا وخططها نحو إعادة تشكيل النظام، وإلى الان مستمرون ضمن هذه الألاعيب، وهم ينادون بتطبيق القرار “٢٢٥٤” بهدف الحل السياسي المنشود!

وإن عدم وجود قيادة سياسية للثورة يجعلنا أمام الفشل السابع لثورة الشعب السوري.

 

-٨-

 

منذ سنوات وممثلي الائتلاف وهيئة التفاوض يحضرون الاجتماعات على أساس القرار “٢٢٥٤”، باعتباره مدخلاً للحل السياسي، دون أن يقتنع النظام مع الروس بذلك مع انضمام منصة “موسكو والقاهرة”، الذين لم يقتنعوا بالحل العسكري، إنما بالحل السياسي برعاية روسية. ويطالبون ب “هيئة حكم انتقالية”، دون وجود الرئيس، وهذا غير متضمن في القرار فهم لايملكون أي استراتيجية لإسقاط النظام عسكرية أو شعبية. والقرار بيد الروس الذين يحافظون على النظام. فالقرار توافقي بين النظام والمعارضة، دون اسقاط الرئيس، انما يؤكد القرار على الحفاظ على مؤسسات الدولة بما فيها الجيش والامن مع بعض التعديلات. وسيجدون أنفسهم بلا حل سياسي، أو حل على الطريقة السورية، التي تتلخص بتغيير وزاري، ووجود الرئيس.

 

وبالتالي نحن أمام قرار اممي لا يحقق أهداف الشعب السوري بإسقاط الرئيس، وحتى هذا القرار لا يمكن تنفيذه.

 

فنحن أمام الفشل الثامن لثورة الشعب السوري.

 

-٩-

 

عمل الشباب السوري بجهد كبير خلال الثورة. فتم اعتقالهم، وتعذيبهم، وقتلهم، وكذلك تم استخدام ما تبقى منهم في المجلس الوطني من أجل تحسين الواجهة. ثم عملوا في مؤسسات المجتمع المدني، وفي بعض الاحزاب الجديدة التي انتشرت في سوريا والخارج بشكل كبير. لكنهم فشلوا في التأسيس إلى حزب سياسي يعبر ويكون ممثلاً للثورة. وارتهن البعض منهم الى “العجائز” في الأحزاب الصغيرة، والذين جميعهم يدعون إلى البديل الوطني الديمقراطي. لكنهم فشلوا أيضاً وفشلت كل الحوارات لتأسيس بديل ديمقراطي. والسبب الرئيس وراء الفشل-رغم تعدد الأسباب- هي “العنجهية” التي تلازم هذه التنظيمات أو قادتها تحديداً لأنهم يبحثون في النقاط والفواصل، وما قبلها وبعدها، التي تؤدي إلى التفرقة وليس التوحد. وكل زعيم مصاب بالكبرياء، ويحسب نفسه الزعيم الاوحد، ولذلك تفشل كل البدائل الممكنة. بالإضافة إلى سبب آخر وهو أن الجميع في كل الأحزاب يفتقرون إلى الدعم الشعبي في الداخل والخارج.

 

وبالتالي نحن أمام الفشل التاسع للثورة السورية.

 

-١٠-

 

إذا. كانت الثورة فشلت في كل ما سبق، أي “الفشل الكلي”، وعجزت عن إيجاد البديل العسكري والسياسي للثورة، هل يمكن وصف الثورة بالفاشلة، وإنها عجزت عن اسقاط النظام وتحقيق العدالة وحقوق الانسان؟

 

الإجابة ليست سهلة بالقول انها فشلت أو نجحت. هي بالتأكيد فشلت حتى الآن لأنها لم تنجح بإسقاط النظام الذي تحول إلى عصابة مدعومة روسياً وايرانياً، ومازال يقتل المدنيين كل يوم، ويسيطر على جزء من سوريا.

 

ولأن الواقع لن يُعيد نفسه فالشعب لن يعود كما كان في السابق تحت راية النظام، ومازال مهجراً، ونازحاً، ومازال العدد الكبير من الشباب والصبايا والكهول ينادي بالثورة في المناطق تحت سيطرة النظام وخارجها، ويقيمون المظاهرات ضد الظلامية الاسلاموية ضد النصرة، وغيرها، تعبيراً عن الثورة واهدافها في الحرية والكرامة، لذلك الثورة مستمرة ولم تفشل نهائياً حتى الآن، ومازالت تكافح وسط التآمرات الاقليمية والدولية.

 

لكن أين المخرج الفعلي للثورة وسط كل التناقضات على الأرض؟

 

ينادي الكثيرين بضرورة مؤتمر وطني إنقاذي، كبديل عن الائتلاف أو بالتوافق معه. لكن كل هذه المحاولات فاشلة حتى الآن تحت الزعامات القديمة، التي لا تملك أي رصيد شعبي.

 

إذ يبدو أننا أمام ثورة جديدة للشباب والصبايا، في إعادة تشكيل أنفسهم، كواقع سياسي جديد للثورة القادمة، يرفض التآمرات الدولية والإقليمية، ويحقق حقوق الانسان، بما فيها حق الأغلبية والأقليات، ويعود إلى “الشعب السوري واحد”، في كل الانتماءات والقوميات، ويرفض كل المؤسسات المشبوهة مثل الائتلاف وغيره، ويؤسس بديلاً سياسياً جديداً، كأن الثورة تبدأ من جديد، مستفيدين من الخبرات المتراكمة من الثورة، وهي كثيرة جداً.

 

علينا بتشكيل أنفسنا كمجموعات جديدة في الداخل السوري وخارجه، وأقصد الداخل في مناطق النظام، والمناطق المحررة، بحيث تشمل كل الشعب، كما كان حال التنسيقيات في بداية الثورة. وأن تضع هذه التنسيقيات أهدافاً بسيطة ومحددة وهي الاهداف الكبرى بجمل بسيطة يمكن أن يتفق عليها كل الوطنيين السوريين، نحو دولة المواطنة والحرية.

 

وقد يستغرق ذلك شهوراً، نحو مؤتمر وطني لهذه التنسيقيات، بهدف تشكيل القيادة السياسية للثورة. وهذه القيادة هي التي ستختار الحل العسكري المنشود للقوى الوطنية الديمقراطية لتحرير سوريا من الطاغية.

 

وإذا لم يتحقق ذلك، ونسجل الفشل العاشر، عندئذ ستبقى سوريا تحت الراية الاستبدادية للعصابة، وللفصائل الاسلامية التي لن تقدم شيئا للشعب الذي سيبقى مشردا، ومهزوماً، والتي يمكن أن تستمر خمس سنوات جديدة، أو أكثر من ذلك. فالمجتمع الدولي والإقليمي، لن يحقق للسوريين الحرية والعدالة، طالما الجميع الآن يعمل لإعادة انشاء النظام واستبداده. فالدولة الديمقراطية الحديثة لا يحققها إلا الشعب السوري وقيادته الثورية.

  • Social Links:

Leave a Reply