خطوة بخطوة.. استراتيجية موسكو وبيدرسون معاً

خطوة بخطوة.. استراتيجية موسكو وبيدرسون معاً

درويش خليفة – ليفانت:

على مدى السنوات الست الماضية، لطالما ركزت الدول الفاعلة في الشأن السوري، على تطبيق القرار الدولي 2254، بالرغم من تحايل حلفاء النظام السوري (روسيا – إيران – الصين) على بنود القرار، لا سيما وأنّهم طرحوا مسارات لا تتسق مع ما جاء في مضمون القرار 2254، الذي بات خارطة الطريق المتبقية للحل السياسي، في بلد مزقته الحرب طيلة عقد من الزمن.

وكان المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، آخر من تحايل على القرار 2254، بطرحه لخطة «خطوة بخطوة»، في تماهٍ واضح مع الاستراتيجية الروسية التي نتجت عن قمة بوتين – بايدن في جنيف السويسرية، منتصف العام الجاري.

من الواضح أنَّ تحركات بيدرسون، تشير إلى حالة من التململ يعاني منها الرجل إزاء الملف المكلف في إنجازه، والذي لم يحقق أي تقدّم فيه حتى اللحظة، منذ أنّ تولّى مهمته نهاية عام 2018 خلفاً للدبلوماسي السويدي “ستيفان ديمستورا”، والذي أورثه ما يسمى بالسلال الأربعة (هيئة الحكم غير الطائفي، والدستور، إضافة إلى الانتخابات، ومكافحة الإرهاب).

ووفقاً للواقع السوري المُعقد، شكلاً ومضموناً، اضطرّ الدبلوماسي النرويجي بيدرسون إلى تخطي السلة الأولى (هيئة الحكم) وحمل سلة الدستور على كتفيه ومضى فيها منذ ما يزيد على سنتين، ولكنه بعد ستة جولات من أعمال “اللجنة الدستورية” لم يحرز أي تقدم يُذكر.

على ما يبدو، إنّه ينوي من خلال سياسته الجديدة «خطوة بخطوة»، الانقلاب على “اللجنة الدستورية”، أو التعامل معها كمسارٍ موازٍ لخطته، التي تشبه في مضمونها مقترح العاهل الأردني للرئيس الأمريكي جو بايدن، تحت مسمى “اللاورقة”، على أن يعمل النظام على تغيير في سلوكه، من أجل تحقيق الظروف التي تؤدي إلى انفتاح الدول المتشددة تجاهه.

ومن هذا المنطلق، سيقوم بيدرسون بالتباحث مع الدول الفاعلة في سوريا، حيث بدأ مشاوراته مع كل من روسيا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مصر ودول الخليج العربي، لتشمل دولاً أخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. لكن يبقى التساؤل المطروح، هل ستحرّك الخطة الجديدة التي اقترحها بيدرسون، المياه الراكدة، وتعيد للملف السوري زخمِه الدولي، في ظل استعصاء الحلول السياسية، واستسلام المعارضة الرسمية للواقعية السياسية؟

من الواضح، أنَّ المبعوث الأممي إلى سوريا، حاله كحال معارضتها، من حيث الشعور باليأس وخيبات الأمل في أي مسارٍ يتم المضي به، لذا؛ نجده يجترح الحلول وفق رؤيته ومعاينته لتصريحات النظام وحلفائه، سواء الروس أو الإيرانيين، وهذا إنّ دلّ على شيء إنَّما يدل على غياب الدور المؤثر للسوريين (المعارضة والنظام) في إيجاد مخرج لأزمات بلدهم المتراكمة، والاكتفاء بالقرارات الدولية والعمل على تنفيذها، وفق تسلسل فقراتها المنصوص عليها في أوراق الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.

في حقيقة الأمر، إنَّ تعقيد المشهد الجيوسياسي في سوريا، وتشابك ملفاته، بالإضافة إلى وجود خمسة جيوش لدولٍ مختلفة الرؤى والمصالح، أدى بالملف السوري للركون على رفوف الدبلوماسية الدولية، وبالتالي؛ أي مقترحٍ جديد من شأنه تحريك الملف من حالة السكون ونفض الغبار عنه، ستوافق عليه الدول، الأمر الذي شهدناه عندما تم اتفاق دول محور أستانا على اللجنة الدستورية، ورحبت بها الدول الفاعلة، وكأنّها حققت الحل السياسي.

واستناداً إلى ما سبق، فإنّه، أي بيدرسون، مضطر في كثير من الأحيان لتلقف ورصد أي خطوة روسية بالدرجة الأولى، وبأقل منها إيرانية، لفهم مقاربتهما للحالة السورية، فموسكو تجد من سوريا؛ نقطة انطلاقة نحو تحقيق طموحاتها في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط وتثبيت مكان لها بين كبار العالم.

وعليه، فإنَّ ما ينجزه الروس في هذا البلد المنهك، يستمدّ منه بوتين وحكومته أساساً لعلاقته مع تركيا وإيران، والتقارب من دول الخليج العربي، والإطلالة على لبنان بين الحين والآخر، والتوجه نحو شمال أفريقيا في محاولة لإعادة علاقة بلاده مع ليبيا كما كانت بعهد القذافي، بعد تمركز “مرتزقة فاغنر” (قوات خاصة روسية) بالقرب من قاعدة الجفرة الجوية.

الأمر ليس كذلك بالنسبة للإدارة الأمريكية، إذ لم تعتبر واشنطن يوماً أنّ سوريا معترك مصيري استراتيجي مهم بالنسبة لها. فلا إدارة “باراك أوباما” كانت مكترثة ولا من تبعوها كانوا متحمسين لذلك، كما لم نشهد في عهد “دونالد ترامب” سوى مزيداً من العقوبات على النظام الإيراني، حلفاء بشار الأسد في سوريا.

لا تمثل سوريا أهمية لإدارة الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، إلا بالقدر الذي يمسّ أمن إسرائيل، وأقل من ذلك، حلفاؤها في شمال شرق سوريا، الذين شاركوها في محاربة تنظيم الدولة “داعش”، والقليل من التنسيق والتعاون مع موسكو وفّر على واشنطن بذل أي جهد في هذا البلد.

ويشكّل التدخل الإيراني في سوريا، جملة من الصعوبات التي تواجه المبعوث الأممي بيدرسون، بل للدول المتداخلة أيضاً. وبما أنَّ الحرس الثوري الإيراني يعتبر سوريا مشروعاً استراتيجياً يتجاوز مصالح الآخرين، فقد ابتدؤوه عام 2005 بنشرهم المذهبية التي تحكم ثورة إيران الإسلامية، رغم علمانية سوريا، لكنهم لا يرون مشكلة في هذا الأمر، فنظامهم السياسي جمهوري-إسلامي بالوقت نفسه.

وتجد تركيا نفسها متضررة من الأوضاع التي آلت إليها سوريا، بسبب لجوء قرابة 4 ملايين سوري إلى داخل حدودها، وتشكُّل حكم شبه ذاتي للأكراد في المنطقة الشرقية المحاذية لحدودها، وهو ما يشغلها ويثير حفيظتها.

وحرصاً على أمنها تدخلت ميدانياً، عندما كان تنظيم داعش يسيطر على جرابلس والمناطق القريبة منها، لكن فيما بعد ذهبت أبعد من ذلك، بتدخلها على طول الشريط مع حدودها الجنوبية. الأمر الذي انتهزته للمغامرة في مناطق أخرى بعيدة عن حدودها، مثل ليبيا وأذربيجان، برفقة مقاتلين سوريين. ووصايتها على المعارضة السياسية الرسمية، الائتلاف وملحقاته من حكومة تنفيذية وهيئات ومجالس لا تعد وتحصى.

وخلاصة القول، إنَّ القوى العالمية والإقليمية على اطّلاع بواقع السوريين وما حلّ ببلدهم، ويعلمون جيداً أنّ الحل السياسي الذي أكّدته القرارات الدولية يتطلب عودة أمريكية لقضايا المنطقة، والتفاهم مع الروس لفرضه، سواء بالقوة أو بإضعاف إيران في سوريا والإقليم.

  • Social Links:

Leave a Reply