المحامي ادوار حشوة : من ا غتصب تاريخنا في حمص ؟ 1

المحامي ادوار حشوة : من ا غتصب تاريخنا في حمص ؟ 1

حمص مدينة في وسط سورية تحدها الصحراء من الشرق وجبال لبنان من الغرب و و تمتد في محيط سهل خصب يرويه نهر العاصي ولذلك فهي ممر تجاري الى كل الجهات ووسطيتها هذه امتدت الى الفكر والطبع والممارسة.
هذه المدينة لم تولد من فراغ ولا هي قامت فجأة بارادة حاكم بل تطورت بصورة طبيعية عبر التاريخ الطويل وجاورت تدمر وكتنا ومريمين وبحيرة قدس .
هذه المدينة لم تقبل الخنوع ومع انها تبدو للآخرين بسيطة وطيبة وهادئة الا انها في العمق تعرف طريقها الى القيادة وتعرف كيف تقاوم المستبدين ووحدها امتلكت الجرأة ضد ديكتاتورية الشيشكلي وفي بيت هاشم الاتاسي تجمع السياسيون وصاغوا وثيقة الحرية التي اسقطت الاستبداد .
في حمص لم تكن تسمع اصوات السيوف ولا هدير الغاضبين ولا ترى خناجر تقتل ولا بيوتاً تنسف ولا بشراً يذهبون اغتيالاً ولا تعصباً يضرب تعايشها وحين حاول بعض الغوغاء احراق سينما الاوبرا
وسطوا على محلات بيع الخمر وتذرعوا بالاسلام كان رد حمص عنيفًا وتجمع الالاف امام بلديتها احتجاجاً ووقف شاعرها محي الدين درويش ليقول كلمة حمص التي ترفض استخدام الدين ذريعة للارهاب ولضرب التعايش الوطني وقال بيتا واحدا من الشعر حفظه اهل حمص كدستور لكل تعددياتهم :
ان كان للدين شأن في تفرقنا فقد برئت ورب البيت من ديني
2-
حمص تصنع غضبها بصورة مختلفة وتوزع احتجاجاتها عبر شبكات عديدة وسريعة التوصيل توشوش وتهمس وتتطلع يسرة ويمنى واحياناً يكون صمتها بلاغاً.
العمل بالوسائل السياسية شهادة لها لا ضدها وهي مدينة لا تقاتل حيث من المحتمل ان تقتل ولا تسلم رقاب شبابها لجلادين ولكن تخطط وتنتظر لحظة الانفجار .
تنتقد الاستبداد بالنكت الشعبية وبالاشعار توزعها لتخلق حاضنة تعادي الموجود القمعي وبشكل لا يمكن معرفة لمصدر .
الجبهة الوطنية التقدمية التي اخترعها النظام الديكتاتوري ثم قسمها واهملها وحولها الى ديكور كانت
محل احتجاج على لسان شاعرها محمد النحاس الذي اختطف ولم يعرف مصيره قال:
الجبهة صارت انصافا دبر اسماء واوصافا
بعض يزهو بمكاسبه والبعض يهز الاكتافا
الجبهة صارت ارباعا ليست انصافا كما شاعا
وقواعدهم صارت قادة دبر للقادة اتباعا
الجهة صارت اثمانا ليست ارباعا كما كانا
واخترعوا حزبا آلياً لا يحوي ابداً انسان
ا
الشاعر احمد ضحية من الاخوة العلوين احتج على الاستبداد شعراً :
ايقبل الشعب ان تثري زعانفه باسم النضال ثراء ماله سبب
هل السماء بكت من فوقهم فرحا فراح يهطل منها الماء والذهب
لا يكذبوا انها اموال امتنا ومن غذاء بنيها كل ما سلبوا
كم قد سمعنا بهيئات تحاسبهم لتسترد الى الجمهور ما نهبوا
اني لاخجل ان تحصى معايبهم انى ذهبت شجاك العيب والعطب
ويقول الشاعر الشعبي نبيه نقرور منتقداً الانتخابات المزورة :
هكذا تصبح النيابة عرساً وخياماً بكل حي تراها
رفعت اعمدا وفاضت رسوما لافتات تضيق عن محتواها
مرحبا بالضيوف واهلا وسهلا نائب اليوم مصلح لا يضاهى
فهو من برجع الحقوق الى الشعب وينهي مصفاتنا عن اذاها
ربما تسأل السماء عن الغيث فتهدي الى السدود المياها
يتعالى المزمار والطبل يحدو ونساء تراقصت في خباها
صور اينما اتجهت تراها كل مجموعة تغني هواها
وجموع من المواكب طافت تتغنى والناس عافت سماها
واذا غابت العتاق المذاكي تصبح الساح ملعباً لسواها
3- ماذا حدث بعد الانفجار حتى تحولت حمص من التظاهرات السلمية ومن الحوار بالكلمات الى الحرب الطائفية و كيف حل السلاح محل الحرب بالكلمات ومن المسؤول عن خراب ثلثي احياء المدينة وآثارها وتعايشها ومن بدل صورة البساطة والهدوء الى الفوضى والحقد والانفجارات ؟
لقد رافقت الاحداث في السنتين الاولى والثانية لذلك لا استمد تحليلي من الاعلام ولا من الاصطفاف
المسلح بل انطلا قاً من حيادية لاتتوقف عند الشعارات ولا تغادر وحدة الوطن الى دماره وتقسيمه .
منذ بداية الاحداث كان الشباب من ابناء حمص يقودون التظاهرات وهم من عائلات حمص المعروفة
وكانوا مثقفين وطنين نظموا التظاهرات عبر احدى عشر تنسيقية يقودون تسعة منها مباشرة ويقود المشايخ تنسيقيتين في الخالدية وباب السباع ولكن الجميع لم يعتدوا على الاماكن العامة ولم يهدموا ولا دمروا ولا قتلوا احدا من النظام او من رجال الامن كان هدفهم المعلن و والموثق بمنشور شهير هو ( تغيير النظام لا اسقاط الدولة ومشروع التحرك الديمقراطي هو اعادة دستور الخمسين والتخلص من الحكم الرئاسي الديكتاتوري ) .
كانت التظاهرات اسبوعية لا يومية انطلقت من مراكز تجمع هي المساجد لانها غير ممنوعة بموجب قانون الطوارئ الذي يجرم اي تجمع يزيد على خمسة اشخاص في حين كان التجمع داخل المساجد وحولها مباحاً فعمد المتظاهرون الى الاتفاق على هذه المراكز الآمنة وكان تسعون بالمئة من المتظاهرين يقفون خارج المساجد منتظرين ساعة الانطلاق باتجاه مركز المدينة ومن كل الاحياء
. وكانت بعض التنسيقات تتخوف من هذا الخيار لان المتظاهرين كانوا من كل تعدديات البلد دون استثناء ولكن الواقع فرض هذا الوضع وطبعاً الكثيرون اعتبروه من الاخطاء التي فرح لها النظام وصفق لانها تصب في مشروعه لتحويل الصراع من السياسة الى الدين .
4- كان النظام يواجه المتظاهرين بالاعتقالات وبالمياه والقنابل المسيلة للدموع ثم حين ذهب الى الحل الامني قامت اجهزة الجيش والمخابرات بحصد المئات من المتظاهرين في ساحة الساعة الجديدة وقتل ما لايقل عن مئة وخمسون و جرحى كثيرون وبعد هذه الحادثة ذهب بعضهم الى حمل السلاح الفردي البسيط وقسم من التنسيقيات قامت بجمع الاموال لشراء السلاح من لبنان وتوزيعه على بعض الافراد بحجة مقاومة العدوان في حين ان القسم الاكبر من التنسيقيات رفض عسكرة الانتفاضه مبررا ذلك
بفقدان التوازن وانه سيؤدي الى مقتل الكثيرين وهؤلاء لم يحملوا السلاح وتوسلوا طرقا عديدة للتعبير والتظاهر في مناطق بعيدة عن مركز المدينة واجادوا الهرب ووضعوا افرادا منهم على مفترق الطرق للاخبار عن قدوم المخابرات والجيش .
5- بعد الاصطدامات المسلحة وسقوط الشهداء بدات المرحلة الجديدة من التدخل الخارجي حيث تدفق السلاح على تنسيقيات باب السباع والخالدية وبابا عمر والتمويل من دول المنطقة لم يكن واضحاً لان
قسما من التنسيقيات ادعى ان الشراء تم باموال متمولين سورين في الخارج ولم يكن ذلك صحيحاً.
شباب التظاهرات الديمقراطية تعرضوا للاعتقال والقتل والتهجير من النظام ومن الذين عسكروا الانتفاضه واعلنوها حرباً طائفية وبشعارات دينية لا تمت باي صله لشعارات الشباب الديمقراطي
وقد ساعد النظام بسلوكه الطائفي على تقوية الشريحة الدينية المتطرفه وبذلك تحولت الثورة الشبابية الديمقراطية الى حرب اهلية طائفية سعى اليها النظام ومعارضوه معاً وصرنا في حقل الدم .
6-كانت التظاهرات تاتي من حي باب الدريب وباب تدمر متجهة الى مركز المدينة وتمر من الحميدية ذات الا غلبية المسيحية التي لم تتعرض لاي اذى من المتظاهرين ولكن النظام دفع بقواته العسكرية الى قلب المناطق المسيحية ليمنع وصول المتظاهرين الى مركز المدينة وقذفهم بالرصاص وحين بادلوه ذلك واستخدم المدفعية فهدم كنيسة ام الزنار الاثرية والاربعين ومار جرجس وكلها تهدمت من قبل قوات النظام لا المعارضة و وبسبب ذلك هاجر المسيحيون بعضهم الى منطقة الانشاءات وبعضهم الى وادي النصارى وبذلك يكون المسيحيون طليعة التهجير قبل المسلمين ولولا ان النظام لم يدفع بقواته الى داخل احيائهم لما هجر ولا هاجر احد منهم .
7- طريقة المعارضة المسلحة في الحرب انطوت على غباء فاضح حين توزعت قواتها بين المدنين وبيوتهم وحين اعتمدت اسلوب تحرير المناطق في ظرف انعدام توازن القوى فادى الامر الى قيام النظام بتدمير كل مناطق المدينة التي فيها مسلحون مستخدما المدفعية والصواريخ والطيران فتهدم اكثر من ثلثي المدينة وهجر مئات الالوف الى منطقة الوعر والى تركيا ولبنان وفي تحديد المسؤولية فان النظام بوحشيته ضد السكان والمعارضة في اختيارها بيوت الناس ملاجىء بدلا من حرب العصابات خارج المناطق الماهولة تكون معه شريكة في هدم المدينة والتسبب في هجرة الناس .
حمص الجريحة اليوم مقيمة ومهاجرة ومحاصرة ما تزال تختزن في ذاكرتها ايام ثورتها الاولى الديمقراطية الشبابية تحت شعار ( الشعب السوري واحد وتغيير النظام لا اسقاط الدولة ودستور الخمسين الشرعي ) وقد تسقط شعارات كثيرة وتقوم شعارات ولكن الوسطية الحمصية المعتدلة المتعايشه ما تزال تملك المستقبل و والذين اغتالوا مدينتنا وهدموها ونشروا ثقافة التعصب والكره والانتقام سوف يسقطون فور ان يتوقف القتال فتسترد المدينة انفاسها وروحها وتعيد البناء متجهة نحو المستقبل وتضع الماضي خلفها والذي تاخذ الدروس من احداثه ولا تعيش على احقاده و هذه هي حمص وهذا هو السؤال
18-5-2016

  • Social Links:

Leave a Reply