لقد اعتقد البعض أن هبوب رياح الربيع العربي، ستليها إشراقة شمس النهضة العربية والإسلامية، لكن الأيديولجيات الخفية حالت دون أن تمشي تلك السفن إلى معابر التخلص من القيادات الدكتاتورية التي تحكم الشعوب العربية لعقود خلت، وهي من حوّلها إلى شعوب تلهث وراء كسرة الخبز؛ لكي لا تفكر بأي طرق فكرية لنهضتها من اضمحلال حل بها لم يحل من قبل.
فقد أصبحت الشعوب العربية متطبعة بشكل ما أو بآخر بالغرب من خلال العديد من الطرق التي لن يعجز عنها الغرب وأميركا لإبقاء الشباب العربي رهينة فكرية وفي حالة من الغيبوبية التوعوية .
حتى أن ثار الشباب في كل من تونس وليبيا ومصر وسوريا رغبة في إحداث بركان في وجه الركود الفكري والسياسي الذي يعاني منه. وضعت كل قوى العالم الخفية لإفشال هذه الثورات وتحويلها لدروس تاريخية ليستفيد منها كل من يفكر بالنهضة العربية والإسلامية على حد سواء.
فقد تحولت الثورات العربية إلى ساحات للمعارك الفكرية والوجودية، وبثت فيها التكتلات وزرع فيما بينهم عدم تقبل أي فكر مغاير، فأصبحنا نشهد حلبات صراع فكري ووجودي وبشكل متطرف جدًّا ومتعصب، غير قادر على إنشاء نسيج اجتماعي من الاختلافات الفكرية.
ماذا وراء الشباب العربي عامة والمسلم خاصة؟ لماذا يخاف الغرب وأميركا من ثورته وتطوره ونهضته؟
إسرائيل..
الشرخ الذي زرع في قلب الوطن العربي لا يمكن لثورات أن تهدد حياته أو تهز كيانه.
فالثورات تعني ديمقراطية، والشعوب التي سحقت منذ خمسين عاماً خلت لن تكون ديناميكيًّا مستعدة لتطبيق الديمقراطية والتعددية دون خوض معارك مع مخلفات وترسبات ما خلفته السياسات القديمة.
النهضة الإسلامية التي أنبأت بها الثورات العربية وخافت منها الحكومات العالمية، هي نهضة كانت ستعيد أصول الفلسفة العربية والفكر العربي وإنتاج جديد للعربي والمسلم، الكاتب والفيلسوف والفنان والعالم والمخترع..
وأكبر دليل على هذا الطرح هو ما يحققه الشباب العربي من تميز وإبداع في شتى المجالات في بلاد المهجر التي تساهم بأيدٍ خفية بغوص بلاده في وحل التخلف والجهل والاستهلاك السلبي للفكر والصناعة، وتقوم هي بأياديها الرؤمة بدعمة وتوفير ما يلزم لينتج ويخدم مصالحها وتعزف على وتر انتمائه المزدوج حين يحلو لها.
عقول عربية وإسلامية تنجح في الغرب، لمَ لا تنجح في بلادها؟ هل يعقل أن يترك الغرب اليوم الشباب العربي والمسلم يعود لسابق عهده الذي أسسه أجداده وأستفاد منه الغرب؟
هل يعقل أن يعود وينشأ عند العرب زرياب مؤسس الموسيقى الكلاسيكية في الأندلس والذي اشتهر بسببه بيتهوفن؟
هل يحتمل الغرب أن يأتي على بلاد المسلمين ابن خلدون وابن رشد وابن حيان وابن سينا جدد، وتنهض علوم المسلمين من جديد؟
هل يسمح الغرب بأن يستيقظ المسلمون بعد أن أدخلهم الغرب بحالة من الثبات الفكري والعلمي منذ أواخر عصر الدولة العثمانية وأدخل لغاته الأجنبية لإضعاف اللغة العربية وشدة ربطها بالانتماء العربي، وكان ذلك خلال حملة نابليون على مصر وما تبعه من استعمار للوطن العربي؟
الإرهاب بات يسوق له على أنه الإسلام القادم من بلاد العرب (الهمج)، الإرهاب الذي يحتاج لعقود وجهود جبارة من علماء ومثقفين لتوعية عدة أطراف باتت متشابكة ما بين جهل وخرافات تجر أصحابها إلى الخوض في غياهب تشويه الإسلام، وبين أطراف تدعم وتبث السموم لتزيد الصورة قبحاً، وما بين أطراف تدعي المحاربة ولا نعلم ما في سياستها في الخفاء.
لكن الإسلام الحقيقي يقبع هناك في الجامعات الغربية والأميركية، حيث تستفيد المجتمعات الغربية من التعاليم الإسلامية في العديد من أبحاثها الاجتماعية والفكرية وتطور مجتمعاتها وحتى الجامعات الإسرائيلية تنجز اليوم أهم الأبحاث التي تعنى بتطوير اللغة العربية وتطوير أساليب تعليمها، حين تخلى بعضنا عن لغته وعن إسلامه أو انتمائه.
وما زال الوقع يشير إلى أن التحديات والفوضى الراهنة ما هي إلا مخاض لمرحلة جديدة يقودها الشباب العربي، لكنا ما زلنا ننتظر الولادة.
Social Links: