يوم مختلف – أول يوم

يوم مختلف – أول يوم

زكي الدروبي

كنت اتابع كغيري ثورة تونس ثم مصر، وكم كانت فرحتي كبيرة حين رحل حسني مبارك، وانتظرت القيامة السورية، ولم يطل انتظاري طويلاً فقد خرجت أول مظاهرة بحمص في 18/3/2011 من مسجد الصحابي الجليل خالد بن الوليد، وانتشر خبرها بالمدينة، وانتظرت يوم الجمعة التالي بفارغ الصبر.

كان مصادماً لتوقعي بخروج كل الناس في 25/3/2011 حين فوجئت بخطيب مسجد الحنابلة في حينا يحدثنا عن المؤامرة والفتنة وأنها أشد من القتل، ولم يخرج كل الناس كما توقعت، في يومها خرجت المظاهرات من مسجد الصحابي الجليل خالد بن الوليد وحاول الأمن ايقافها عبر القنابل المسيلة للدموع لكنهم لم يستطيعوا، المظاهرة كانت اكبر بعدة مرات من التي خرجت في 18 آذار وكانت مبشرة لعاصفة ثورية ستشمل كل أحياء المدينة فيما بعد، وخرجت مظاهرة أخرى صغيرة من مسجد الدروبي في باب هود، والتقت الجموع في ساحة الساعة الجديدة بحمص.
كنت قد جهزت نفسي للمواجهة فودعت أهلي دون أن أفصح لهم عن سبب القبلات والمعانقة غير المفهوم توقيتها، ولبست الجينز وحذاء رياضي، وحملت البيبسي من أجل القنابل المسيلة للدموع، كما علمني زملائي الصحفيين المصريين عبر الفيسبوك، ودسست خرقة في جيبي لأغلق بها السيارة التي ترش الماء، فقد علموني أن خرقة مبلولة توضع في (اشكمان) السيارة التي ترش الماء على المتظاهرين كفيلة بتحويلها لخردة حديد لا نفع منها، وكان السؤال الذي يسيطر عليّ في ذلك الوقت، كيف سأصل لهذه السيارة؟ ولم اتوقع أبداً أن يبدأ النظام معنا مباشرة بالرصاص الحي.
بعد انتهاء خطبة صميدعية عن الفتنة أشد من القتل، وعدم خروج أهالي حيّ مباشرة من مسجدنا، توجهت للسوق علني أجد شيئاً يزيح عني كآبة مفاجئة فشل توقعاتي بخروج المظاهرة من مسجد حينا، وهناك شاهدت السيارات التي تحمل صور بشار عند الساعة القديمة، وأشار بعض ركابها لطريق حماه وقال: (ليكوا الاسرائيليين)، فعلمت ضمناً أننا معشر المتظاهرين ضد النظام من قصد بتلك الصفة، فحثثت الخطا وشاركت ضمن الآلاف ممن شاركوا في ذلك اليوم، وكان الهتاف فقط ” حرية حرية ” ” سلمية سلمية ” ” بالروح بالدم نفديك يا درعا”، لا أستطيع وصف شعوري حينذاك، وكل ما اذكره عن تلك اللحظة فيض دموعي المنهمرة.
حين وصلنا لقرب شركة ام تي ان للخليوي، ركض البعض يريد تحطيمها، فركض البعض الاخر – وكنت منهم – وشكلنا جميعاً درع بشري حمى الشركة من يد العابثين، وحين ابتعدت المظاهرات عن المكان وقل عدد الناس وجدت شخصاً مضروباً، وقيل لي أنه عنصر أمن جنائي كان قد اندس بين المتظاهرين وحرض على تكسير المحل، بعد أمتار قليلة كان المتظاهرين قد رفعوا عقيد بالشرطة بحفظ النظام على اكتافهم، واصبحت الهتافات تطالب بإسقاط المحافظ. كان احترام النظام العام سمة واضحة لدى المتظاهرين، فلم يمشي أي أحد فوق المنصف العشبي في الشارع، ولم يقطع غصنا من شجرة في كل الطريق من الساعة القديمة إلى الساعة الجديدة، وهناك تكررت محاولة تحطيم مقر شركة سيرياتيل ومنع حاجز بشري التحطيم.
بعد قليل وصلت مظاهرة مضادة صغيرة تحمل صور بشار الاسد، وحاولوا اقتحام مظاهرتنا الضخمة جداً، فتصدى لهم شباب من مظاهرتنا، وضربوهم، حاولنا فك الاشتباك مع التذكير بسلمية المظاهرة ” سلمية يا شباب سلمية الله يرضى عليكم سلمية “، فنالنا النصيب الاكبر من الضرب من كلا الطرفين، ثم تابع المتظاهرين فلول المهاجمين، حتى سرافيسهم الموضوعة قرب نادي الضباط والتي جاؤوا بها من حي النزهة الموالي.
في الحشد عند الساعة الجديدة، صعد ثلاثة اشخاص فوق الاكتاف، وهتفوا للحرية واسقاط المحافظ والنظام، فمزق احدهم قميصه ومسك صليبه وأخد قرآن من أحدهم وهتف “اسلام ومسيحية كلنا بدنا حرية”، وصعدت فتاة سبور على الاكتاف وأصبحت تهتف ” الشعب يريد اسقاط النظام “، وجاءت سيدتين محجبتين في الاربعينات أو اكثر تلبسان المانطوا وهتفت احداهن ” يا سهير خبري طل الشعب السوري ما بينذل”، وكانت تقصد سهير الاتاسي المعتقلة حينها وطل الملوحي. كان بقربي الاخ الصغير لصديقي الحميم، هو شاب صغير عمره حينها لا يتجاوز 18 عاماً، فعانقني باكياً وقال لي ” يا أبو ناظم اقسم بالله ما عاد بدي شيء من هذه الحياة، خلص ما عاد بدي شيئ” ، وكان يقصد أن خروجه بمظاهرة ضد بشار الاسد كان أقصى أمانيه وقد تحققت.
في ذلك اليوم المجيد من أيام سورية حدثت القيامة، فقد قامت قيامة النظام وأصبحت الحرية، حرية الشعب السوري من نظام مافيوي حكمهم لخمسين سنة، حاول خلالها الشعب التحرر منه أكثر من مرة فناله ما ناله من قتل وتهجير وتدمير، حقيقة وليست خيالا، والفرق بين المحاولات السابقة لنيل الحرية وبين هذه المحاولة يكمن في توسع المشاركة الشعبية وخروج الثورة من شعب غير مؤدلج على عكس المحاولات السابقة، ويبدوا الفرق واضحا بين المحاولات السابقة التي لم يتبقى منها سوى بعض شهادات ممن عاصر تلك المرحلة، وبين هذه المحاولة التي وثقت بالصوت ولصورة اجرام هذه العصابة تحت مسمع ومرأى العالم أجمع.

  • Social Links:

Leave a Reply