كان 25/3/2011 يوماً فاصلاً بحياتي، فما بعده ليس كما قبله، فبعد خروجي بأول مظاهرة معارضة للنظام اضطررت للتخفي لفترة الشهر تقريباً، متنقلاً من مكان لآخر هرباً من مخابرات النظام التي بحثت عني، فكل نشاطي السياسي المعارض قبل الثورة كان عبارة عن توزيع منشورات ولصق ملصقات على الحائط بأقصى درجات السرية، وحضور الاجتماعات السياسية المعارضة، بالاضافة للانشطة المدنية كرئاسة نادي السينما والنشاط البيئي والكتابة الصحفية الناقدة بحدة طبعاً، ولم يكن بكل هذه ما يجعل مني غنيمة مهمة للمخابرات، بل كانوا يزورونني ويستدعوني ويخوفونني بأسلوب غير مباشر، وكان اعتقالي ضاراً بهم لأنه يخرجي من الظل للعلن، ويجعل مني بطلاً ومشهوراً دون أي فائدة لهم، واعتمدت على هذا التصور في عملي ما قبل الثورة، أما بعد بدء القيامة الحمصية فالأمر اختلف، لهذا لم أعود لمنزلي بعد المظاهرة، وطلبت من أحدهم في الأيام التالية مراقبة منزلي، فصدق حدسي، وعلمت أن المنزل مراقب من قبل عنصري مخابرات، يقف الأول على باب البناء حيث شقتي ويقف الآخر في أول الشارع، كما تم مداهمة مكتب والدي والسؤال عني، فاتخذت احتياطات زيادة فحفرت ونزلت لتحت الأرض بالمعنى المجازي، ولم يعلم مكان اختفائي أحد سوى الأستاذ منصور الاتاسي، وفي أول اسبوعين كنت حريصاً حتى على عدم رؤية الشمس، أو فتح نافذة الغرفة في المكان الذي اختفي به، كما حرصت على اطفاء جهاز الموبايل وفك الشريحة منه.
قصص مضحكة:
خلال فترة اختفائي متنقلا من بيت لآخر، جائني الصديق الذي اخفاني في منزله بحي عكرمة، وكنت اجلس مساء في دكانه بشكل طبيعي كي لا تثار التساؤلات، تعال نذهب للبيت بسرعة، فأبو فلان من السياسية قادم يريد تسليمي بارودة روسية، وعلمت أن الامن السياسي يقوم بتوزيع الأسلحة على بعض السكان الموالين لهم، بذريعة الخوف عليهم من المندسين، وكان صديقي لايريد هذه الخدمة منهم، فقد كان من ابناء الثورة، وهو الذي تحمل مسؤولية اخفائي وحمايتي بمنطقة موالية للنظام، متبعاً مبدأ الحرامي الشاطر يختبئ فوق سطح المخفر، علمت أيضاً خلال فترة اختفائي أن الشباب الذي اقتحم مظاهرتنا، جاء بهم الأمن السياسي من حي النزهة قرب العيادات الشاملة، وهم مجموعة من الشباب الزعران أو المعبأين ايديولوجياً وطائفياً، وشهدت بنفسي التعبئة الطائفية للنظام بين العلويين بفترة اختفائي نقلا عن الصديق الذي اختفيت عنده، وكانت القصص الآتية عن المندسين وسياراتهم قصص مضحكة وتدعوا للسخرية، وتوضح كم الخرافة والجهل الذي نعيشه، ففي أحد الأيام مرت سيارة جديدة وجميلة جداً تحمل نمرة طرطوس في حي وادي الذهب الموالي، وكان السائق مخموراً قادماً في آخر الليل من احد الملاهي الليلية، فخرجت له اللجنة الشعبية فهرب خائفاً منهم واصطدمت سيارته بحاوية القمامة، وحين أخرجوه منها وبعد تعرضه للضرب عرفوا من بطاقته الشخصية أنه موالي، وفي قصة أخرى جاء أحد الفلاحين ليلاً إلى الحي يحمل بقرة في سيارة نقل صغيرة يريد أخذها لسوق الدواب وبيعها، حينها لم يكن هذا الفلاح المسكين يعلم أن هنالك لجنة شعبية تتولي الأمن في الحي من المندسين، وحين خرجوا له فجأة خمن بتفكيره البسيط أنهم عصابة لصوص يريدون سرقة بقرته، فأخرج مسدسه من جرابه مطلقاً عدة طلقات بالهواء، معتقداً أن عصابة اللصوص ستخاف وتهرب، لكن أعضاء اللجنة الاشاوس تأكدوا من اندساسه بعد اطلاقه للرصاص، فهجموا عليه وضربوه ضرباً مبرحاً حتى فقد وعيه، وحين كانوا يفتشون ثيابه وجدوا بطاقته الشخصية، وعلموا أنه ليس مندساً كونه ينحدر من قرية موالية، فأسعفوه للمشفى، وحين استيقظ من اغماءه كان أول ما نطق به (وين البقرة؟).
Social Links: