ما بعد مجزرة الساعة ليس كما قبلها ..
زكي الدروبي
كنت قلقاً مما جرى في حمص، حاولت الاتصال بأهلي للإطمئنان عليهم ، لكن كانت الهواتف الخليوية كلها خارج التغطية، اتصلت بصديقي على هاتفه الأرضي، فجاوب فجأة بعد أن كانت كل أرقام الهواتف التي اتصلت بها قبل لحظات تعطي رنة مشغول . كنت قد خرجت من الفندق وتوجهت للمؤتمر وعرض علي القيمين عليه جولة مخصصة في الإيكاردا لي ولصديقي الصحفي المصري محمد يحيى محرر الشرق الأوسط في نيتشر، لكن كان ذهني مشوشاً تماماً ،ولا أستطيع فعل أي شيء بسبب القلق الذي استبد بي بعد عدم استطاعتي الإتصال بحمص للإطمئنان على الأهل والأصدقاء ومعرفة ماذا جرى ؟ لهذا اعتذرت عن المشاركة في هذه الجولة .
حين أجابني الصديق طمأنني على الأهل والأصدقاء وروى لي ما حصل وختم حديثه بـ تعال يا أبو ناظم شوف سيارات الإطفائية تغسل الدماء من الشوارع، تعال شوف زجاج الأبنية كيف كسر بسبب الرصاص، تعال شوف الجدران المحفورة من الرصاص … عندها لم أستطع التحمل ، وأقفلت الهاتف ، وبكيت فحضنني زميلي وصديقي المصري قائلاً: معلش هي ضريبة الدم التي يجب أن ندفعها كي ننتهي من هذه الأنظمة الجاثمة على صدورنا منذ أربعين عاماً .
فيما بعد علمت التفاصيل وعلمت خطورة ما جرى، فقد كانت ساحة الساعة الجديدة بحمص تعبر عن الوجه المدني الديمقراطي لحمص، وتعبر عن التنوع الذي كان يغني الثورة ويعمق أثرها بينما كان يرى النظام في هذا خطراً وجودياً عليه، فهو عمل منذ اللحظات الأولى للثورة – وما يزال يعمل – على تفريق الشعب السوري وإيقاع الفتن بين مكوناته، والدفع باتجاه اقتتال طائفي لا يبقي ولا يذر، وهذا الدفع كان يتماشى مع الرغبة الصهيونية في إغراق المنطقة بصراعات طائفية غير أخلاقية تريحها وتضفي الشرعية على مشروعها العنصري، فيما بعد علمت كيف زارت عناصر مخابرات النظام بيوت المسيحيين في شارع الحميدية ممن رشوا الأرز والماء على مشيعي جنازة شهداء مجزرة المريجة وما تلاها .
فبعد مجزرة المريجة تجمع عدة آلاف وانطلقوا في مظاهرة تندد بالنظام وقواته القاتلة، وحاولوا الوصول لتمثال حافظ الأسد يريدون تحطيمه انتقاماً للشهداء الذين قضوا، فأطلقت قوات النظام المتواجدة في مقر الجيش الشعبي ،في حي عكرمة الرصاص على المتظاهرين العزل، وارتقى على إثرها كوكبة أخرى من القتلى نحتسبهم جميعاً شهداء عند الله .
في اليوم التالي شيعت جنازات الشهداء من المسجد النوري الكبير ، وأعلن عن ثلاثة أيام إضراب حداداً على أرواح الشهداء . في الطريق لمقبرة الكتيب كان الحشد كبيراً جداً ، لم تعهده سورية بعهد الأسدين الأب والابن ، ومر الحشد في شارع الحميدية ذي الغالبية المسيحية ،فتضامن الأهالي مع مصاب وجرح المدينة وأغلقوا محلاتهم التجارية ورشت النسوة من على أسطح البيوت ، ومن على شرفات المنازل الأرز على المشيعين ، ورشوا الماء لتخفيف الحرارة ، وأطلقوا الزغاريد لموكب زفاف الشهداء ، كان هذا الفعل تعبيرحي عن وحدة ، وتماسك سكان المدينة ، وتضامنهم، كما كانت ساحة الساعة الجديدة تعبيراً عن تضامن كل حمص في وجه هذا القتل ، والإجرام من النظام، فبعد عودة المشيعين من دفن الشهداء استقر بهم المقام في ساحة الساعة الجديدة بحمص ، وأصبحت الساعة محجاً لكل أطياف حمص ، فأظهر التنظيم العالي لشباب الثورة ، وترتيب ، وتنظيف الساحة ، وسلمية ، ورقي شعاراتهم ، الوجه الحقيقي للثورة السورية في وجه محاولات النظام الطائفية بإيجاد شارع ضد شارع، شارع سني يتمثل في مناطق المظاهرات ” باب السباع والخالدية ..الخ ” مقابل شارع علوي ” الزهراء والنزهة و..الخ ” كما شارك في الإعتصام كل أطياف الحماصنة في حمص ، فكان مدير المنصة الأستاذ نجاتي طيارة جبناً إلى جنب مع الشيخ سهل جنيد ، وكانت كلمة لمحمود عيسى (العلوي) جبناً إلى جنب ، مع كلمات أخرى ، وكانت كلمة المرأة المحجبة وغير المحجبة جبناً إلى جنب مع كلمة الرجل .
هكذا كانت رمزية اعتصام الساعة الجديدة، وهكذا كانت خطورتها، فقد أسقطت كل ما كان يروجه النظام ويحاول إضفاءه كصفة للثورة ،كالطائفية، والمذهبية، والإرهاب، أسقطت الفتنة التي كان يسعى إليه النظام منذ بداية الحراك الثوري ولحينه، فتنة كان يراد لها أن تدمر حمص أولاً، وسورية تالياً، وتحرف الثورة عن أهدافها، لتدخل في نفق مظلم من القتل والقتل المضاد سعى إليه النظام بكل ما أوتي من قذارة ليشوه الثورة ويبرئ نفسه وينقذ نظامه.
Social Links: