يوم مختلف 5 ..

يوم مختلف 5 ..

ضرب التعددية في حمص ..

كنت قد شرحت كيف شارك مسيحيي حمص في مصابها، وطبيعي أن عناصر المخابرات كانوا خلال الجنازة يسجلون كل صغيرة وكبيرة، وفي اليوم التالي،وعلى أثر الأنباء المتواترة عن المجزرة الرهيبة التي حصلت عند الساعة الجديدة، استقبلت بيوت بعض مسيحيي حمص ممن رش الأرز، والماء زيارات من عناصر المخابرات، وهددوهم كما ذكرت سابقاً، واضطر مسيحيو حمص للإنكفاء تحت ضغط الخوف من النظام أولاً،وتالياً الخوف من بعض الشعارات التي خرجت، ورددها متظاهرون .

هذا الإنكفاء والخوف الطبيعي يمكن أن نجد له مبرراً، لكن إلتقاء أهداف البعض من المعارضة مع أهداف النظام ، لا يمكن أن نجد له مبرراً مطلقاً، ففي الحديث عن الوطن تذوب كل الغايات الحزبية ، وتتحول لرفعة، وتطور الوطن، ولا يحق لأحد أبداً البحث عن حصة في هذا الوطن، فالبعض من المعارضة رأى أنه لا يملك الأرضية التنظيمية التي تؤهله لتكون له الغلبة، فدفع الثورة للأسلمة، وغض النظر إن لم أقل تماهى مع دخول الجهاديين التكفيريين لسورية، وتشكيل المجموعات العسكرية المسلحة ذات الطبيعة الإسلامية، طمعاً في الظهور بمظهر الإسلام المعتدل الذي يمكن تبنيه، كان خطأ قاتلاً ويجب أن تحاسب عليه هذه المعارضة فيما بعد، وبهذا فهي تتحمل جزءاً من المسؤولية عن سفك الدماء .

أيضاً كان للممارسات الفردية لبعض المشايخ دوراً في هذا التخويف، فخروج الشيخ عدنان العرعور والترويج الكبير له، وإقتراحه لبعض الأفكار التي لباها الشباب الثوري بحماس، كان قد رافقه تسريبات لفيديوهات طائفية قديمة تسبق الثورة للشيخ نفسه من قبل مخابرات النظام، مع تأكيد أجهزة مخابرات النظام أن الشيخ العرعور هو قائد الثورة، وبدليل استجابة الناس له، وأن ما يجري ليس ثورة وطنية على الإستبداد والظلم والإفقار والتهميش، إنما هي مجموعات إرهابية سلفية وهابية تريد قتل المخالفين دينياً لهم، ومع إعلام قذر إستطاع النظام إخافة باقي مكونات الشعب السوري، خصوصاً في حمص، أيضاً جهد النظام كثيراً لبروزة المشايخ، وإبعاد السياسيين المعارضين ،أو المثقفين ،أو أياً من الشخصيات ،أو الوجهاء المدنيين المعروفين، فحين كان يعتقل النظام أي شخص، كان الشيخ يذهب لفرع المخابرات ليتوسط للمعتقل فيخرجه النظام فوراً، وكان يسمح لبعض المشايخ برفع الصوت عالياً، والإنتقاد بطريقة صاخبة، السماح كان يتم بغض النظر عنهم، وهذا كان يعطي ردة الفعل لدى الجمهور الشاب المتدين البسيط، فأصبح هؤلاء المشايخ هم قادة الثورة، وركن الشباب الذي خرج وأخرج المظاهرات الأولى على جنب، وبهذا إستطاع النظام بالتعاون مع بعض المعارضة، والمشايخ إضفاء صفحة الأسلمة على الثورة السورية، وهي الصفة التي رفضها شباب الثورة منذ البداية حين رفعوا شعار لا سلفية ولا إخوان في مظاهراتهم .

في تلك الأيام لم أفهم لعبة النظام، وتبادل الأدوار القائم بينه وبين الدول الإقليمية لتخريب ثورتنا، أو لنقل لم أكن امتلك الوعي الكافي في تلك الأيام لأفهم تلك اللعبة القذرة، وكنت ممن تورط وتماهى مع لعبة النظام، فقد أرسلت لشيخ علوي عرفته من خلال المهرجان المسرحي السنوي، المقام من قبل نقابة الفنانين، وكنت أتابع تلك المسرحيات، وأجلس مع القلائل ممن يستطيع الصمود لآخر جلسات النقاش بعد انتهاء العرض المسرحي، ونشأت بيننا صداقة كراسي المسرح، يومها قلت بداخلي لن أوسط شيخ سني كالشيخ سهل جنيد الذي سمحت له أجهزة الأمن بالتوسط للمعتقلين والإفراج عنهم، بل سأوسط صديق كراسي المسرح العلوي، وفعلا ذهب الشيخ حسن الحكيم – المتحول لاحقاً من رجل دين مثقف يتابع العروض المسرحية ويناقشها ويهتم بالأدب والفكر، إلى شبيح مجرم ركب الموجة المذهبية متحولاً لشيخ شيعي- لفرع أمن الدولة، وسأل عن سبب مداهمتهم لمكتب والدي رحمه الله بحثاً عني، وسبب وضع المراقبة على منزلي، فكان الجواب إجراءات بسيطة، نحتاجه لنسأله بضع أسئلة، وطلبوا منه أن يأتي معي ليسألوني ويخرجني بيده . أنا رفضت التطمينات، فالغدر من شيم أجهزة النظام، واستمريت بالإختباء . أيضاً تماهيت مع الشيخ العرعور ومقترحاته على القناة الدينية التي تبث من السعودية، وهي أحد أصدقاء الثورة المفترضين، وخرجت إلى الشرفة مع صديقي صاحب الشقة المختبئ فيها أنا، لنصيح الله أكبر في منتصف الليل. كنت سعيداً بالتعبير عن إعتراضي على النظام، وكنت قد تعودت على أسلوب المجاكرة مع النظام قبل الثورة، فرغم حرصي الظاهر على عدم الإصطدام مع أجهزة مخابرات النظام، فقد كان بداخلي قوة كراهية كبيرة له ولأجهزته القمعية، وكنت مستعداً للإنفجار بوجهها بأية لحظة، لهذا كانت سعادتي كبيرة، حين سمعت الروايات عن خوف عناصر حاجز باب السباع، وهروبهم ،وتركهم أسلحتهم ،وعتادهم حين بدأت حفلة التكبير لأول مرة، وكنت أسعد حينما تحولت حفلة التكبير لمظاهرة في منتصف الليل بحي التوزيع الإجباري مكان إختبائي ، ثم تحولت حفلة التكبير لمظاهرة يومية في حينا تحت المئذنتين في منتصف الليل أيضاً .

  • Social Links:

Leave a Reply