يوم مختلف 6 ..

يوم مختلف 6 ..

 استشهاد فواز الحراكي

في صباح يوم السبت التالي لمجزرة الساعة الجديدة، المتزامن مع عودتي لحمص من الإيكاردا، جائني اتصال يتساءل صاحبه عن صديقي فواز الحراكي رحمه الله، هل والد فواز اسمه عبد الحفيظ؟ أجبته بتساؤل آخر، لماذا هذا السؤال؟ فقال لي إن مآذن الحي تصدح بنعوة الشهيد فواز بن عبد الحفيظ الحراكي. لم تكتمل سعادة زوجتي ، وطفلتي في المرة الأولى منذ شهر تقريباً التي أجلس فيها معهما على مائدة الإفطار، بعد أن قضيت الوقت السابق كله في التخفي من مخابرات النظام، إذ ساءني الخبر، وتركت الطاولة باكياً، وكذلك زوجتي التي كانت تعلم مدى عمق محبتي ، وصداقتي ، وقربي من أبو عبدو رحمه الله. نعم فواز استشهد، هكذا كان جواب جميع من اتصلت بهم لأتأكد من صحة الخبر .

استجمعت قواي المنهارة بعد سماع الخبر، وقررت أنه حان وقت الخروج والمواجهة، ويكفي ما أهدرته في الهروب ، والتخفي من مكان لآخر، وذهبت لحضور جنازته .

في المسجد وأنا القي نظرة الوداع على جثمانه الطاهر عاتبته: كيف تذهب وتتركني؟ ألم نتفق أن نلتقي يوم السبت؟ ألم تقل لي ” يا هرابو وينك متخبي، تعال خلينا نلتقي”، أكنت تريد أن يكون لقاؤنا بهذه الطريقة، أنت في ديار الحق شهيداً جميلاً ، وأنا في ديار الباطل؟. غبطته على موقعه، وتمنيت لو كنت مكانه أو برفقته، وابتعدت باكياً لأشارك بالصلاة على جثمانه الطاهر، واستمع لتنبيهات الشيخ أنس سويد للمشيعين بخصوص تلقيه، وأهل الشهيد، تعليمات من المخابرات من أجل دفنه في مقبرة تل النصر، راجياً الناس الإلتزام بها، أي الانصياع لرغبة المخابرات في دفن الشهيد بمقبرة تل النصر بدلاً من مقبرة الكثيب، والتي أصبح يطلق عليها مقبرة الشهداء، وكان قد منع الدفن فيها منذ سنوات طوال، وتحول الدفن لمقبرة تل النصر خارج المدينة، لكن منذ بدء الثورة، عادت الناس لتدفن شهداءها في مقبرة الكثيب ، فسميت مقبرة الشهداء .

بعد خروج الجثمان من المسجد خطف المشيعون التابوت، وجالوا به في الحي بمظاهرة تحي روح الشهيد، وتندد بقاتليه، وكأنهم يجولون بالشهيد في الحي ليودعه، وليودع الحي الشهيد، ثم أكملوا باتجاه مقبرة الكثيب بمظاهرة حاشدة غاضبة، وكان هناك حاجز عند دوار باب تدمر، لمنع الوصول للمقبرة، واستطاع المتظاهرون تجاوزوه بتحد أسطوري، وتم دفنه في مقبرة الشهداء (الكثيب) غصباً عن النظام وأجهزته .

كان رحمه الله قيادياً بارزاً في مجموعة قاسيون الشيوعية، بقيادة قدري جميل، واختلف معهم بسبب الموقف من الثورة، فقد أصدر قدري جميل تعليماته بخصوص الثورة، تتضمن الإكتفاء بمراقبة المظاهرات والمتظاهرين عن كثب، وعدم المشاركة بالمظاهرات ، وبالثورة، فاصطدم رحمه الله معهم، متسائلاً: هل تريدون منا أن نكون مخبرين؟ وترك على إثرها مجموعة قدري جميل، والتحق بهيئة الشيوعيين السوريين، التي كان قرارها المشاركة بالثورة بكل ثقلها وكوادرها. كنت أعلم من الأستاذ منصور الأتاسي، أن العدوى الثورية ، والربيع العربي سينتقل لسورية ، ففي سياق حديثي معه عن زين العابدين بن علي، تساءلت، كيف لنظام يراقب الهواء ، والماء ، ولديه أحدث تقنيات المراقبة، كيف له أن يفشل في إخماد الثورة؟ وإيقاف المتظاهرين؟ فضحك ، وقال لي: يا عمو يمكن لهذه الأجهزة مراقبتي كسياسي معارض، ويمكنها مراقبتك كناشط، لكنها لا تستطيع مراقبة كل الشعب. حين يخرج الشعب لا تستطيع قوة في الدنيا أن تقهره، حينئذ تنتهي المسألة ، ولا يعود لتلك التقنيات ، والمراقبة أي جدوى . سألته عن توقعاته بالنسبة لسورية، فقال لي في ذلك الوقت، لا تستعجل ستأتي، فسألته هل سيكون مصيره كمصير زين العابدين أم مبارك، فضحك وقال لي هذا الجيش جيش عائلة الأسد، والمخابرات مخابرات عائلة الأسد، ولا يمكن أن تتوقع أن ينحازوا للثورة منذ بدايتها، وعلينا تقديم جهد كبير جداً، بل جهداً مضاعفاً قياساً بالجهود التي بذلت في مصر ، وتونس للنجاح في الثورة .

في ليلة استشهاده وزعت بيان نعوة للشهيد صادرة عن هيئة الشيوعيين السوريين على جدران أحياء حمص القديمة، على أبواب مساجدها، في ازقتها، كان السماء تمطر بشدة، وكأنها تواسي عيوني التي تبكي فواز وهي تبكيه أيضاً .

كنت أعلم أن فواز رحمه الله من منظمي مظاهرات حي باب السباع في ذلك الوقت، وبعد استشهاده قررت أن أعود لوجه الأرض وأتمم عمله، في البداية رغبت بالاستمتاع بالمظاهرة ، وأن أكون متظاهراً عاديا ً مثلي مثل أي شخص آخر، دون إشغال العقل والتفكير، لاحقاً تطور نشاطي الثوري عبر الزمن ، لأقدم نصائح لمنظمي التظاهرات عن الهتافات ، والشعارات ، وكيفية الحركة ، ثم تطور لتشكيل التنسيقيات فيما بعد .

  • Social Links:

Leave a Reply