كـراكــوز و عــيــــواظ ” الــفــانـــــوس ” (1/2) ..

كـراكــوز و عــيــــواظ ” الــفــانـــــوس ” (1/2) ..

رندة عوض 

التقى كراكوز وعيواظ بعد غربة سنين طويلة، تبادلا نظرات العتاب وتلألأت عيناهما شوقاً للوطن وغرورقت بالدموع قهراً عليه.جال عيواظ بنظره وطاف فامتقع وجهه كمن شرب سماً زعافاً، للمرة الأولى يرى دمارَ هيروشيما على أرض سورية ، بدا الشارع غارقاً بالهم والغم، ولا أحد مهتم. لا شيء سوى السماء تراقب الشر في الأجواء ، ولم يكن يعرف أنَّ المغول الذين خربوا بغداد أتو ثانية بحلة جديدة ليخربوا دمشق، بشعارات سخيفة وعبارات ترهيبية مخيفة. وما إن عرف ما جرى وسيجري حتى فاضت عيناه، ونزلت العبرات إلى شفتيه  فأدرك الحقيقة واختفت موهبته الدقيقة بإلقاء الحكم ،  وظن لوهلة أن اسمه عياذ لولا صوت كراكوز ذكره بأنه عيواظ !

كراكوز : أيعقل أن تكون هذه حارتنا ،أين أبناؤها أين جارتنا ؟!مؤكد أنه التلفزيون يصور برنامج ” برا الكركون”

 عند طرف الحارة  جثم بيت الجارة هامداً بلا حراك فتنهد عيواظ وتمتم : ألف رحمة ونور تنزل عليكِ ياست بدور. قرأا الفاتحة ثم مشيا بين الأنقاض التي كانت يوماً جنات و رياض ، قفزت مخيلتهما عشرين سنة للوراء فعادا طفلان صغيران اعتراهما شعور بالسعادة؛ يشبه الإحساس الذي كان يعتريهما أيام الطفولة، عندما يخرج الجميع للمرح وقضاء ساعات من الفرح ، ساعات ينعمون بها بالحرية.أصوات الضحك والنكات وأجراس الدراجات وباعة الحلويات وزقزقة العصافير ودقدقة المسامير ، قادتهم قدماهم لتفقد بعض البيوت . ها هم يقرعون نافذة العجوز بقوة وهم يغنون ” ست بدور ياست بدور وين فانوسك هل المسحور …”  ثم يهربون خوفاً من أن تحولهم بقدراتها السحرية إلى سلاحف وضفادع برية .

سادت دقيقة صمت فرت معها دمعة من عين كراكوز ياللعار كم كنا أشراراً . ركل الأرض وإذ بفانوس يتدحرج ويدور ويخرج منه مارد معفر بالتراب ورأسه محشو بجراب .( شبيك لبيك القاشوش بين إيديك).

أشرق وجه كراكوز وكأنما أطلت عليه الشمس وطبعت قبلتها على وجنتيه ، أما عيواظ فبدا أصغر سناً وكأنه طفل من الزمن الجميل، لمعت عيناه واتسعت مقلتاه كزهرتا أوركيد تتفتحان فحُلت عقدة لسانه وأخذ يلقي الحكم كرئيس بلديتنا السيد ” نغم” ، أما كراكوز فانفجرت الأمنيات من فمه كماسورة الصرف الصحي بالحي .

تململ القاشوش وتذمر ومشى وهو يتمخطر ثم قال : لم يبقَ سوى لحظات لتختاروا الأمنيات وأنا من يختار فأنتم مازلتم صغار .

كراكوز : أسمعنا ماعندك ياضرسان .

يلكزه عيواظ  أصمت  يا فهمان

المارد : تيمناً بأهالي حارتكم ووجهاء بلدتكم أختاروا موتاً يليق بقامتكم :

برميل متفجر

رصاصة قناص

دهس وسحل ونحر

ربط لسانهما وذهلا .. انتهى الوقت ثم سمع ضجيج  ولغط  دمممم .. دمممم .. دمممم .. عاد المارد إلى القمقم .

أصابت كراكوز نوبة هرج ومرج وصرخ أخيراً جاء الفرج ، نجونا يا عيواظ نجونا .

أدار عيواظ ظهره وسُمع صوته وهو يردد عبارة محمود درويش ” كل الذين ماتوا نجوا من الحياة بأعجوبة ”

كراكوز : أعد ما قلت ياعيواظ فأنا لا أفهم الألغاز …

 

يتبع …

  • Social Links:

Leave a Reply