الرياض 2 خطوة مهمة نحو مؤتمر وطني سوري جامع    أحمد مظهر سعدو

الرياض 2 خطوة مهمة نحو مؤتمر وطني سوري جامع أحمد مظهر سعدو

 

باتت اليوم وأكثر من أي وقت مضى، مسألة الدعوة إلى مؤتمر وطني سوري جامع أكثر إلحاحًا، وأكثر ضرورة، فبعد كل الذي جرى من انتكاسات ونكسات وهزائم، وبعد كل الذي مضى في مسار الثورة السورية، ثورة الحرية والكرامة، من تعرجات، واستدارات، لم يعد مقبولًا ولا معقولًا، الارتكان إلى هذا الواقع المتعثر، وهذه الانزياحات اللامنطقية، وتلك الارتماءات في أحضان الآخرين، حيث لا آخرين جديين أو أصدقاء حقيقيين لشعب سورية في ثورته المظفرة، إلا القليل.

واليوم ومع الدعوة الى عقد مؤتمر الرياض 2 هل يمكن القول إن هذا المؤتمر المهم من الممكن أن يكون خطوة في مكانها تدعم مسألة المؤتمر الوطني السوري الجامع، والذي يشكل محطة ترسم المستقبل السورين.

لقد بدأت المعارضة السورية لنظام الاستبداد المشرقي الأسدي، متحفزة للإمساك بناصية الفعل السياسي اليومي المباشر، في بداية الثورة، رغم كل العثرات، فقد استطاعت أن تنشئ ما سمي بالمجلس الوطني، ويوازيه في الداخل هيئة التنسيق الوطنية، ثم وفي لحظة ما جاء الائتلاف لقوى الثورة والمعاضة، ليتجاوز كل ما مضى في محاولة جديدة لتخطي العثرات والأخطاء، التي ما برح المعارضون يقعون فيها، رغم كل الدعم الشعبي الداخلي على الأرض، ورغم كل الدعم المادي من الخارج، ثم جاءت الهيئة العليا للمفاوضات ليعتبرها البعض بيضة القبان والهيئة الممسكة جماعيًا بمفردات المفاوضات مع الكيان الأسدي الغاصب للأرض والوطن، ونتيجة الخلافات المتتابعة والمرجعيات المتعددة المصالح، وفي ظل مجتمع دولي خذل الشعب السوري وقواه، لم تجد أية إمكانية حقيقية لإنجاز ما هو موكل لها في مستقبل الأيام، وراحت تتخبط بين جنيف الفاشلة، وأستانا المنسحبة منها، بل والمنافسة لها والتي أرادت فصل السياسي عن العسكري بهمة الدولة الروسية، التي لم تجد سوى ذلك، للانقضاض على مسارات جنيف المتتابعة، بحيث لم يبق من جنيف إلا اسمها، فباتت كل تنوعات المعارضة في محطاتها المختلفة، ومنصاتها المتعددة، وحراكها السياسي، ورحلات الصيف والشتاء التي تبعتها، و(ديمستورا) المبعوث الأممي المتهالك، والدائر حول (سلات) ليست بين يديه، ولا يملك منها سوى الكلام، وطرح المبادرة تلو المبادرة، دون أية قدرة على الوصول إلى سكة جنيف الأولى، التي بدأتها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي البائس.

كل هذا وذاك وفي سياق العبث المتواصل، والخذلان الكبير لمسار الثورة السورية والقضية السورية برمتها، كقضية حرية وتحرر من ربقة هدر إنسانية الإنسان، التي أضحت مستباحة من قبل القاصي والداني، من الروس إلى الإيرانيين إلى حزب الله ومن لف لفهم من ميليشيات طائفية مستأجرة من كل بقاع الدنيا، إلى النظام السوري المتلطي على أبواب الخارج، والراهن نفسه وسلطته لعشرات السنين إلى دول خارجية، لها مصالحها في الوطن السوري المترنح في كل المنحنيات.

هذا الوضع المتكئ على تشظي حقيقي في بنية المعارضة السورية، وفي أنساقها السياسية التي تعود في بعض منها إلى فكر ما قبل وطني، بل ما قبل مناطقي، جعل من الضرورة بمكان الذهاب إلى مؤتمر الرياض 2 الذي سوف يجمع كل المنصات دون التخلي عن إسقاط الأسد وعدم القبول به في أية مرحلة انتقالية أو سواها، وهو سيكون توطئة إلى عقد مؤتمر وطني جامع وهي مسألة ملحاحة، وجد مستعجلة، عساها تتمكن من الإمساك بأدوات العمل الوطني الممكن والمتاح، ولتخرج الواقع السوري من عنق الزجاجة، الذي آثر البعض وضع نفسه فيه، دون أي وازع وطني ينشد دولة الحق والقانون، أو يساهم في بناء دولة الديمقراطية والمواطنة.

المؤتمر المطلوب اليوم بعد نجاحٍ مفترض لمؤتمر الرياض 2، لا يقصي أحدًا من الذين ما زالوا ينتمون إلى الوطنية السورية الجامعة، ويقارعون البغي الاستبدادي الأسدي، وعبر كل الوسائل المتاحة السياسية أو العسكرية أو ما بينهما.

ما هومهم في العقل الجمعي المطلوب البناء عليه، أن يلتقي الجميع على خط وطني وهوية وطنية جامعة، وعقد وطني متماسك، يُبنى على أساس المواطنة أولًا وآخرًا، ويرفض أية عمليات تقسيم لهذا الوطن السوري، مهما كانت الأسباب أو المبررات، ويعيد نقاش المسبقات أو المقدسات، فلا مسبق ولا مقدس ولا مطلق ولا أزلي إلا الله، وما عدا ذلك فنسبي وتاريخي، نحن منه حركة وعي إنساني يتقدم، ونحن فيه حركة جدال. والاتفاق على ذلك يكون الخطوة الأولى نحو الإمساك بطريق النصر، وساعتها لن يستطيع الخارج أن يلعب بالقضية السورية كما يشاء، ولن يتمكن أحد ما أي أحد، من العبث في المسار السوري المتوجه نحو وطن واحد موحد، لا إمكانية فيه لأي متخاذل أو مستبد، ولا حراك فيه لأي فصيل أو تيار سياسي أو تجمع أو حزب، بأن يأخذ الوطن لوحده، وليبنيه على قده ومقاسه، مهما كان يملك من آليات وأدوات للهيمنة والسيطرة، حيث لا هيمنة لأحد إلا ما تفرزه صناديق الانتخاب الحقيقية النزيهة وغير المزورة، وهي الملاذ والمبتغى لكل سوري عانى ما عاناه من قمع وهدر لإنسانيته، على مدى حكم آل الأسد منذ سرق حافظ الأسد السلطة في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، ثم خطف الوطن بقضه وقضيضه فيما بعد، ومحى معه كل مسارات الحرية في الوطن السوري، بل إن يده الآثمة (وعبر دوره الوظيفي في المنطقة) تساهم في استمرار نزيف الدم في لبنان، ولتدمر القضية الفلسطينية كلية، وتعبث في الواقع العراقي، وتلغي السياسة من المجتمع السوري نهائيًا، وتنتج دولة أمنية يحكمها ضباط الأمن وحواشيهم، ولنصل إلى ما وصلنا إليه بعد ذلك من مآلات، على يد حافظ الأسد، ثم ابنه، عبر 47 عامًا من العهر السياسي الاستبدادي الشمولي.

لن نصل إلى وطن حر بحق، وذو كرامة فعلية، إن لم نلتق جميعًا على أسس جديدة ومتجدده، في الرياض 2 وما بعده من أجل وطن حر، يقبل الجميع، جميع أبناء الوطن، بكل أثنياته وطوائفه، من أجل سورية حرة موحدة تسود فيها دولة المواطنة بلا حاكم مستبد.

  • Social Links:

Leave a Reply