مائة عام على ثورة أكتوبر الروسية.. جردة حساب – سمير سعيفان

مائة عام على ثورة أكتوبر الروسية.. جردة حساب – سمير سعيفان

 مائة عام على ثورة أكتوبر الروسية.. جردة حساب

سمير سعيفان

 

ينقضي اليوم، 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، قرن على اشتعال الثورة الروسية، وهي تمثل، مع الثورة الفرنسية، أعظم ثورتين في العصر الحديث. فكما أن الفرنسية وضعت أسس الدولة الحديثة التي نعيشها اليوم، فإن الروسية أدخلت بقوة الجانب الاجتماعي وموضوعات العدالة في التنظيم السياسي والاقتصادي والاجتماعي في برامج الأحزاب والحكومات، وجعلته جزءا من ثقافة المجتمعات. 

لكن، بينما نالت الثورة الفرنسية كثيرا من البحث والتحليل الموضوعيين، لم تلق الثورة الروسية مثل ذاك الاهتمام، فيوم كانت قائمة على مدى سبعة عقود (1917 – 1991) كانت معظم المواقف تجاهها والتحليلات التي تكتب عنها منحازة بقوة معها أو ضدها، وبعد أن سقطت في العام 1991 اتسمت المواقف حيالها بالشتيمة والتشفي والتخلي. 

بغض النظر عن الموقف تجاه الإيديولوجية التي قامت عليها “ثورة أكتوبر”، وتقييم طبيعة الحكم الذي أقامته، فقد استطاعت روسيا بنتيجتها أن تقف على رأس معسكر سياسي واقتصادي وإيديولوجي منافس لمعسكر الرأسمالية سبعة عقود، بل أن تشكل تهديدًا حقيقيًا له، ما مكّنها من أن تترك آثارًا كبيرةً في صياغة النظام السياسي والاجتماعي العالمي من قبل وحتى اليوم. فالعالم 1991 اختلف كثيرًا عن العالم 1917، وبالطبع، ليس بتأثير ثورة أكتوبر وحدها، لكنها لعبت الدور الرئيس فيه، فقد كانت سمة العصر بعد 1917 هي الصراع بين النظامين والمعسكرين الاشتراكي والرأسمالي. وتحاول هذه السطور تلمس بعض تأثيراتها. 

بعد قيام هذه الثورة، وعلى صعيد الأنظمة في الدول الرأسمالية الغربية، وخصوصا في أوروبا، نمت التيارات السياسية المنتظِمَة في أحزاب اجتماعية تتبنى توجهاتٍ تركّز على العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل والثروة، وعلى حقوق المشتغلين في مواجهة رأس المال، كما شهدت الحركة النقابية قوة دفع جديدة، وجرأةً في رفع مطالبها ضمن مناخٍ مشجّع أحدثته تلك الثورة. وبالتالي، كان لها أثر حاسم في حصول المشتغلين على أجور وحقوق عمل أفضل، كما دفعت أنظمة رأسمالية عديدة إلى أن تقدم التعليم المجاني، وتؤمن عبر أشكال من التأمين خدمات صحية للجميع، بغض النظر عن مستويات الدخل، ما أخرج تلك المجتمعات من استقطاباتها السابقة، حيث كان من لا يملك مالاً يكاد يحرم من التعليم والصحة والسكن. 

على صعيد دول العالم الثالث، ساند ذلك المعسكر حركات التحرر الداعية إلى الاستقلال من الاستعمار، بل وقدم لها الدعم بالسلاح إلى جانب دعمها الإعلامي والسياسي، وفي أروقة الأمم المتحدة. وشهد العالم موجة استقلال المستعمرات السابقة، وخصوصا بعد الحرب العالمية  

“استطاعت روسيا بعد الثورة أن تقف على رأس معسكر سياسي واقتصادي وإيديولوجي منافس لمعسكر الرأسمالية سبعة عقود” الثانية، ونالت جميع الدول المستعَمَرَة (بفتح العين) استقلالها. وعلى الرغم من أن الشروط العالمية تغيرت، واقتنعت الدول الاستعمارية أنه يمكنها أن تحقق مصالحها بطرق أخرى غير مباشرة، ولكن ما أرغمها على التفكير بهذه الطريقة هو الوضع السياسي العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، وكان أبرز تلك الظروف تحول الاتحاد السوفيتي إلى “معسكر اشتراكي/ شرقي”، ما شجّع على قيام ثوراتٍ تقاتل من أجل التحرّر من الاستعمار في بلدان عديدة، كما حرّض من أجل قيام الثورة الشيوعية في الصين، والتي كانت الثورة الروسية ملهمتها. وبالنتيجة، أصبحت الصين اليوم ثاني اقتصاد عالمي بعد الأميركي، وتجتهد لتتجاوزه، ربما خلال عقدين مقبلين. كما تحضّر نفسها لدور عسكري وسياسي أكبر في المستقبل القريب. 

لعل من أبرز نتائج ثورة أكتوبر الروسية، وما جرّته خلفها من ثورات وتغيرات على الصعيد العالمي، أن دول العالم الثالث استطاعت أن تقوم بتأميم شركاتٍ استعماريةٍ، كانت تستغل خيراتها، وخصوصا في الصناعة المنجمية، وصناعة استخراج النفط والغاز. فنتيجة لهذا الوضع العالمي، قامت في سبعينيات القرن الماضي موجة من لتأميم قطاع النفط والغاز واستيلاء الدول الوطنية على القطاع، بدلاً من الشركات التي استولت على هذا القطاع في فترات الاستعمار. فأصبح عائد تلك القطاعات يصبّ، في معظمه، في خزائن الدول الوطنية، بدلًا من خزائن الشركات الاستعمارية السابقة. ولولا وجود المعسكر الاشتراكي، لما تجرأت أي دولة على تأميم هذه القطاع. فدرس حكومة مصدق في إيران 1952 كان ماثلاً أمام الجميع، حين قلبت شركة شل حكومة مصدق وأعادت الشاه، بعد أن أقدمت تلك الحكومة على تأميم قطاع النفط الإيراني عام 1952، حين كانت روسيا تلملم جراح الحرب العالمية الثانية، ولم تكن تملك القوة والتأثير الكافيين بعد، ولم يكن المعسكر الاشتراكي قد اكتسب قوة كبيرة بعد. 

لقد دفعت الثورة الروسية مفاهيم المساواة بين البشر ضمن المجتمع الواحد، وبين مجتمعات الأرض، بغض النظر عن اللون والجنس والقومية والدين (فالأمير والفقير، الأسود والأبيض جميعهم ولدوا بالطريقة نفسها والأدوات نفسها). كما وضعت الثورة الروسية حقوق المرأة على برنامج الأحزاب والقوى المجتمعية، وبالتالي نالت المرأة كثيرا من حقوقها. 

على صعيد الفن والأدب والسينما، حرضت الثورة الروسية، وما أحدثته وراءها من تغييرات، تيارًا إنسانيًا مهيمنًا يدعم العدالة، ويدعم قضايا الشعوب، ويعد الدور الروسي الحاسم في هزيمة النازية وبروز المعسكر الاشتراكي، محفزا لنشوء تيار يساري جارف، ضم روائيين وشعراء وسينمائيين ومفكرين ومثقفين كباراً على مستوى العالم، وأصبح الفكر الماركسي الأبرز عقودا، وخصوصا بين خمسينيات القرن العشرين وسبعينياته. ولم يكن هذا التيار بتلك القوة قبل الثورة الروسية، وبدأ بالتراجع بعد سقوطها. 

بالقطع، لا يمكن أن ننسب كل ما حققته البشرية في القرن العشرين للثورة الروسية. ولكن، لا يمكن إنكار الدور الكبير والحاسم الذي لعبته، وهو الدور الذي لم يدرس بعد. فما ساعد الثورة الروسية على إطلاق كل هذا التحولات العالمية أنها لم تأت حدثًا منفردًا من فراغ، بل كانت نتاج حركة ثورية بدأت بالنمو والتصاعد في الدول الأكثر تطورًا في أوروبا الغربية والعالم حينذاك، منذ منتصف القرن التاسع عشر، وتبلورت في اتجاهات ونتاجات فكرية وتنظيمات سياسية قوية، انتظمت أحزابها في منظمات أممية، وتعد “الاشتراكية الدولية” استمرارًا لتلك النهضة الثورية، بغض النظر عن التحولات الأيديولوجية والفكرية والسياسية والتنظيمية لهذه الحركة، وهي حركة تضم اليوم أكثر من 160 حزبًا في القارات الخمس. 

ولا أدل على الدور الذي لعبته الثورة الروسية من أن ضعف المعسكر الاشتراكي الذي بدأ بالبروز منذ سبعينيات القرن العشرين، ثم انهياره في نهاية ثمانينياته، قد حرّض موجةً من  

“من نتائج الثورة أن دول العالم الثالث استطاعت أن تقوم بتأميم شركات استعمارية، كانت تستغل خيراتها” العودة إلى ليبرالية متوحشة، تمنح كل شيء لرأس المال، ولا شيء للمشتغلين إن استطاعت، وبدأت الرأسمالية تسترد تلك الامتيازات التي اضطرت لمنحها من قبل. ولكن أفكار المساواة والعدالة التي ترسخت في ثقافة الناس، والنظام السياسي الديمقراطي الذي يجعل أصوات الناس تَرفَعْ الحكام إلى سدة الحكم تشكل اليوم درعًا واقيًا في مواجهة الهجوم المستمر لتقليص مكاسب المشتغلين، من أجل زيادة حصص أصحاب الربح في الثروة والدخل وتوزيعهما. ولكن لم تستطع العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل الثورة الروسية، فقد أصبح هذا جزءًا من ثقافةِ تلك المجتمعات ومعتقداتها الراسخة التي لا تستطيع قوى الرأسمال النيل منها أكثر. 

لقد مثلت الثورة الروسية التجربة الكبرى الأولى التي تبيّن أن في الوسع إيجاد نظام سياسي اقتصادي اجتماعي بديل للنظام القائم على الملكية الخاصة الكبيرة الاحتكارية لوسائل الإنتاج والقائم على تقديس الربح. وإن فشلت تلك التجربة، فإنها تبقى، كأي تجربة فاشلة، مقدمة لمحاولات أخرى، تتجنب أخطاءها وتبني على ما قدمته من دلالات إيجابية. 

الدرس الأهم في نتائج قيام الثورة الروسية، والدور الذي لعبته سبعة قرون، هو أهمية التعدّدية القطبية في العالم من أجل التخفيف من آثار الاحتكار السياسي والعسكري على الصعيد العالمي، وتغول القوة العظمى الأوحد، أيا كانت هذه القوة. والخشية اليوم أن يؤدي صعود الصين إلى الترويج مرة أخرى للنموذج الشمولي السياسي الذي يقمع الحريات العامة وحقوق الإنسان والحقوق الاجتماعية أيضاً، على الرغم من أن النظام الصيني اليوم أقل شموليةً وتشددًا من نظام ماو تسي تونغ، وأكثر انفتاحًا، وخصوصا على الصعيد الاقتصادي. ولكن الأثر السلبي ما يزال ماثلاً مع صعود الدور الصيني. 

نعم ولكن… 

لن يكون استنتاجنا هو التعلّق بوهم عودة ثورة أكتوبر الروسية، أو ما يماثلها، فالنظام الذي أقامته سقط، وسقط لأنه فشل، وفشل لأن عيوبه، مع استمرار الوقت، زادت عن نقاط قوته، فخسر الرهان مع الرأسمالية. 

كان من سوء طالع الثورة الاشتراكية أنها قامت في روسيا الأقل تطورًا صناعياً وذات التاريخ الاستبدادي المديد. وكان لينين ورفاقه يعتقدون أن ثورتهم ستكون “الصاعق” الذي يفجر قنبلة 

“وضعت الثورة الروسية حقوق المرأة على برنامج الأحزاب والقوى المجتمعية” الثورة الكامنة في بلدان أوروبا الغربية. وفعلاً قامت الثورة في ألمانيا في 1918، وأدت إلى قلب السلطة الألمانية في أغسطس/ آب 1919 وقيام “جمهورية فايمر”، لكن هذه الجمهورية لم تأخذ منحى راديكاليًا كالثورة الروسية، ثم تم وأدها في 1923، وبقيت الثورة الروسية وحيدةً حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد كان هذا، إضافة إلى الهجوم العسكري على الثورة من دول أوروبا الغربية، ثم الحصار الذي فرضته عليها تلك الدول، وإضافة إلى بذور الاستبداد في أفكار ماركس ولينين. وقد دفعت جميع هذه العوامل ثورة أكتوبر إلى التشكل في نظام سياسي شمولي مستبد، كَتَمَ أنفاس الناس، ومكّن جهاز الأمن من رقابهم، وإقامة دولةٍ متغولةٍ التهمت كل شيء، عكس أفكار ماركس الذي تحدث عن اضمحلال الدولة جهازا طبقيا، وأقامت سلطة الحزب الواحد بدلًا من سلطة الشعب “السوفييتات” التي كانت شكلية، فقد التهم النظام فردية الإنسان وحريات الناس وكراماتهم، فقتل قدراتهم الإبداعية. 

على الصعيد النظري، أثبتت التجربة السوفييتية أن الإدارة المركزية الصارمة، والدولة الشمولية، هي نموذج فاشل اقتصاديًا، إذ يقتل قدرات الاقتصاد الإنتاجية، خصوصا أن الثورة الروسية ونموذجها السوفييتي قد تبنّى فكرة بالية عن دور التكنولوجيا ودور قطاعات الخدمات، وصاغ فهمًا خاطئًا لقيمة العمل الذهني، ودور الاستهلاك في تحفيز الإنتاج وتطويره، فتراجعت قدراته الاقتصادية منذ سبعينيات القرن العشرين. 

لأنه صلب وجامد، فَقَدَ النظام السوفييتي قدرته على التغيير، ويبدو أنه قد فرّخ بيروقراطية معادية للتغيير أكثر مما أنتج قوى مؤيدة له، فأجهض أي توجه نحو التغيير الذي بدأ مع فترة خروشوف في المؤتمر الـ 20 للحزب الشيوعي السوفييتي، بعد وفاة ستالين 1953، ولكن البيروقراطية الروسية قيّدت قدرات خروشوف على التغيير، ثم أزاحته سنة 1964 وورثه البيروقراطي بريجينيف الذي بقي في منصبه حتى بلغ من العمر أرذله، وتوفي في عام 1983. وعندما حاول غورباتشوف الإصلاح مع البيروسترويكا بعد 1985، كان الوقت متأخرا من جهة، وارتكب الخطأ القاتل، حين أراد الإصلاح دفعةً واحدةً، والانتقال من النظام السوفييتي الشمولي إلى نظام ليبيرالي غربي بين ليلة وضحاها، فانقلب النظام القديم برمته، وحل محله نظام مافيوي فاسد، نهب روسيا وخيراتها، وما زالت امتداداته مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حتى اليوم. وهو عكس ما فعلته الصين مع دينغ تشاو بينغ منذ 1978 التي اتخذت منهجًا تدريجيًا في التغيير لم يتوقف حتى اليوم. 

لكن التاريخ لا يتوقف هنا ولا ينتهي، فليس له نهاية، وستبقى البشرية تضع نصب عينيها القضايا الكبرى التي تحتاج إلى حلها من أجل حياةٍ أفضل، ولا يوجد من هو أكبر وأعرض من قضية تحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة بعدل، و”ربط حصة الفرد من الدخل بمقدار مساهمته في إنتاجه” ربطًا عادلا. ولكن، لن يتم هذا الربط من سلطة يفرضها نظام انقلابي شمولي، يأتي عبر ثورة عنيفة أو انقلاب عسكري، بل عبر صناديق الاقتراع في نظام ديمقراطي، يختار فيه الناس بدائل ممكنة، ويدعمون خيارات اقتصادية وسياسية واجتماعية، تتم صياغتها عبر المزج بين التجريب وصياغة نماذج نظرية جديدة، تهدف إلى تحقيق الديمقراطية الاقتصادية، لتقترن بالديمقراطية الاجتماعية، على الرغم من أن مثل هذه التجارب والتنظيرات ما تزال ضعيفة ومشتتة، ولكنها واعدة.  

أو ًلا: مراجعة الأدبيات 

يثير تعريف رأس المال الاجتماعي وقياسه العديد من الإشكاليات التي تتعلق بالمفهوم ذاته الذي تعدد وتنوع وضاق وتوسع حسب أهداف الدراسات التي اهتمت بهذا المفهوم. كما واجه الباحثون إشكالية في قابلية مفهوم رأس المال الاجتماعي للقياس الكمي وإيجاد المنهجية المناسبة لدراسته وإلى أي درجة يمكن للتحليل الكمي ولنتائج المسوح أن تفسر حركة المجتمع وعلاقاته. 

إن أهم مرتكزات رأس المال الاجتماعي هي العلاقات والشبكات والروابط الاجتماعية التي تتميز بديناميكيتها واختلافها وتنوعها من مجتمع لآخر حتى داخل البلد أو المنطقة الواحدة مما يصعباختزالهاوتلخيصهاكميًابشكلكامل.ولكن هذا لا ينفي قابلية قياس جوانب مهمة من رأس المال الاجتماعي ومكوناته وتحديد علاقته بالمتغيراتالمتنوعة.لذلكأكدتمعظمالدراسات على ضرورة التوسع في البحوث الميدانية والمقابلات المعمقة مع أصحاب الاختصاص وتنظيم العديد من الحوارات المتقدمة لتعميق فكرة رأس المال الاجتماعي التي تساعد على فهم المجتمع بكافة طبقاته وجماعاته وأفراده، وبالتالي تساعد في البحث عن الطريقة المناسبة لتنشيطه بما يخدم الصالح العام ويساعد المجتمع للخروج 

من الأزمات التي تعصف به. 

بدايات تشكل المفهوم (بورديو، كولمان، بوتنام) جذب مفهوم رأس المال الاجتماعي العديد من الباحثين، حيث تتمثل أهميته في التركيز بشكل أساسي على النواحي الإيجابية من تفاعل أفراد المجتمع وجماعاته فيما بينهم، أكثر من الاهتمام بالنواحي السلبية. كما يحاول أن يلفت النظر إلى أشكال غير نقدية من رأس المال يمكن أن تكون مصدرًاللنفوذوالسلطةمنجهةولكنهاأيضًاباب جديد لإيجاد حلول غير اقتصادية للكثير من المشاكل الاجتماعية الراهنة (بورتيس، 1998). 

وتتضمن أدبيات رأس المال الاجتماعي طيف واسع 

من التعاريف والمفاهيم وطرق القياس، وقد ساهمت العديد من الدراسات في تطوير هذا المفهوم عاكسة أهمية المحور الاجتماعي في العملية التنموية. إلا أن الكثير من الباحثين اعتبروا رأسالمالالاجتماعيقيمةنهائيةبحدذاته،وبذلك ركزت الأدبيات بشكل رئيسي على عدد ونوعية معينة من المتغيرات لشرح هذا المفهوم (فاين، 2010)دونالبحثفيدورهالتنمويمفاهيميًا وتطبيقيًا.كماعرفتماريأوستنعام1918رأس المال الاجتماعي كمقياس لإمكانيات المجموعة 

(فار، 2007). 

انطلق العالم الفرنسي بيير بورديو (1983) من فكرة أن هناك رأسمال غير اقتصادي، وقارن رأس المال الاجتماعي بأشكال أخرى من رأس المال الاقتصادي والثقافي والرمزي. كما قارنه بمفاهيم اجتماعية أخرى كالسلطة، ولكنه أكد أن رأس المال الاجتماعي يمتلك ميزة فردية يستطيع الفرد حيازتها من خلال “أفعال هادفة” ويستطيع تحويلها إلى مكاسب اقتصادية حسب نوع الروابط والعلاقات والشبكات الاجتماعية التي يمتلكها هو نفسه وحسب قوة وثبات واستدامة هذه العلاقات (نصر وهلال، 2007). بشكل مماثل، يقدم غراي بيكر فهمًا لرأس المال الاجتماعي على أنه التفاعلات الفردية العقلانية التي تمتلك القابلية لأن تكون 

رأسماًلااجتماعيًا(بيكر،1996). 

من جهة أخرى قّدم كولمان بعدًا مؤسساتيًا لمفهوم رأس المال الاجتماعي على أنه خيار عقلاني مرتبط مع التنمية الاقتصادية، وركز تعريفه 

على الثقة بين الأفراد وبين الأفراد والمؤسسات كمكون هام من مكونات رأس المال الاجتماعي والذي يعكس مبدأ المعاملة بالمثل في المجتمع وربطه بالديمقراطية والتنمية الاجتماعية. وأكد بشكل واضح في تعريفه لرأس المال الاجتماعي أنه مجموعة من الموارد المباشرة وغير المباشرة التي تنتج عن الشبكات الاجتماعية ضمن العائلة والأصدقاء وأعضاء المجتمع بشرط توفر عامل 

الثقة (كولمان، 1988). 

وقدأخذتالثقةلاحقًاجانبًامهمًافيأدبياترأس المال الاجتماعي وخاصة أواخر التسعينات، ومن أبرز من َكَت َب في هذا المجال فوكوياما الذي ميز بين نوعين من المجتمعات، الأول المجتمع الأبوي الذي يستند على الروابط العائلية والعشائرية، والنوع الآخر المجتمع الذي يستند إلى الثقة العالية التي تتصف بها نماذج متنوعة من التفاعلات الاجتماعية التي تعزز انتماء الأفراد لأكثر من جماعة 

(فوكوياما، 1999). 

من جهة أخرى، عرف بوتنام رأس المال الاجتماعي كفضيلة مدنية تتمثل بسلوك الأفراد، وتعتمد على المشاركة السياسية واحترام القانون والتعاون. وأضاء هذا التعريف على العلاقة بين الديمقراطية والمجتمع المدني، والحوكمة الجيدة، والتنمية المستدامة. واعتبر بوتنام أن رأس المال الاجتماعي هو تفاعل بين الأفراد والشبكات الاجتماعية والمعاملة بالمثل ومستوى الثقة التي تؤسسها هذه الشبكات الاجتماعية. لذلك تعتبر المشاركة السياسية والتعاون المتبادل من أهم مؤشرات رأس المال الاجتماعي وإن تراجع هذه المؤشرات يشير 

إلى تراجع رأس المال الاجتماعي (بوتنام، 1995). 

من أهم الانتقادات التي وجهت إلى تعريف بوتنام لرأس المال الاجتماعي أنه يتأثر بعوامل خارجية كالسياسات الحكومية أو بأسباب غير قابلة للتنبؤ مثل التدخل الخارجي (الفساد والحروب)، والذي يساهم في تراجع المشاركة السياسية للأفراد. كما أنه من الصعوبة القياس والتحكم بخيارات الأفراد التي تعكس تفضيلاتهم، وبالتالي ما اعتبره بوتنام تراجع في رأس المال الاجتماعي قد ُيفسر بخيارات الأفراد المختلفة للتعبير عن قيمهم. وقد أشار 

نافارو أن ما فسره بوتنام على أنه تراجع في رأس المال الاجتماعي ضمن نقابات العمال في الولايات المتحدة، إنما هو انعكاس للقمع ولتغيير توازنات القوى الطبقية، وليس تدهور في القيم الثقافية والاجتماعية (نافارو، 2002). كما اعتبر غريكس 2001 وأوري 2002 أن المفهوم والمؤشرات التي اعتمدها بوتنام تتجاهل حقبة الثورة التكنولوجية التي أثرت على طريقة حراك الأفراد وقنوات التفاعل 

والمشاركة في الحياة الاجتماعية. 

إن تحليل بوتنام لرأس المال الاجتماعي طرح العديد من الأسئلة حول تأثيره في المجتمع، فعلى سبيل المثال من الصعب تفسير انخفاض مؤشر الثقة، فقد يعزى إلى ضعف الأداء المؤسساتي أو ضعف الثقة بالحكومة أو بالنظام ككل (نصر وهلال، 2007). وفي هذا السياق وجد اليسون ولافيريرا (2002) أن من أهم العوامل التي تؤثر في مؤشر الثقة الانتماء لجماعة تعرضت تاريخيًا للتمييز أو طبيعة الخصائص الفردية لأفراد المجتمع من دخل 

وتعليم أو درجة التجانس في المجتمع. 

لقد استخدم مفهوم رأس المال الاجتماعي لدى كولمان وبوتنام وفوكوياما في التسعينات باعتباره تعبيرًا عن الشعور بالثقة تجاه الآخرين وتعبيرًا عن قيم التضامن والتبادلية والأهم من ذلك أنه اعتبر رأسما ًلا مجتمعيًا وهذا ما ميزه عن تعريف بورديو الذي اعتبره رأس مال فردي، يتحدد بما يملكه الفرد من شبكات وعلاقات ومعارف تمكنه من اكتساب مزايا متباينة ناتجة عن التباين في ملكية الأفراد 

لهذا النوع من رأس المال. 

وميزت الدراسات (بوتنام 2000, غيتيل وفيدال 1998، وسزريتير ووولكوك 2004) بين ثلاثة أنواع من رأس المال الاجتماعي، رأس مال اجتماعي رابط أو ما أشار إليه بوتنام أنه شخصي رعائي يستند إلى العلاقات بين أعضاء الشبكة الاجتماعية المتشابهين بشكل ما مثل العائلة والأصدقاء. النوع الثاني رأس مال اجتماعي عابر أو تجسيري ويشير إلى العلاقات ضمن الأفراد الذي لا ينتمون بالضرورة لجماعة معينة ولا يتوافقون في العمر أو الحالة الاقتصادية أو التعليم وإنما تجمعهم روابط أخرى مثل علاقات العمل والمعارف. أما النوع 

الثالث فهو رأس مال اجتماعي واصل أو مؤسساتي ويستند إلى علاقات الأفراد مع المؤسسات ومستويات السلطة مثل المؤسسات الحكومية وغير الحكوميةوالأحزابالسياسيةوالشركات،وُيعتبرالنوع الأخير من أضعف أنواع الشبكات والروابط ولكنه بالإضافة إلى النوع التجسيري يملك المخرج القيمي الأعلى ويقدم المجال الضروري الأفضل لتطوير الأفكار والقيم والتوقعات الجديدة (وولكوك 2001، 

ستزريتير ووولكوك، 2004). 

اعتبر بوتنام أن كل نوع من هذه الروابط والعلاقات يقدم منافع مختلفة للمجتمع، من الحماية وتأمين فرص عمل والأمان والرقي الاجتماعي. ولكن ما غاب عن تحليله أن هذه المنافع تعتمد على عدد من العوامل سواء كانت خصائص فردية تميز الأفراد كالجنس والعمر والموقع الاجتماعي أو متغيرات أخرى كالتعليم والقومية والدين، مما يعني أن تباين هذه العلاقات من حيث القوة والثبات يؤدي إلى تباينوتفاوتفيالمنافعانطلاقًامنأنالشبكات الاجتماعية غير متساوية بما تقدمه من فرص (نصر 

وهلال، 2007). 

وقام البنك الدولي بنشر سلسلة من الدراسات حول رأس المال الاجتماعي من حيث التعريف والاستخدام ودوره في مشاريع التنمية وطرق قياسه والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية المتعلقة به. وفي هذا السياق عرف البنك الدولي رأس المال الاجتماعي بأنه المؤسسات والعلاقات والمعايير التي تشكل التفاعل الاجتماعي فيالمجتمع،ويؤكدأنالتماسكالاجتماعيعامل 

أساسي في التنمية الاقتصادية والمستدامة1. 

ويرى البنك أن رأس المال الاجتماعي ليس فقط المؤسسات التي تحكم المجتمع بل الرابط الذي ُيغني ويوصل فيما بينها، لذلك أضاف إلى التعريف، المؤسسات والعلاقات الرسمية الحكومية، حيث أن الحكومة والنظام السياسي الرسمي وحكم القانون والنظام القضائي والحقوق المدنية 

والسياسة هي جزء من هيكل رأس المال الاجتماعي. ويميز البنك بين الشبكات الأفقية والعمودية ويركز على أن الشبكات الأفقية هي التي تحقق هوية المجتمعوأهدافةالعامة،بينماالعلاقاتالعمودية لا تحقق سوى غايات ضيقة لا تخدم المجتمع ككل (داسغوبتا، 1999، غروتيرت وباستلير، 2001). وبالتالي أضاف مؤسسات الدولة ونظام الحكم والحكومة وكل ما يتبع للدولة وصو ًلا إلى مؤسسات المجتمع المدني (كالأحزاب والنقابات والجمعيات وغيرها) ومؤسسات القطاع الخاص 

كالشركات. 

ويجد الكثير من الباحثين أن مفهوم البنك الدولي لرأس المال الاجتماعي ضبابي وعريض ومجرد وُيعقد فهم رأس المال الاجتماعي ويفرغه من معناه المحدد الذي يعطيه خاصية تحليل وفهم علاقات الأفراد والجماعات وعلاقتهم فيما بينهم كمجتمع يختلف في آلياته عن الدولة ومؤسساتها (نصروهلال،2007).لابدمنالإشارةهناإلىتأثير مؤسسات الدولة (المؤسسات الأمنية والمالية والقوانين والنظام القضائي وغيرها) على العلاقات والروابط الاجتماعية والثقة بين الأفراد والجماعات وعلى القيم والعادات الناظمة للمجتمع وعلى درجة التضامن والتعاون المتاحة بين أفراد المجتمع وجماعاته والعكس صحيح من خلال الفعل الجماعي والحركات الاحتجاجية والثورية. لكن التأثير لا يعني الخلط بين رأس المال الاجتماعي والمؤسسات 

خاصة الرسمية منها. 

قدمتمنظمةالتعاونالاقتصاديوالتنميةتعريفًا لرأس المال الاجتماعي بأنه “مجموعة الشبكات والمعايير والقيم والتفاهمات التي تسهل التعاون بين وضمن الجماعات المختلفة”، وبالتالي فإن الشبكات والعلاقات الاجتماعية التي تنظمها القيم والمعايير والتفاهمات المتفق عليها تقوم بتعزيز الثقة المجتمعية وتمكن الأفراد من التعاون والعمل مع بعضهم (منظمة التنمية والتعاون 

الاقتصادي، 2001). 

إن قراءة الأدبيات تطرح العديد من النقاط الإشكالية، حيث تنظر بمعظمها إلى المجتمع ككيان مستقل عن العوامل الخارجية الدولية والإقليمية التي تؤثر بشكل كبير على علاقات الأفراد والجماعات في أي مجتمع، كما تغيب عن بعضها علاقات السلطة وما تنتجه من ظلم ولامساواة وتهميش وتسلط. إضافة إلى ذلك، لابدمنتمييزرأسالمالالاجتماعيعنأنواع رأس المال الأخرى غير الاقتصادية كرأس المال الرمزي ورأس المال الثقافي. حيث يرتكز رأس المال الاجتماعي على العلاقات والشبكات الاجتماعية التي تربط الأفراد والجماعات وعلى آلية ودوافع تشكل هذه العلاقات بينما يعتمد غيره من أشكال رأس المال غير الاقتصادي على التراكم المعرفي والثقافي. ومن الإشكاليات التي طرحتها الأدبيات مرجعية رأس المال الاجتماعي كونه ميزة فردية أو اجتماعية، والذي بدوره يحدد آليات تراكم رأس المال الاجتماعي والعائد عليه. كما تطرح الأدبيات العديد من الأسئلة الإشكالية، على سبيل المثال، هل تعتبر الثقة المجتمعية مكون رئيسي من مكونات رأس المال الاجتماعي أم نتيجة لتفاعل الأفراد والجماعات وفيما بينهم، ما هو الإطار المفاهيمي لرأس المال الاجتماعي وما مدى شموليته لمؤسسات الدولة ونظام الحكم، وما أنواع الشبكات التي يتضمنها رأس المال الاجتماعي. انطلاقًا من ذلك يمكن تحديد دور رأس المال الاجتماعي كحامل للمجتمع في مواجهة التحديات والكوارث وعامل تمكين للأفراد والجماعات حتى في غياب الدولة. كما تثير الأدبيات موضوع التعريف الإجرائي الذي يمكن من خلاله قياس رأس المال الاجتماعي بما 

يسهل دراسة وتحليل العلاقات الاجتماعية. 

مقاربة مفاهيمية 

بناء على مراجعة الأدبيات، يقدم البحث مقاربة مفاهيمية تخلص إلى تعريف إجرائي لرأس المال الاجتماعيتنطلقمناعتبارمفهومرأسالمال الاجتماعي ذو طابع مزدوج، ذاتي وموضوعي؛ ينبع طابعه الذاتي من ذاتية الأفراد والجماعات والمجتمعات، على اعتبارهم ذوات فاعلة بذاتها ولذاتها؛ كما ينبع من الخلفية الأخلاقية 

لمضامينه، كالغيرية والتعاطف والتسامح تمييزًا لها عن المصلحة الذاتية، إضافة إلى العدالة والحرية وغيرها من القيم الإنسانية، التي تؤسس القيم الاجتماعية، كالاعتراف والاحترام المتبادل والثقة والتعاون والتشارك الحر والدافعية إلى العمل الجماعي والتطوعي، وابتغاء الصالح العام والقدرة على التواصل البناء،وَتعِّينطبيعةالشبكاتالتيتؤثرفيبنية المؤسسات وآليات عملها، فتفضي إلى الترابط الاجتماعي والتواصل الإنساني. إن الطابع الذاتي لرأس المال الاجتماعي يزيد من صعوبة دراسته وقابلية مقارنته بين المجتمعات المختلفة التي تختلف في مساراتها التاريخية 

وأنماط علاقاتها وقيمها. 

أما موضوعية رأس المال الاجتماعي فتتعَّين في الظواهر الاجتماعية كالشبكات وتنظيمات المجتمع المدني، واستخدامه كأداة تحليل لتشخيص المشكلات الاجتماعية، كالتعصب والتمييز والتفاضل والعنف والتردي الأخلاقي، والكشف عن حركة التعارضات الملازمة للوجود الاجتماعي، واتجاهات هذه الحركة. وتشكل العلاقات والروابط والشبكات الاجتماعية المتنوعة المكون الأولي لرأس المال الاجتماعي، باعتبار الجماعات والمجتمعات بنى علائقية 

ومنظومات اجتماعية. 

ويمكن تمييز رأس المال الاجتماعي بالخصائص التالية التي تح ِّدده تحديد ًا أولي ًا: 

– أنه تاريخي وعام؛ مما يسوغ البحث في رأس مال اجتماعي عام، سواء لمجتمع صغير أو للمجتمع الكلي،الذيليسجمعًاحسابيًالمجتمعاتصغيرة وأفراد. لكن التركيز على الطابع الاجتماعي لرأس المال الاجتماعي هو الأساس الذي ترتكز عليه 

علاقات الأفراد والجماعات فيما بينهم. 

-إنالعلاقاتالاجتماعيةالُمشكلةلرأسالمال الاجتماعي لا تنفصل، لا عن بواعثها ودوافعها، الواعية وغير الواعية، ولا عن نماذج التفكير والإدراك والتمثل والتقدير والعمل، التي تبطنها، 

ولا عن غاياتها، ولا عن بيئتها. 

لا بد من تمييز رأس المال الاجتماعي عن أنواع رأس المال الأخرى غير الاقتصادية كرأس المال الرمزي ورأس المال الثقافي. حيث يرتكز رأس المال الاجتماعي على العلاقات والشبكات الاجتماعية التي تربط الأفراد والجماعات وعلى آلية ودوافع تشكل هذه العلاقات بينما يعتمد غيره من أشكال رأس المال غير الاقتصادي على التراكم المعرفي والثقافي 

-إنرأسالمالالاجتماعيمتنوعومتغيرباِّطراد، ومتقلب أيضًا، تبعًا لمدى استقرار الحياة العائلية والاجتماعية وتوازنهما، ومرونة النظام السياسي، 

ومدى سيادة القانون واحترامه. 

– إن رأس المال الاجتماعي يحمل قيمة غير مادية أكثر من كونه غاية لتحقيق مكاسب اقتصادية وإنما عوائد اجتماعية تكون مصدر لإيجاد حلول للمشكلات الاجتماعية، بشكل عام، ووقت 

الأزمات، بشكل خاص. 

– يعكس رأس المال الاجتماعي علاقات القوة في المجتمععلىاختلافمعانيالقوة،بدءًامنقوة الشخصية، وقدرتها على التأثر والتأثير إلى قوة المعرفة وقوة المال وقوة الجاه وغيرها من 

أشكال القوة، وصو ًلا إلى القوة العارية. 

– يؤثر رأس المال الاجتماعي في نسج الانتظامات والتنظيمات الاجتماعية والمؤسسات، وفي بناها ووظائفها وآليات عملها ويتأثر بها، لا سيما أن هذه الانتظامات والمنظمات والمؤسسات، على اختلافها، هي مجالات ممارسة الحياة العامة. وتعد سلامة هذه التنظيمات والمؤسسات وشفافيتها وتشاركيتها وقدرتها على أداء وظائفها وقابليتها للمراجعة والنقد والمساءلة والمحاسبة عام ًلا هامًا في تطور رأس المال 

الاجتماعي الفعال. في ضوء هذه الخصائص، يمكن اعتبار القيم 

والعلاقات والروابط والشبكات الاجتماعية وتفاعلها هي رأس المال الاجتماعي، الذي يؤثر بالضرورة في اتجاهات نمو المجتمع المدني وفي بنى الانتظامات والمنظمات والمؤسسات ووظائفها وآليات اشتغالها، ويتأثر بها، ويسهم في 

تش ُّكل فضاء عام مشترك. 

ويمكن تصنيف رأس المال الاجتماعي إلى رأس مال موروث متحقق بالفعل، يربط أفراد الجماعة التقليدية، كالعائلة الممتدة والعشيرة والجماعة الإثنية – المذهبية، ويحافظ على تماسكها ويعزز تمايزها، ورأس مال متجدد، يؤدي إلى نموها وتطورها،وقديؤديإلىتفكيكهاأيضًا.هذاالأخير هو رأس المال الممكن واللامتناهي، لأن أشكال العلاقات الاجتماعية ومضامينها لا متناهية، تتغير باطراد وتتجدد باطراد، بتجدد المعرفة والثقافة والعلوم والتقنيات وأساليب الإنتاج ولكنها لا تنفي الأولى بل يمكن أن تهذبها بما يخدم الصالح العام؛ ولكنه، بخلاف رأس المال المادي، ينمو ويتراكم بنسبة إنفاقه أو تصريفه. وهذا فارق جوهري، لأن رأس المال الاجتماعي يمكن أن يفضي إلى الحد من الاستغلال والظلم والقهر، وتقليص الفجوات الفاصلة بين الفئات الاجتماعية، بتجادله مع أشكال رأس المال الأخرى، وارتكازه على واقع الاعتماد المتبادل، وحل التعارضات الاجتماعية سلميًا، وإسهامه في التنمية الإنسانية، وبالتالي يمكن أن يسهم في تعميق التحولات الاجتماعية وترسيخ العلاقاتوفقًالمبادئالمساواةوالحريةوالعدالة 

وقيمها الإنسانية. 

  • Social Links:

Leave a Reply