المطبخ المخفي لقمة سوتشي: تركيا وضعت «شرطين» وإيران «صمتت» وحذّرها بوتين: «الجميع يعني الجميع»
بسام البدارين:
بين الحل السياسي بصيغته التركية و»التسوية الوطنية» بالتركيبة الروسية يكمن شيطان التفاصيل عندما يتعلق الأمر بمراجعة وتقويم حيثيات لقاء سوتشي الثلاثي المثير للجدل، الذي عقد وانتهى بإصدار وثيقة من الواضح أن الأمريكيين ليسوا طرفًا في بنودها، ولا نقاشاتها، من دون معرفة مستوى الترسيم الروسي لمثل هذا اللقاء.
يزيد المشهد غموضاً في العرف الدبلوماسي، كلما دقق المراقبون أولًا بآليات الانتقال للمرحلة التالية من توصيات سوتشي.
وثانياً؛ في المشاركة الإيرانية التي تبدو صامتة إزاء الكاميرات و«باطنية» خلف الستارة، وبصورة لا تزال تقلق المؤسسة التركية على الأقل، وإن كانت نظيرتها الروسية تحاول مجددًا كما علمت «القدس العربي» طمأنة الجمهورية التركية بأن طهران على السكة وملتزمة بما يُتَّفق عليه في الوقت الذي لفتت فيه أنقرة أنظار شريكها الروسي الجديد إلى أن مشكلة إيران ليست في التزامها، ولكن بتعددية المراجع الأمنية عندها، وبوجود مراكز قوى عدوة غير ممتثلة، إذا ما أنجز أي اتفاق مع الرئيس حسن روحاني، الذي تعتبره السلطات التركية «حلقة ضعيفة» ببناء الحكم في دولة الثورة الإسلامية، وعنصرًا «غير مسيطر» تمامًا على جانب الميليشيات في مسرح العمليات الإيراني، سواء في سوريا أو العراق.
موسكو في المقابل وعلى الهامش، أبلغت أن مؤسستها الأمنية منشغلة بضبط إيقاع الاذرع الأمنية والميليشيات الإيرانية، وتتحدث سرًا مع الحرس الثوري، وتحتاط لأية مفاجآت في الفارق بين خطاب الرئيس روحاني الرسمي وبعد العمليات على الأرض.
في الأثناء يركز الإبلاغ الروسي على أن مراكز القوة الإيرانية التي ترتاب أنقره من منسوب التزامها، فهمت مسبقًا أنها ستصطدم بروسيا وجهًا لوجه في الميدان، إن حاولت إحراج الرئيس روحاني أو إعاقة أي جهد يُتّفق عليه على الأرض.
في مشاورات سوتشي التي علمت بها «القدس العربي» ولم تُنشر برزت خلافات وأحيانًا مفاجآت، خصوصًا أن العنصر المشترك الأكبر بين إيران وطهران لا تشارك موسكو في الاهتمام به، وهو الورقة الكردية، حيث تجد إيران في تركيا شريكًا حيويًا في مجال التصدي لأي مشروع يُعزّز حضور القوى العسكرية الكردية في سوريا والعراق، تحديدًا تلك التي تدور في فلك إسرائيل والولايات المتحدة.
وجود مفاصل ثنائية داخل المحور الثلاثي في قمة سوتشي كان لافتًا للأنظار، ويُعتقد أنه من العناصر التي يُمكنها تعزيز أجندة عملية واقعية إذا ما ضُبطت على أساس تسويات ثلاثية، فيما يُعتقد أنها ستتحول إلى عنصر سلبي في إنتاجية مقررات سوتشي، إذا لم تُستثمر في تأسيس مساحات ثلاثية قائمة على تقديم تنازلات.
الرئيس رجب طيب أردوغان بدا مُتحمسًا وهو يستثمر بالعنصر الذي اتُّفق عليه مع إيران، وتواطأت روسيا، ولم تعارضه، وهو الورقة الكردية، فبادر للاتصال مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وحصل منه على التزام سياسي علني تَشُكُّ في تطبيقه فعلًا السلطات التركية، بخصوص وقف توريد السلاح، خاصة الثقيل لقوات الحماية الكردية في شمال سوريا.
الصورة التي سرّبها مكتب الرئيس أردوغان عن اتصاله الهاتفي مع ترامب كانت تهدف لإعلان الوعد الأمريكي وإن كانت أنقرة محتاطة تمامًا للحالة التي لا يلتزم بها الأمريكيون بما يتعهدون به، بخصوص الوضع في الرقة وشمال سوريا والورقة الكردية.
أعمق من ذلك ركز الخطاب الروسي في سوتشي حصريًا على الورقة الجديدة، والأهم، التي خرج بها الاجتماع الثلاثي، وهي استعمال الرئيس فلاديمير بوتين عبارة «نبحث عن تسوية وطنية شاملة» للأزمة السورية لا فقط عن «حل سياسي». عبارة «تسوية وطنية» بدت جديدة تمامًا على أدبيات الأزمة السورية وإيقاعها حمّال أوجه.
وعند الاستيضاح شرح أحد مستشاري بوتين العبارة وفكرتها عبر الاستفسار عن «واقعية» الاعتقاد بأن جلوس المعارضة السورية والنظام معًا حول طاولة واحدة ضمن ما يسمى بـ «الحل السياسي» يمثل الطريق الأفضل والأمثل.
ازداد المشهد غموضًا فبرزت الشروحات الروسية التي تتحدث عن «عملية واسعة شاملة لبناء استقرار قطعي ونهائي في سوريا» وعن برنامج ينتهي بضمان «أن لا تعود الأمور إلى الوراء بأية حال».
الموقف الروسي في سوتشي كان على النحو التالي: لدينا تساؤلات محددة لكم أيها الأصدقاء في إيران وتركيا… هل فعلًا تعتقدون أن الحل السياسي الأفضل يتمثل في جلوس النظام والمعارضة المعتدلة معًا… هل هما مؤهلان «النظام والمعارضة» لإعادة الاستقرار وبناء سوريا جديدة تماما؟ ماذا عن بقية شرائح ومكونات المجتمع السوري، التي حتى نكون واقعيين اليوم لا ترى في النظام تعبيرًا عنها ولا تمثلها المعارضة، وتدفع ثمن الصراع فقط من دون أن يستمع إليها أحد؟
توحي إيقاعات الكلام هنا بوجود «مقترحات جديدة» من النوع الذي من الصعب مقاومته وتجاهله من الجانب الروسي الذي بدأ يتحدث عن «تسوية وطنية» أشمل من «حل سياسي» وعن مؤتمر وطني شامل لا يمثل النظام والمعارضة فقط، وعن مستوى تمثيل في «حوار وطني شامل» يضمن مصالح وكرامة الجميع، بدءاً من الأقليات في سوريا أو بقية الطوائف والمكونات الاجتماعية والعشائرية.
تحدثت موسكو عن رقم ينبغي أن يصل لـ 1500 شخص يمثلون الجميع ويلتقون معًا في حوار وطني يؤدي إلى تسوية وطنية، لا سياسية فقط، مع التلميح إلى أن موسكو وضعت بشار الأسد بالصورة، ولديها تصور أولي بأن الأمر لم يعجبه ويراهن على إيران لإحباطه، وقال الممثلون الروس إن هذا الأمر «اختيار حقيقي» لجدية «شريكنا الإيراني» .
وتحدثت عن شخصيات بحكم موقعها القبلي والاجتماعي ينبغي أن تحضر المؤتمر من الصنف الذي لم يتورط أصلاً في الصراع العسكري والأزمة وعن حضور لممثلي الجميع بمن فيهم الأرمن والتركمان والأكراد والبدو وعشائر الجنوب السنّية والدروز والشيعة والعلويون …»الجميع ..الجميع..» قال بوتين.
هنا لم يُعلّق الوفد الإيراني على مسار النقاش، بصورة تظهر أن طهران لا يعجبها الأمر، لكنها تجنبت معارضته حتى لا تُتّهم في الوقت الذي وافق فيه الوفد التركي على «مفهوم التسوية الشاملة» ووعد بتبنيها بعد شرطين أساسيين.
الشرط التركي الأول؛ ضمان روسيا أن لا يشمل التمثيل لمؤتمر التسوية الوطنية في سوريا قوات الحماية الكردية، وعدم وجود تمثيل لأي فصيل كردي سوري مقرب من مجموعات كردية أيديها ملطخة بالإرهاب والدم.
والشرط الثاني؛ أن لا تكون التسوية ومؤتمرها بديلًا عن مسارات جنيف بأي حال من الأحوال، وعن الأسس التي وضعتها الشرعية الدولية ولقاءات جنيف للحل السياسي بمعنى الاستناد إلى مقررات جنيف والقرارات الدولية في التحضير لمؤتمر التسوية الوطنية المشار إليه.
Social Links: