مقارنة المعارضة السورية بقادة التحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية

مقارنة المعارضة السورية بقادة التحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية

مقارنة المعارضة السورية بقادة التحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية

حسان شمس

كنتُ نشرتُ هذه المادة الغنية المركّزة والمكثفة على صفحتي قبل مدّة، وأعيد نشرها الآن لما فيها مِن مقارنة لا بد منها ومحاكاة للجرح السوري النازف منذ نحو سبع سنوات.  

عندما تقع عين المرء على هذه السمات، الواردة أدناه، التي طبعت مسلكيات قادة التحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية وجنوب أفريقيا وبعض بلدان أميركا اللاتينية، والتي لخّصها كل مِن أبراهام ف. لوينثال وسيرجيو بيطار شقرا، يدرك كم أن شعبنا السوري منكوب ومبليّ بمعارضته الهلفوتة المنكودة المنحوسة. ولو قيّض للمعارضات السورية -غير الكريمة أبداً- أن تقرأ هذا الكلام وتقارن وضعها فيه أو بهؤلاء القادة؛ فليس قليلاً عندها إنْ صرفت بقيّة عمرها بصاقاً على حالها، وربما تغطيس نفسها بالأسيد أو أقلّه بزيت محروق على درجة الغليان! 

• “كان لدى الجميع – بعضهم منذ البداية، والبعض الآخر تطور لديه مع مرور الوقت – شعور إستراتيجي بالاتجاه نحو حكم أكثر احتواء ومساءلة، وتفضيل أساسي للتحول السلمي والتدريجي بدلاً من التحول بأسلوب عنيف أو متشنج.

• لقد حاز هؤلاء القادة واستولوا على مزاج وروح المواطنين وأعادوا تعزيز جهود الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية للتحرك نحو الديمقراطية. 

• لقد عملوا على تنويع وتوسيع قواعد الدعم لهم، وعملوا على إضعاف العناصر المتصلبة، سواء في داخل النظام أو من داخل المعارضة. كما كانوا قادرين على تقييم مصالح ونفوذ مراكز القوى المتعددة، وجماعات أصحاب المصالح، وغالباً ما وجدوا مسارات نحو التسوية السياسية والتوافق. 

• أظهر العديد منهم الثبات والشجاعة، وأحيانا كانوا يجازفون بحياتهم في ظروف الاستقطاب والعنف الذي أودى بحياة الزملاء منهم. وغالباً ما حشد هؤلاء القادة قدراً كبيراً من الصبر والمثابرة والقدرة على التحمل في مواجهة المعارضة والعقبات والانتكاسات، وتمكنوا من إقناع الآخرين وكسب عقولهم وقلوبهم معاً. 

 • كان لديهم ثقة بالنفس بدرجة كافية لاتخاذ قرارات صعبة وحاسمة في الأوقات المناسبة وبقناعات هادئة. وكانوا يتحلون بطبائع تحليلية وتأملية عالية للغاية، ولكنهم كانوا باستمرار قادرين على التطلع والتحرك للأمام، بدلاً من التردد أو التراجع في قراراتهم السابقة. 

• كان أغلبهم يعتمد بشكل كبير على زملاء أقوياء وأوفياء وشركاء لهم في القيم السياسية المشتركة، ويمتازون بخبرات ملائمة للتعامل مع القضايا الشائكة. وعلى الرغم من أنهم كانوا قادرين وقد عملوا على اتخاذ الخيارات في القرارات الرئيسية بصورة شخصية، فإن معظمهم قد كان يركز، بشكل رئيسي، على بناء التوافق في الآراء وإقامة التحالفات ومد الجسور السياسية، وتقوية أواصر التواصل باستمرار مع الدوائر الرئيسية والجمهور الواسع. 

 • كانوا عموما قادرين على إقناع الآخرين لقبول قراراتهم. وعلى الرغم من أن بعضهم قد كان فصيحاً في المنطق ومفوّهاً في الخطابة وجاذباً في الشخصية والكاريزمية، فإنهم كانوا يجعلون منطلق فهمهم وتقديرهم هو الاستجابة للمصالح الأساسية لدى مختلف الجهات الفاعلة، بما في ذلك الخصوم، وليس بإملاء الأوامر أو بفرض القوة الشخصية. 

• وعلى الرغم من أن أصولهم وجذورهم كانت ضاربة ومتغلغلة في أعماق مجتمعاتهم الوطنية لكل منهم، فإنهم كانوا يعتمدون في المقام الأول على العلاقات الداخلية، كما كان كل من هؤلاء القادة يعرفون كيفية حشد الدعم الخارجي دون أن يصبحوا بمثابة أدوات أجنبية. 

 • وعلاوة على كل ذلك، فإن هؤلاء القادة كانوا قادرين على التكيف وتعديل المواقف بسرعة وتحويلها في اتجاهات ومسارات غير متوقعة، وأخذ زمام المبادرة. لقد عملوا بكفاءة وحنكة على توجيه المراكب في المياه المضطربة: وكانوا يسيرون أحياناً مع التيار، ويوجهون دفة المركبة تارة نحو اليسار وأخرى لليمين، وتارة جيئة أو أخرى ذهاباً، وفقاً لارتفاع وهبوط مستويات الأمواج، في الوقت الذي كانوا فيه يتحركون دوماً إلى الأمام. إنهم لم يحددوا اتجاه وسرعة التيارات، ولكنهم تمكنوا من المساعدة في توجيه مراكب بلدانهم لمياه أكثر هدوءاً وأماناً، ونحو حكم ديمقراطي سالم في نهاية المطاف. 

ولعل من الصعب على المرء أن يتصور أن هذه التحولات قد كان من الممكن نجاحها بهذه الصورة لولا هؤلاء القادة وأقرانهم الأوفياء وقراراتهم الصائبة. لقد عمل هؤلاء وغيرهم من القادة العظام على المساعدة في شق دروب بلدانهم نحو آفاق الحرية والديمقراطية. كما أن هؤلاء القادة لم يعملوا بمفردهم ولذواتهم الخاصة، وما كانوا ليتمكنوا من تحقيق كل تلك النجاحات دون المشاركات من مختلف الجهات والقوى الاجتماعية والسياسية والمدنية، كما أنهم تعاونوا وعملوا بشكل خلاق وبنّاء مع العديد من الآخرين، ضمن قيود ضيقة، لوضع أسس وإرساء مناهج لحقائق جديدة ومفاهيم مستنيرة”.

عن كتاب: التحول من الحكم الاستبدادي إلى الحكم الديمقراطي: الدروس المستقاة من القادة السياسيين لبناء المستقبل. تأليف: أبراهام ف. لوينثال، وسيرجيو بيطار شقرا، مؤسسة ‘آيديا’ الدولية.

  • Social Links:

Leave a Reply