احتجاجات إيران: هل بدأت انتفاضة الخبز الإيرانية؟
تناقش هذه الورقة خلفيات وأبعاد الاحتجاجات التي شهدتها إيران والتي بدأت في مدينة مشهد وحملت عناوين اقتصادية، لكنها امتدت أفقيًّا إلى مدن أخرى ورفعت شعارات تجاوزت ما تصفه السلطات الإيرانية بـ”الخطوط الحمراء”.
د. فاطمة الصمادي
بعد أن انطلقت في مشهد، بدأت الاحتجاجات المناهضة للحكومة، تأخذ امتدادا أفقيًّا في عدد من المدن الإيرانية، مع شعارات تعارض السياسات العامة للجمهورية الإسلامية؛ ففي يومي الجمعة والسبت، 29 و30 ديسمبر/كانون الأول، شهدت كرمانشاه وساري والأهواز وقزوين وكرج وأصفهان وقم وزاهدان، وكذلك بعض مناطق طهران، عدة تظاهرات، وجرت الدعوة لهذه التظاهرات من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.
أظهرت الشعارات مطالب اقتصادية واضحة، وطال بعضها السياسات الخارجية لإيران (التدخل الإيراني في سوريا)، وعارض دعمَها لحزب الله وحماس، “لا غزة.. لا لبنان؛ روحي فداء إيران”، وهذا الشعار كان واحدًا من شعارات الحركة الخضراء في إيران واحتجاجات عام 2009 والتي شهدتها إيران عقب إعادة انتخاب أحمدي نجاد، لكن اللافت أن أسماء زعماء الحركة الخضراء الذي يخضعون للإقامة الجبرية غابت عن شعارات الاحتجاجات الأخيرة. وفيما ردَّد متظاهرون شعارات هاجمت روحاني ردَّد غيرهم شعارات مجَّدت نظام الشاه السابق الذي أسقطته الثورة، وردَّد آخرون شعارات هاجمت رجال الدين، واتهمتم بسرقة حقوق الشعب الإيراني.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها إيران احتجاجات اقتصادية معيشية، فقد سبق أن شهدت مشهد نفسها احتجاجات مماثلة قبل 25 عامًا، وفي عام 1992، جرى إعدام سبعة محتجين على خلفية مسؤوليتهم عن احتجاجات مشهد بقرار من محمد يزدي، الذي كان يرأس السلطة القضائية في ذلك الوقت، كما شهدت مدينة قزوين احتجاجات شبيهة أثناء رئاسة هاشمي رفسنجاني، وفي عام 1994، شهدت مدن شيراز، ومشهد، وأراك احتجاجات مماثلة جرى قمعها. وفي عام 2001، شهدت إيران احتجاجات المعلمين ضد حكومة خاتمي، وفي عام 2015، جرت احتجاجات لعمال المناجم على خلفية إغلاق عدد من المناجم وضياع حقوقهم.
تبحث هذه الورقة في أبعاد حالة الاحتجاج الإيرانية، وخلفياتها وتداعياتها.
كيف بدأت الاحتجاجات؟
تقول مقالة تحليلية نشرها موقع “زيتون”، ذو التوجه المعارض، بأن “هناك أدلة على أن تجمع مشهد كان مقررًا في البداية من قبل جماعات محسوبة على النظام بهدف مهاجمة حكومة روحاني”(1). ويضيف الموقع: “تشير الملصقات والرسائل البرقية عبر تليغرام، والتي جرى تبادلها من قبل مجموعات ذات توجه أصولي، وَدَعَتْ إلى تجمع مشهد، تحت عنوان: “احتجاج على الغلاء”، إلى أنها كانت تستهدف على وجه التحديد نظام روحاني”. وينقل كاتب المقال عن شهود عيان أن “جوهر التجمع تَشَكَّلَ من مجموعة من قوات التعبئة الـ”بسيج”، لكن التجمع فتح المجال لانضمام أعداد متزايدة بتوجهات مختلفة، ظهرت واضحة في الشعارات التي بدأت بمهاجمة الغلاء و”الموت لروحاني” ووصلت إلى مرشد الثورة ونظام الجمهورية الإسلامية”.
وأشارت بعض التحليلات إلى أحمدي نجاد وتياره كمحرِّك لبعض هذه الاحتجاجات (2).
صَمَتَ الإعلام الإيراني أمام هذه التظاهرات لبعض الوقت، وكان لافتًا انتقاد موقع رجا نيوز الأصولي الشديد لـ”تجاهل مؤسسة الإذاعة والتليفزيون في إيران لصوت احتجاج الشعب”(3). وقال الموقع عبر مقالات عدَّة: إن الاعلام الرسمي يجب أن ينقل صوت احتجاج الناس وعلى الحكومة أن تجيب على هذه الاحتجاجات بمسؤولية. لم يدم صمت الإعلام الإيراني وبدأت المواقع الإخبارية الإيرانية ترصد التظاهرات مركِّزة على الأبعاد التالية:
– وجاهة المطالب الاقتصادية للناس.
– لا رأس لهذه الاحتجاجات لكن عدم التعامل مع متطلبات الناس قد يجعل لها رؤوسًا كثيرة.
– الاحتجاجات معيشية وليست سياسية.
– لا تحمل ملامح احتجاجات الحركة الخضراء.
فيم أخفق روحاني؟
عندما بدأ حسن روحاني حملة الانتخابية الأولى، عام 2013، كان المفتاح هو رمز حملته، وفي واحدة من مناظراته الانتخابية أخرج مفتاحًا كبيرًا، وقال: لديَّ حلول لمشكلات إيران، ركَّزت شعارات روحاني على المشكلات الاقتصادية، وقدَّم وعودًا بتجاوز الصعوبات التي تواجهها إيران، ورأى أن ذلك يتحقق من خلال رفع العقوبات (4).
ومع توقيع إيران لاتفاق نووي وتعهدات برفع العقوبات المفروضة على البرنامج النووي ظل الانكماش الاقتصادي في إيران قائمًا، وأعاده البعض إلى استمرار العقوبات الأميركية من جانب واحد، ما يعرقل مشاركة الدول الأوروبية على نطاق واسع في الاقتصاد الإيراني فضلًا عن دور خصومه ومنتقديه في كبح تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي يراها ضرورية لتحقيق وعوده الاقتصادية (5).
كان الركود الاقتصادي إرثًا ثقيلًا تلقاه روحاني من سلفه، محمود أحمدي نجاد، ومع فوزه الرئاسي، عام 2013، كان الهدف الأول له هو خفض معدل التضخم الذي قارب 40% في ذلك العام. ولم يكن التضخم هو عنوان القلق الوحيد في التركة الاقتصادية التي أُلقيت على عاتق روحاني، ففي العام السابق للانتخابات الرئاسية، عام 2012، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على قطاع النفط الإيراني ثم عَزَلَ جميع البنوك الإيرانية المتهمة بخرق عقوبات الاتحاد الأوروبي عن منظومة “سويفت” ((SWIFT الدولية. وكل ذلك ترافق مع “نتائج كارثية لسياسات الإنفاق غير المسؤولة والشعبوية خلال ثماني سنوات من حكم أحمدي نجاد؛ وهو ما فاقم من مأزق الاقتصاد الإيراني”(6).
نجح روحاني في إحداث تغيير تمثَّل في تحقيق نمو اقتصادي بنحو 5 في المئة، ويرجع ذلك أساسًا إلى تضاعف الصادرات النفطية خلال الفترة التي واكبت بدء تطبيق الاتفاق النووي مطلع عام 2016.
يجري النظر إلى النمو الاقتصادي، إلى جانب انخفاض التضخم، كشواهد واضحة على النجاح الاقتصادي لروحاني. ومع ذلك، فإن أسئلة تُطرح حول الفئة التي استفادت حقيقة من هذا النجاح الاقتصادي، ولماذا لم ينعكس مباشرة على الحياة اليومية للناس.
يناقش الخبير الاقتصادي، علي فتح الله نجاد، هذه الإشكالية مستندًا إلى عدد من الدراسات (7)، تُظهر أن النمو الاقتصادي بحدِّ ذاته لا يُشكِّل بالضرورة مؤشرًا مؤكَّدًا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية (8). وبدلًا من ذلك، ينبغي أخذ “النمو الشامل” في الاعتبار، أي النمو الاقتصادي الذي تُوزَّع فيه الإيرادات بالتساوي، وبالتالي، فإن الفائدة تطول جزءًا أكبر من السكان، ولا تبقى حكرًا على فئات بعينها. وباستخدام مؤشرات أخرى، يمكن رؤية صورة أكثر اكتمالًا للأداء الاقتصادي لحكومة روحاني، وهي الصورة التي تقول بأن نسب الفقر وعدم المساواة ارتفعت خلال حكم روحاني (9).
حدث نجاح متدرج على صعيد مكافحة التضخم؛ فقد استطاعت إدارة الرئيس روحاني خفض معدل التضخم من مستوى يقارب 40% في النصف الثاني من عام 2013 إلى متوسط 9% في السنة المالية المنتهية وفق التقويم الإيراني، بما يتزامن مع 20 مارس/آذار 2017(10)، وتبعًا لأرقام البنك المركزي الإيراني، كانت هذه المرة الأولى التي تتمكن إدارة اقتصادية في إيران من خفض معدل التضخم إلى معدل ذي رقم واحد منذ عام 1990. في مقابل هذا الإنجاز الذي استطاعت إدارة روحاني تحقيقه، ارتفع معدل البطالة؛ فبينما كان معدل البطالة 10.4% في عام 2013، وصل هذا الرقم في عام 2015 إلى 11%. ووصل معدل البطالة في عام 2016 إلى 12.4 في المئة (11). ووصل في صيف 2016 إلى 12.7 في المئة، وسُجِّل أعلى معدلات البطالة في الفئة العمرية 20-24 سنة، ووفقًا لمركز الإحصاء، فإن معدل البطالة في هذه الفئة العمرية وصل إلى 31.9 في المئة (12).
يأتي ذلك في وقت تتحدث فيه الأرقام الرسمية عمَّا يصل إلى 11 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر(13)، ويقول مسؤول إيراني آخر: إن 12 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر المطلق فيما يعيش 25- 30 مليون إيراني فقرًا نسبيًّا، ويقول تقرير لغرفة التجارة الإيرانية: إن 33% من الإيرانيين يرزحون تحت خط الفقر، وجاء التقرير استنادًا إلى أرقام وزارة الطرق وإعمار المدن.
وفي المقابل، كانت فوائد إحياء التجارة والاستثمار مع العالم الخارجي تذهب بصورة شبه كاملة إلى القطاعات الحكومية والقطاعات العامة غير الحكومية. ومن بين ما يقرب من 110 اتفاقيات بلغت قيمتها 80 مليار دولار على الأقل منذ التوصل إلى الصفقة النووية في يوليو/تموز 2015، كان 90 من هذه الاتفاقيات قد عُقِد مع شركات تملكها أو تسيطر عليها مؤسسات الدولة أو كيانات تتبع بصورة أو بأخرى للدولة (14). وهو مؤشر واضح على الدور الهامشي للقطاع الخاص في إيران الذي تفرضه الهياكل السياسية والاقتصادية للجمهورية الإسلامية. أما الاستثمارات الأجنبية التي استطاعت إيران جذبها فلم تتجاوز ما قيمته 12 مليار دولار تقريبًا منذ التوقيع على الاتفاق النووي وحتى نهاية السنة المالية السابقة 2015(15).
لقد فشل روحاني في تحقيق النمو الاقتصادي الشامل. ولم يكن وعده بتوزيع عوائد النمو في الناتج المحلي الإجمالي على قطاعات أكبر من السكان، سوى إشاعة ووهم روَّجت له النيوليبرالية الاقتصادية العالمية، وممثلو حكومة روحاني (16). إن النموذج السلطوي النيوليبرالي لحكومة روحاني، فشل في التقليل من الصعوبات التي يواجهها ما يقرب من نصف سكان إيران، الذين يعيشون حول خط الفقر كما فشل في إضعاف الهياكل السلطوية.
يدعو روحاني إلى تحرير الاقتصاد دون أن يقدم في كتبه تعريفًا واضحًا لريادة الأعمال الحرة والمستقلة، ولذلك فإن فوائد وعوائد العلاقات الاقتصادية مع العالم الخارجي تصب في سلة جماعات المصالح السابقة والحالية (17).
في كتابه “الأمن القومي والنظام الاقتصادي الإيراني”، يُورِد روحاني ما يراه معوقات في وجه اقتصاد بلاده: “إن مشروع “تنمية إيران الاسلامية” يجب أن يحوِّل إيران إلى بلد متقدم وآمن، مع الحد الأدنى من الانقسامات الطبقية”، وهو ما يتحقق فقط بـ “استراتيجية إنتاج تنافسية.. لكن من المؤسف أن قوانين العمل في إيران قمعية جدًّا للأنشطة الاقتصادية”(18). إذا كان لزامًا أن يتمتع “أصحاب رأس المال” في إيران بالحرية ليتحقق الازدهار، فإنه ينبغي إلغاء الحد الأدنى للأجور، وينبغي حل القيود المفروضة على تسريح العمال. ويشير روحاني إلى أن أحد التحديات الرئيسية التي تواجه أصحاب العمل والمصانع هي وجود نقابات عمالية. كما أن العمال عليهم أن يكونوا أكثر مرونة من متطلبات سوق العمل (19).
وينتقد فتح الله نجاد هذه التوجهات؛ إذ يرى أن نماذج النمو الاقتصادي النيوليبرالي لا تؤدي إلا إلى تفاقم الانقسامات الطبقية، وليس إلى إصلاحها (20).
أقرَّ روحاني وهو يدخل دورته الرئاسية الثانية بالفشل، وفي مقدمة برنامجه الحكومي عقب فوزه في انتخابات 2017، يلخِّص حسن روحاني فشل إيران في المجال الاقتصادي قائلًا: “نحن بحاجة إلى اقتصاد مبتكر ومتسق من الناحية البيئية، ولكن للأسف لم نتمكن من تحقيق هذا الإنجاز في القرن الماضي. لقد حققنا تقدمًا في مجالات كثيرة، ولكننا بصراحة، ما زلنا بعيدين عن الوصول إلى موقع قوة اقتصادية إقليمية واقتصادية مؤثِّرة على مستوى العالم”(21).
إن مراجعة عناوين الميزانية لحكومة روحاني تُلقي بشكوك كثيرة بشأن جدية الحكومة في حل القضايا الاجتماعية والاقتصادية. فعلى سبيل المثال، كانت ميزانية إدارته لعام 1395 ش (2016م) تستند إلى ركيزتين، هما: التقشف والأمن. وفي وقتٍ انخفضت فيه خدمات الرعاية الاجتماعية (باستثناء الصحة) بشكل ملحوظ، شهدت قطاعات الدفاع والأمن نموًّا حادًّا. وفي منتصف أبريل/نيسان 2017، قال روحاني بفخر: إن الميزانية العسكرية ارتفعت بنسبة 145 في المئة، مقارنة بما كانت عليه عندما وصل إلى السلطة عام 2013(22).
المجتمع الذي يحتاج إلى غرفة طوارئ
تتعدد المقاربات من أطراف إيرانية لهذه الأزمة والحلول بشأنها، لكن الواضح أنه لا التيار الأصولي ولا الإصلاحي ولا تيار الاعتدال، يريدون أن تتسع دائرة الاحتجاج، ومن المقاربات المهمة ما سجَّله الصحفي والناشط الطلابي السابق، فريد مدرسي، وتناول زوايا عدة، أهمها (23):
•- هذه الاحتجاجات طبيعية؛ وجاءت نتيجة للأوضاع غير الملائمة ولا تتطلب تحليلًا أمنيًّا معقدًا، وأسبابها غير مجهولة.
•- أن الجدل اليومي بين الحكام والسياسيين والمفكرين والمثقفين ومقارعتهم لبعضهم البعض وكشف معايب بعضهم يوفِّر شروطًا لهذه الاحتجاجات، فبدل أن تُولي النخبة المسؤولة اهتمامًا لأرضية المجتمع، تنخرط في مواجهة بعضها البعض، ولا تقوم بأداء واجباتها تجاه الناس.
•- من المؤكد، أن بعض معارضي الحكومة لعبوا دورًا في التحضير للاحتجاجات قبل وقوعها، بما في ذلك وسائل الإعلام الأصولية، حيث نشر بعضها عنوانًا على الصفحة الأولى: “فوضى الوقود”. واعتبر بعض المعارضين للحكومة أن الاحتجاجات الاقتصادية هي احتجاجات ضد الحكومة، لكن كان ذلك خطأهم فقد أضافوا الوقود للنار القائمة، وتؤكد شعارات اليوم وأمس حقيقة أن هذه الاحتجاجات تشبه سلوك أحمدي نجاد، من الممكن أن تذهب أبعد من مؤسسة بعينها لتستهدف النظام بأكمله. أحمدي نجاد هو أيضًا سياسي من قاع المجتمع يقوم حاليًّا ببناء خطٍّ واستراتيجية، ويمكن أن يجتمع أحمدي نجاد والطبقة الدنيا من المجتمع، لكن ذلك سيقود إلى سحق المجتمع الإيراني.
•- من الصعب التعامل مع هذه الاحتجاجات، لأن المؤسسات الأمنية قد تم تدريبها على الاحتجاج الأمنية/السياسية، وليس لديها استراتيجية متعددة الأطراف ومتعددة الأوجه (وليس المقاربة الأمنية فقط) لمثل هذه الاحتجاجات.
•- أن الاحتجاج الآن “بلا رأس”، لكن في المستقبل، يمكن أن يكون له “ألف رأس”؛ وسيكون من المستحيل تحديد قادة هذه الاحتجاجات. وليس لدى المنظمين بطاقة تعريف اجتماعية/سياسية، ولا يحتاجون إلى التنظيم والجدول الزمني بدقة. إنهم لا يتحركون ضمن رؤية سياسية، وهم حتى لا يفكرون في نتائج هذه الاحتجاجات ولا يخافون من التجمع ولو بأعداد قليلة. على الرغم من أن الاحتجاجات التي تفتقد للتنظيم تريح عقل السلطات، إلا أنها يمكن أن تخلق فجأة زلزالًا للجميع وتشكِّل خطرًا هائلًا.
•- أن الحل الوحيد للحالة القائمة هو تنفيذ سياسات اقتصادية قصيرة الأجل، إلى جانب نماذج طويلة الأجل لإدارة حالات الخلل الاقتصادي، ومواجهة حقيقية مع الفساد الاقتصادي، ولابد أن ينخرط المسؤولون بين الأشخاص المتظاهرين، ويستمعون إلى مطالبهم. وإذا كان المسؤولون سيواجهون الاحتجاجات بالخوف، فإن النتيجة هي الصدام الحاد، وستكون هذه الاحتجاجات انهيارًا فوق رأس الجميع، من العوام إلى الخواص، (حكومة ومثقفين وعمالًا…).
•- لابد من التجاوز عن الشعارات الذي رفعها المتظاهرون من شعارات “الموت للديكتاتور…”، والإسراع بنقل هذا المجتمع المريض إلى غرفة الطوارئ؛ وسيخرج سليمًا معافى، بشرط تقديم العلاج.
•
خلاصات وخاتمة
– لا يمكن التهوين من تأثير الاحتجاجات التي تشهدها إيران وتتخذ عناوين اقتصادية بصورة أساسية، فهناك انقسام واضح في المجتمع الايراني، وأظهرت الانتخابات الأخيرة وجود كتلة اجتماعية وتيار قيد التشكل سيكون له تأثيره وحضوره في مستقبل إيران، ولعل الحرمان والغضب هو أبرز ملامح بنيته الاجتماعية، فضلًا عن شعوره بالتهميش الاجتماعي والاقتصادي، كما أن عمقه يمتد في الأرياف والمدن الأخرى غير طهران. وهو تيار شعبوي أقرب إلى أحمدي نجاد من غيره.
– ينتشر الفقر بنسبة كبيرة في المدن والأرياف الإيرانية وتضعه أرقام رسمية في حدود 12 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر المطلق، فيما يعيش ما بين 25- 30 مليون شخص فقرًا نسبيًّا.
– يجب ملاحظة أن الحملة ضد روحاني واتهامه بالفشل قد بدأت منذ أسابيع ويغذِّيها خصومه بشكل واضح وقد تكون شرارة الاحتجاج التي انطلقت برعاية أصولية مرتبطة بالصراع على خلافة المرشد.
– إن الشعارات ضد السياسات الإيرانية في الخارج، والتي رفعها المتظاهرون لا تمثل في حقيقتها معارضة أخلاقية لهذه السياسة بل تأتي من باب: المصباح الذي يحتاجه البيت يَحْرُم على الجامع، وفقراء إيران أحقُّ بالدعم، وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مايو/أيار 2017، لم تكن سياسة إيران الخارجية واردة في النقاش الداخلي، بل كان الاقتصاد، هو الموضوع الذي انصبَّ جُلُّ الحديث عليه..و لم يُطرَح موضوع تدخل إيران في سوريا، على سبيل المثال، ولو عرضًا.
– كما يجب عدم التقليل من أثر هذه الاحتجاجات، يجب في الوقت ذاته عدم التهويل بشأنها، بوصفها مهدِّدًا مباشرًا لبنية النظام القائم، فهو قوي ومستقر، بشكل كبير، لكن هذه الاحتجاجات تعد مؤشرًا على التحولات التي يشهدها المجتمع الإيراني، ولا يمكن إغفال تأثيرها مستقبلًا على شكل وبنية النظام القائم.
________________
د.فاطمة الصمادي – باحث أول في مركز الجزيرة للدراسات متخصصة في الشأن الإيراني.
Social Links: