انتفاضة الشعوب الإيرانية – أحمد نسيم برقاوي

انتفاضة الشعوب الإيرانية – أحمد نسيم برقاوي

انتفاضة الشعوب الإيرانية

أحمد نسيم برقاوي

تعتبر إيران وتركيا دولتين أقليميتن هامتين بالنسبة لنا نحن العرب ،فهما فضلاً عن الحدود الجغرافية التي تمتد من ساحل المتوسط إلى الخليج العربي ، فإنهما على أهمية تاريخية وثقافية وإقتصادية بالنسبة لآسيا العربية على وجه الخصوص وبالنسبة للعرب عموماً. وعندي بأن الحالة الطبيعية التي يجب أن تكون عليها العلاقات بين هاتين الدولتين وبين الدول العربية عموماً هي حالة التعاون و السلم و حسن الجوار و العمل المشترك في استقرار الشرق كله.

ولقد برز حضور هاتين الدولتين في أعلى صوره في التدخل المباشر في سوريا .و من الطرافة بمكان القول : بأن الدولتين متشابهتان في ضم أجزاء من مناطق عربية لها ، فكما ضُمت الأحواز إلى إيران بقرار بريطاني عام 1925 ضمت تركيا لواء إسكندرون وأراضٍ أخرى عام 1939 . ناهيك عن احتلال إيران للجزر العربيةالإماراتية عام 1971.

ومنذ نهاية دولة الشاه وقيام دولة ولاية الفقيه وجد النظام الإيراني الديني المستبد طريقه إلى الحياة العربية بحجة مواجهة الإمبريالية و الصهيونية و الظهور بمظهر المدافع عن القضية الفلسطينية ،في وقت راح يعمل فيه هذا النظام على ما يسمى بتصدير الثورة، عبر نوع من اختراق قوى طائفية وتشكل جيش احتياطي للنظام الإيراني في محاولة لتدمير النسيج الوطني لبعض البلدان العربية . ولقد انتهى هذا التدخل إلى حد حدا بمسؤول إيراني لأن يقول: بأن إيران تتحكم اليوم بأربع عواصم عربية هي دمشق و بغداد وصنعاء وبيروت . ولسنا بحاجة للعودة إلى تاريخ التدخل الإيراني في شؤون بلادنا، حسبنا القول أنه ما أن انفجر الربيع حتى انبرى النظام الإيراني ،بكل ما يملك من أدوات و فساد وتبذير ثروة ،للعمل مع نظم وقوى محلية على وأد الربيع هذا بكل ما ينطوي عليه من نزوع نحو الحرية و الكرامة الإنسانية و الإستقلال الوطني .ولقد ظهر هذا جلياً في إرسال مليشياته الطائفية و تمويل مليشيات تابعة له في العراق ولبنان و اليمن لسورية واليمن ، فضلاً عن تهديد الإستقرار في الدول المجاورة له .

أما على المستوى الداخلي ، فلقد غدت سلطة ولاية الفقيه ومؤسساتها وحرسها الثوري عامل نهب منظم للمجتمع الإيراني ،وعامل تبذير دائم للثروة الوطنية على تمويل أذرعه العسكرية و ميليشياته المنتشرة في دول عدة ، فضلا على تمويل برنامج نووي يدغدغ وهم السلطة التوسعية ، وإذا أضفنا إلى ذلك حجم الفساد الذي ينخر السلطة و الحرس الثوري، والإستبداد الذي ألغى حرية البشر وكرامتهم ، أدركنا حجم الكارثة الإنسانية و المعيشية التي تعيشها الشعوب الإيرانية بكل تنوعها الإتني و المذهبي . وقالت مؤسسة الخميني الإيرانية بأن 50% من الشعب الإيراني تحت خط الفقر ،أي 40 مليوناً من البشر ، أربعون مليون من البشر تحت خط الفقر ،لكنها لم تقل بأن المليارات تذهب إلى تنظيمات مسلحة باسم لبيك ياحسين و زينب لن تسبى مرتين .ولم تقل بأن مليارات الدولارات تصرف على برنامج نووي لا يقدم ولا يؤخر. وها هي الشعوب الإيرانية تنتفض في وجه هذا النمط من النظام الديني القروسطي وما يجري في مدن إيرانية حال طبيعية . وهي توق الشعوب الإيرانية للحرية والكرامة، والتخلص من النظام الاستبدادي ـ الطائفي، الذي يتغطّى بالدين، لتكريس نزوعه نحو الهيمنة ، عبر طبقة آيات الله،المؤسسة لنظام ولي الفقيه، وميلشيا “الحرس الثوري”، وذراعه فيلق القدس، وغيره من الأجهزة الأمنية.

ولما كانت إيران دولة إقليمية مجاورة ،وتربطها بالمنطقة علاقات ثقافية و اقتصادية غارقة في القدم فإن الأمل المرجو من إنتفاضة الشعوب الإيرانية أن تفضي إلى ولادة سياسة إيرانية جديدة تعمل على بناء مستقبل بين شعوب المنطقة يقوم على المصالح المشتركة واحترام سيادة الدول و حرية البشر.آملين أن تحقق انتفاضة الشعوب الإيرانية ما تصبو إليه من حرية ونعمة تتجاوز فيها الفقر و الجوع و ما تصبو إليه شعوب المنطقة من حرية و استقلال و استقرار.متمنين في الوقت نفسه أن تنتهي تلك الصفحة السوداء لسلطة ولاية الفقيه وحرسه الثوري، ووهم تصدير الثورة ، و ما خلفته وتخلفه سياسة النزوع نحو الهيمنة من مآسي وكوارث بحق الشعوب العربية وبخاصة بحق الشعب السوري و العراقي و اليماني و اللبناني .ولعمري إن شعوب المنطقة كلها تتطلع إلى ذلك اليوم الذي يعم فيه السلام و الأمن والإستقرار في هذا الأقليم الكبير بعيداً عن أوهام التوسع و الهيمنة وتصدير الثورات وما شابه ذلك من أهداف حمقاء ، إلى ذلك اليوم الذي تتحقق فيه رغبة الشعوب في العيش بكرامة و رفاه. ولا شيء ينقص تحقيق هذا إلا الإرادة ، لأن الشروط الموضوعية كلها متوافرة ، ولا تحتاج إلا لمن يفكر بمصالح البشر وقيمة الإنسان.

  • Social Links:

Leave a Reply