ليس بالضرورة أن تطال عمليات التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي التي يدافع عنها النظام، ويفرضها بقوتي الاحتلال الروسي والإيراني، كلَّ بقعة تشهد للسوريين بتاريخهم وذكرياتهم عبر قرون خلت، لكنها تشمل كل منطقة شهدت تمردًا، وشكّ النظام في أن إعادة تسويق نفسه مجددًا فيها ضربٌ من المستحيل. مشهد واحد من داخل العاصمة أثناء تشييع أحد قتلى الميليشيات الداعمة للنظام، وتأبينه بطريقة طائفية تُبشر السوريين بعملية قطع للرؤوس، يكفي لترسيخ المقصد من عملية التغيير الديموغرافي المطلوب.
النظام الذي اعتمد على حافلات التهجير، بعد دكّ الأحياء والمدن والبلدات بملايين القذائف، لإنجاز مهمة تحريك تلك الحافلات إلى الشمال السوري، أو دفن من تبقى من السكان تحت ركام منازلهم، أنجز الأمرين: التهجير والتدمير بعد القتل.
على الرغم من توقيع النظام وموسكو اتفاق “خفض التصعيد” الذي شمل بعض المناطق، فإن النظام بدأ حملة كبرى فيها، من توسيع عمليات القصف والدمار جنوب دمشق، وصولًا إلى توسيع التهديد لريفي حمص وحماة، وهي حملة تهدف إما إلى الاستسلام التام، أو فرض التهجير وتفريغ السكان أو من تبقى منهم.
لقد شغلت عمليات التهجير وفرض التغيير الديموغرافي حيزًا مهمًا في سياسة وسلوك النظام المحتمي بقوتي احتلال روسي وإيراني، ليُمكنا النظام من تحقيق أمرين:
الأول الانتقام، وتوفير ضمانات سياسية له لمشروع التهجير، والتغيير الديموغرافي في المحافل الدولية، على اعتبار أنهما جريمتا حرب ينبغي محاسبة وإخضاع مرتكبيها للمحاكمة الدولية، لهذا يُمرر صمت المجتمع الدولي عن جرائم التهجير، والتغيير الديموغرافي التي أنجزها النظام السوري والتي تنتظر الإنجاز، ومن أجل توفير تلك الضمانات، قامت موسكو بإجهاض محاولات السوريين إدانة النظام المجرم، ليكون ذلك بمثابة رأس جسر، ونقطة انطلاق للحصول على مزيد من الصمت والتآمر المخزِي.
الأمر الثاني مقترن بفرض عمليات التهجير وخطط تفريغ المناطق من سكانها السوريين، والذي توج بفرض قانون الاستيلاء على ممتلكات السوريين الذين هُجّروا وطُردوا من أرضهم، وقد غلّفه النظام وأدرجه في القائمة القانونية، بعد ممارسة الإرهاب والعنف على السكان، وتشريد زهاء نصف سكان سورية، وتدمير معظم المدن والأرياف التي شهدت عمليات تهجير.
يقول النظام مع قوى الاحتلال على أرضه للسوريين: سوف تخرجون من هنا، وإن لم توافقوا؛ فسنقتلكم أو نخرجكم بالقوة، وهو ما تحقق في أغلب المناطق التي يشعر النظام بأنها ستبقى تحمل العداء في نفوس من بقي فيها، كبيرًا وصغيرًا.
استهزأ معظم السوريين بـ “خطاب التجانس” الذي بشّر به سفاحهم قبل عام، لكن ها هو أحد مرتزقته “زين العابدين مراد” يتوعد بحرق دمشق، بعد أن خطّت كل عصاباته “الأسد أو نحرق البلد”، ليتعدى الأمر ذلك ويأخذ أبعادًا مختلفة وأشكالًا متعددة، ولم يقتصر في نتائجه وتفاعلاته، على العمل العسكري الذي طحن به النظام المجتمعَ السوري، بل تعدى ذلك ليأخذ البعد الأهم فيه، وقد شكل البعد الديموغرافي أحد وجوه العملة المتداولة في هذا الشأن، كما احتل هذا الجانب مساحة مهمة في المواجهة.
لن تعود المدن والأحياء والأزقة السورية، لا في حميميتها ولا في بنائها الاجتماعي، كسابق عهدها. في كلّ التفاصيل الباقية و”البائدة”، سيبقى هناك حقد أزلي على العصابة التي يعلم رئيسها جيدًا تلك التفاصيل، ويدرك أي موروثات يحملها السوري عن الفناء والبقاء والثورة والحرية وهدم حصن الطاغية. ينجح الطاغية بمعية قوتي احتلال في محو الجغرافيا وتغيير الديموغرافيا، لكنه سيبقى فاشي السوريين وسفاحهم، ولن يستطيع الولوج إلى الأبد كما المحتل.
Social Links: