آخر سكره
عمران كيالي
دخل بوغوص إلى مطعم التنور، و هو مدرس موسيقا و قائد لكورال الكنيسة البروتستانتية، بالإضافة إلى عمله كسائق تكسي، و كان الأصدقاء جالسين في صدر الصالة، في منتصف الطاولة ليتر من عرق جدودنا و ليتر من فودكا سميرنوف، مع زورق كبير من البندورة و الخيار و النعناع و الليمون المقسم و حشائش أخرى . على جانبي المائدة زورق من بزر الشمس و آخر من فستق العبيد، بالإضافة إلى صحن من الحمص و صحن من المتبل …
نهض سركيس، و هو طبيب أسنان خريج موسكو و يعمل في صيدلية بحي الفيلات، و قال لبوغوص : أهلين بارون بوغوص . رد بوغوص التحية له و للشباب ثم سحب كرسيا من الطاولة المجاورة و جلس إلى يمين أحمد، أحمد هذا كان في الكويت لمتابعة بعض القضايا المتعلقة بتجارته مع شركة ماجد هناك، هو صحافي بالإضافة إلى كونه عازف عود متمكن، و قد عاد منذ أيام و في قلبه شوق عارم للقاء الشلة …
رفع آزاد كأسه، و هو مراقب فني في السكك الحديدية و عازف بزق ماهر، و قال : خلونا نشرب كاس بارون بوغوص . رفع الجميع كؤوسهم و بدأوا بنقرها مع بعضها ثم ارتشاف القليل منها …
يقول محمد، و هو كاتب روائي يعمل كمدرس في الثانوية : لقد تأخر مسيو كاساتكين يا شباب . رد أبو اصطيف، مساعد مهندس و يعمل موجها إداريا في معهد للموسيقا : بيته بعيد، في حي السبيل، المشكلة مشكلة مواصلات …
بوغوص : يا جماعة، من كتر الزحمة، ربع ساعة حتى صفيت السيارة . أبو حنا، حاصل على الثانوية الزراعية و يعمل ممثلا مسرحيا مع فرقة العروبة : متى ستترك العمل على هذه التكسي الأنتيكا ؟. بوغوص : الله كريم، تكسي قديم، المهم بجيب مصاري . يتدخل كيفو، يعمل في ورشة كبيرة لتصويج و صيانة السيارات، لم يكمل تعليمه : بارون، أنت بكرا بجيب سيارة للورشة، أنا بظبطها . بوغوص : إن شاء الله . أبو عقيل، خريج تجارة و متفرغ للفن التشكيلي : إي و الله يا سيدي، ما حدا بيحسن يظبطها غير معلم كيفو …
رفع أبو حنا كأسه و قال : خلونا نشرب كاس بصحة معلم كيفو . رفع الجميع كؤوسهم و بدأوا بنقرها مع بعضها ثم ارتشاف القليل منها …
سأل أحمد : لشو جبتو الفودكا يا شباب ؟ أنا شايف الكل عم يشرب عرق . أجابه أبو اصطيف : مسيو كاساتكين لا يحب العرق . أحمد : مين هادا كاساتكين ؟. أبو اصطيف : هادا خبير روسي من أصحاب بارون سركيس . قال أحمد : أيوااااا يعني تافارش (رفيق) . أبو اصطيف : نعم سيدي، و زوجته أيضا مدرسة بيانو . أحمد : أنا أولادي يتعلمون العزف على الكمان . بوغوص، يوجه كلامه لأحمد : أنت ليش ما بحط بنتك رولا بالكورال ؟ صوتها كويس . أحمد : يا سيدي أنا ما عندي مانع، اعتبرها عندك بالكورال منذ الآن …
بعد ربع ساعة سيدخل تافارش كاساتكين و يقول : مرخبا صديق، كيفاك ؟. يرد الحضور على تحية كاساتكين، ينهض بارون سركيس قائلا : بريفييت تافارش (مرحبا رفيق) إيدي سودا (تعال إلى هنا) . كاساتكين : سباسيبا (شكرا) … يجلس كاساتكين قرب سركيس، ثم يمسك بقنينة الفودكا، يفتحها و يصب لنفسه كأسا صغيرة، ثم ينهض واقفا و يرفع الكأس، و قد نهض معه قسم من الشباب، و يقول بصوت جهوري : نازداروفيا (بصحتكم) صديق، كللو، مير (سلام) . ثم يشرب محتوى الكأس دفعة واحدة …
قال آزاد، موجها كلامه إلى كاساتكين : تافارش كاساتكين : إنتا بحب بوتين ؟. نظر كاساتكين إلى آزاد و قال، مع إشارة بيده و كأنه يكش ذبابة : نييت (لا) بوتين كاسورة . ضحك البعض من كلمة كاسورة إلى أن تدخل أبو عقيل : عيفونا يا شباب من السياسة و خلونا بالأدب و الفن . محمد : احكولنا شو نطلب عشا، جوانح أم شيش طاووق ؟. أبو اصطيف : و الله على قد المصرات إللي في جيبنا …..
بعد يومين من سهرة التنور، دخل محمد، بعد انتهائه من الدروس في الثانوية، إلى منتدى الشام و طلب من الكرصون أبو عبدو فنجان الإسبريسو ثم توجه إلى طاولة الشلة، سبقه في الحضور إلى الطاولة أبو عقيل الفنان التشكيلي و أبو حنا الممثل المسرحي و كيفو الذي كانت عطلته الأسبوعية من الورشة اليوم …
سأل بعد أن جلس : أين باقي الشلة ؟. أجابه كيفو : بارون سركيس خبرني من شوي، هو على الطريق … أمسك محمد بالجوال و طلب رقم أبو اصطيف و ذكره أن يحضر معه فلاشة الرواية ليتم تدقيقها …
بعد دقائق يدخل آزاد و بعده يدخل أحمد يتأبط ذراع بارون بوغوص …
اكتملت الشلة (عدا كاساتكين)، و بدأت الحوارات المجتزأة تبرد رويدا رويدا، إلى أن طرح أبو اصطيف على الآخرين سؤاله : ما رأيكم بكلام مسيو كاساتكين عن بوتين ؟. أجاب سركيس : و الله حكا معي بالروسي و مسح فيو الأرض، بس يا ترى لو كان في روسيا هل سيقول نفس الكلام ؟و المضحك في الأمر، أنه، يوم أمس، عندما ذكرته بما قاله عن بوتين، سأل مستغربا : أنا حكيت هيك ؟؟؟. أبو عقيل : هادا من تأثير الفودكا، مسحت له الذاكرة . أبو اصطيف : يبدو أنها جعلته يحكي ما بقلبه دون خوف من الرقابة …
أبو عقيل : و أنت نسيت شلون رحت ع الحمام و راجعت ؟. أبو اصطيف : لا ، ما نسيت، لأنو بعدها غسلت وجهي و صحيت و شلحت القميص الذي انتزع و كملت السهرة بالقميص الداخلي . محمد : و أنت نسيت يا أبو عقيل أنك وعدتني تخطب لي وحدة من بنات عمك . أبو عقيل : أنا وعدتك ؟؟؟ مو معقول، شو أنا جنيت؟؟؟ هالحكي من بنات أفكارك …
كيفو : و أنت نسيت يا محمد كيف صرت ترقص، و كيف تفشكلت، و بعدين وقعت ع الأرض . محمد : أنا ؟؟؟ لا، لا، أنا ما رقصت، أصلا أنا ما بعرف أرقص …
سركيس : و أنت نسيت يا كيفو كيف غنيت بالأرمني و بعدها صرت تبكي . كيفو : أنا بكيت ؟؟؟ لا، لا، يمكن غنيت وحدة حزينة . أحمد : إي بكيت يا كيفو و بالعلامة صار آزاد يبكي معك و راح يتذكر جارتو و يحكي عنها . آزاد : أنا حكيت على جارتي ؟؟؟.
أبو حنا : إي، و أحمد صار يعزف ع العود و يغني لوديع الصافي . أحمد : أنا عزفت و غنيت ؟؟؟ أصلا بالتنور ما في عود . أبو حنا : صح ما في، أنا رحت جبتلك عود من البيت بسيارة بوغوص …
بوغوص : بس أنا ما بتذكر عطيت مفاتيح السيارة لحدا . أبو حنا : بارون أنت كنت نايم ع الطاولة، و أنا بعد ما جبت العود وصلتك ع البيت، و طالعتني للطابق الثالث بدل الثاني، منيح أنو جيرانك طلعوا أوادم و قدروا الحالة . سركيس : و أنا مين وصلني ع البيت ؟؟؟ لأنو آخر شي أتذكره هو أغنية ولو ولو هيك بترحلوا عنا …
هوامش :
1– مات كل من أحمد و بوغوص و كاساتكين بأزمة قلبية …
2– طفش سركيس إلى أرمينيا …
3– طفش أبو حنا إلى مصر …
4– طفش أبو عقيل إلى لبنان …
5– طفش آزاد إلى أوربا …
6– تعفشت ورشة تصويج و صيانة السيارات التي يعمل فيها كيفو …
7– يمنع على محمد تناول الكحول بأمر الأطباء بعد العمل الجراحي الذي أجري له …
8– أحيل أبو اصطيف إلى التقاعد …
9– دوام الحال من المحال …
Social Links: