محنة إيران في سورية – يحيى العريضي

محنة إيران في سورية – يحيى العريضي

قارب قطار العبث الخميني الوصول إلى محطته الأخيرة، حيث بدأت رحلته في حربٍ على العراق؛ لتتوقف بتجرّع الخميني كأس السم؛ ثم ليستأنف رحلته العبثية في المكان نفسه عبر المشاركة مع الأميركيين (وضدهم) في الإجهاز على العراق. وكانوا قد قدموا أوراق اعتمادهم لـما درجوا على تسميته “الشيطان الأكبر” من خلال خدماتهم في أفغانستان. وفي كل مرة مما سبق من مهمات، خذلهم الأميركيون. وأخيراً حط قطار الملالي رحاله في سورية، مستخدماً حاجة مَرَضيَّة عند سلطة إجرامية مريضة، ترى أنها “إما أن تحكم البلد أو تدمره”. واكب تسلل الملالي هذا ما وهبته إدارة باراك أوباما لهم، ما يشبه المكافأة على خيبات سابقة، بتوقيع الاتفاق النووي معهم؛ ليأتي دونالد ترامب ويسحبها، ويقلب الطاولة عليهم وعلى الاتفاق؛ وليترافق ذلك مع مسعى لخنقهم في سورية، وليتحول ما اعتبره خليفة الخميني “درّة تاج” الجمهورية الإسلامية إلى كتلة نار، ربما تأتي على تلك الأحلام المريضة للملالي.
كانت التقية السلاح الأمضى في استراتيجية إيران. الدين كان سلاحاً، والمنظومة الحاكمة لا تقيم وزناً جوهرياً لذلك، إلا لتعزيز أجندتها السياسية. كان الإرهاب أداة فاعلة من أخذ الرهائن إلى اغتيال بعض سفراء الدول إلى زرع الخلايا النائمة إلى المخدّرات إلى العبث بأمن المحيط الإقليمي والدولي، وصولاً إلى استضافة قادة القاعدة. كانت المتاجرة بقضية فلسطين أداة لإجهاض أي محاولة عربية أو إسلامية في الدفاع عن الحقوق واستعادتها، عبر العبث بالجسم السياسي الفلسطيني بتقريب جهة واستهداف أخرى. كان مال النفط الايراني بإمرة الملالي والحرس الثوري لإنجاز أهداف التخريب والتوسع.
تتحول “إنجازات” الخارج إلى كارثة، لكن الأخطر يبقى الداخل الإيراني، حيث كل شيء

مؤجل: العيش الكريم، الاقتصاد العفي، النمو الاجتماعي أو التعليمي أو الثقافي، بانتظار أن تنجز “الثورة” أهدافها. حتى عندما يحصل تقدّم تقني، يُجيَّر باتجاه “إنجاز أهداف الثورة”؛ والتطور النووي الشاهد الأكبر. بعد توقيع الاتفاق النووي، تأمل الإيرانيون انفراجاً في بعض جوانب حياتهم، إثر انفضاح التلطي بشعار “الشيطان الأكبر”؛ ولكن عبثاً. نسبة هائلة من الأموال التي فُكَّ التجميد عنها ذهبت لشراء مزيد من الأسلحة والبذخ على حروب الملالي في سورية واليمن، وفي تغذية الإرهاب.
فاق استثمار الملالي في المأساة السورية أي استثمار عبثي لأي دولة. بعد فضحها أداتها حزب الله الذي كان السوريون يكنون له التقدير، وصلت إيران إلى حائط مسدود. لم ينفعها تبجحها بأن مصير أربع عواصم عربية بيدها، ولا الصمت الأميركي – الإسرائيلي المريب الذي ترك لها فسحة التخريب. ارتطمت طموحاتها المريضة بإرادة سورية شعبية تريد أن تعيش؛ وبعين حمراء عربية وإقليمية ودولية. عندما استحال الحسم على يدها ويد مليشياتها، دفعت بـ “النظام” المقعد إلى الاستنجاد بروسيا، لكي تبقي صبيّها في كرسيه؛ واعتبر مرشدها ذلك المقعد خطاً أحمر. عبثت وخربت كل محاولة لوقف النزف السوري. هللت لكل فيتو استخدمه بوتين لإجهاض أي محاولة لوقف المجرمين.
جاءت اللحظة التي تيقن رئيس روسيا، فلاديمير بوتين، أنه أنجز ما يريد في قفزته إلى سورية: إنجازا عسكريا يقدّم مصداقية لفاعلية السلاح الروسي، عبر تحويله سورية مسرح قتل وتدمير لاستعراض أسلحته، وإنجازا معنويا قابلا للترجمة في الداخل الروسي، وإنجازا عالميا بأنه يستطيع أن يفرض وقفاً لإطلاق النار، ويطلق عملية سلام في سورية. أدرك بوتين أن الوقت عدو له، فهذه الذروة من الإنجازات محكومة بالضياع أو الانحدار، إن هو تأخر بالتقاطها. بعكس ذلك تماماً كانت إيران؛ ما تحتاجه كان الوقت، كي تينع بذور السم التي زرعتها في سورية. إن هي قطعت تصدير القتل، وتوقف النزف والدمار، فمشروعها إلى نهاية حتمية.
أدركت إيران ذلك. كانت مطلةً تماماً على خطة بوتين. ومن هنا، سارعت إلى الانضمام إلى

اللقاء الثلاثي في موسكو، علّها تتوقى “خفي حُنين”. مهرت “إعلان موسكو” بتوقيعها؛ وخرج إعلان الهدنة أو وقف إطلاق النار في عموم سورية من دون أن تمهره بخبثها، ليكون كأس السم الذي لا بد من أن تتجرّعه، وإلا الانكشاف أو الانفضاح المدوي. وبكل “تقية” رحبت بالاتفاق، على الرغم من أنه يحمل في ثناياه خروج كل المليشيات الغريبة من سورية… أي خروج مليشياتها كباقي القتلة من سورية، أي توقيع قرار إعدامها بيدها.
ستشبه خطوة إيران التالية مسلك الانتحاري الجبان: لا هي تستطيع الاستمرار بفعلتها بحكم وجود يد فوق يدها فيما اعتبرته “درّة تاجها”، ولا هي تستطيع التوقف عن منهجيتها في العبث الذي تعيش عليه، وتنكفئ إلى داخلها وغليانه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. ستسعى، بكل خبث وتقية، إلى تخريب تلك الولادة الجديدة القسرية للأمان؛ ولكن عبثاً، الكل لها بالمرصاد: خطها الأحمر أصبح عبئاً على من جاء من صقيع روسيا لإنقاذه، وتحول إلى عبء عليها ذاتها بحمله أطنانا من الجرائم. لن تسمح روسيا لأحد أن يعبث بما أنجزت. لا تحتمل أميركا مزيدا من الأوبامية التي قد تصل إلى أمنها القومي. تعب الأوروبيون من التدفق البشري الذي تساهم به طهران، وتكاد تتعرض إلى اهتزازات سياسية قاتلة.
لأول مرة ربما يستشعر الملالي ثقل عبثهم ونتائجه. إنها ربما المحنة التي صنعوها بأيديهم. لن يكون خروج الملالي من عاصمة عربية أرادوها منصةً لإنجاز مشروعهم المريض، وتتويجاً لجهود دموية قارب عمرها أربعة عقود، بل خروجاً من حياة المنطقة، وربما من حياة الإيرانيين. إنها محنة النهاية. إنها لعنة الدم السوري.

  • Social Links:

Leave a Reply